على مدار أكثر من 20 عامًا، كان “د. چيم وازنزرز” دائم التجوال، نهارًا وليلاً، في شوارع مدينة بتسبرج الألمانية. تخرَّج چيم من إحدى كليات الطب بألمانيا عام 1992، وبعد اجتهاد في الدراسة، كان ينتظر بفارغ الصبر هو والكثيرين من زملائه الخريجين، اليوم الذي يحصلون فيه على ترخيص مزاولة المهنة كأطباء في ألمانيا، المعروفة بتقدمها في مجالات الطب. بدأ الكثير من زملائه رحلة البحث عن عيادات خاصة تحمل أسماءهم، بينما ذهب آخرون ليتعاقدوا مع مستشفيات شهيرة تحقِّق دخلاً كبيرًا وخبرةً أكثر؛ أما د. چيم وازنزرز، فكان يحمل حلمًا مختلفًا ولديه رؤية من نوعٍ أعمق، تختلف عن الكثير من رفقاء المهنة... فقد كان يرى في الإنسان قيمة كبيرة، دفعته وهو الطبيب أن يذهب بنفسه إلى المرضى ليداوي جراحهم ويخفف آلامهم، وبخاصة المحتاجين والذين لا يقدرون على الذهاب إلى الطبيب. لذا أخذ على عاتقه أن يذهب ليداوي ويعالج من لا طبيب لهم ولا مأوى، الذين رفضهم ولفظهم المجتمع بسبب فقرهم من ناحية، وجرائم بعضهم من ناحية أخرى، لذلك سكنوا لشوارع وتشردوا وصاروا في وحدة بلا محب أو رفيق، إنهم أطفال ورجال ونساء الشوارع.
صرَّح د. چيم قائلاً: “لقد صُعقت من كثرة عددهم. كثيرون منهم يعانون قروحًا دامية وجروحًا غائرة، بل وسرطانات منتشرة لا يدركون مدى خطورتها”. كانت فلسفته هي أن: “أفضل طريقة لعلاج المتشرد هي أن تذهب إليه بنفسك”. فكيف يقدر المتشرد والفقير أن يذهب إلى الطبيب؟! وقد صدق د. چيم في ذلك.
مرت السنين وازداد د. چيم اقتناعًا برؤيته في العمل في هذا المجال، تقديرًا للنفس البشرية. كانت شوارع بتسبرج هى عيادته، وأرصفتها هي أسِرَّة مرضاه. لقد فحص وعالج أكثر من 26 ألف مريض. وتعوَّد المرضى من سكان شوارع بتسبرج أن لا يذهبوا للطبيب، بل أن يأتي هو بنفسه إليهم، ليضمِّد جراحاتهم ويخفِّف آلامهم. لذلك كانوا يلقبونه بـ“الطبيب العجيب”، وكتبت عنه الصحف الالمانية ولقَّبته بـ“طبيب الشوارع” بعدما علموا بقصته.
صديقي وصديقتي... كان للدكتور جيم وازنزرز تلك الرؤية العميقة والهدف السامي؛ لذلك ضحّى بحلمه المشروع في التدرج الوظيفي والمالي لمهنة الطب، وترك البحث عن عيادة خاصة أو مستشفى كبير، ليتفرغ للمشردين بالشوارع. وهذا يذكِّرنا بالطبيب الأعظم والمخلِّص الأوحد: الرب يسوع المسيح، الذي «يَذْهَبَ لأَجْلِ الضَّالِّ حَتَّى يَجِدَه» (لوقا15: 4). فهو الذي يُقدِّر النفس البشرية حقَّ قَدرها مثل “كَنْز مُخْفىً فِي حَقْل”، لذلك «مَضَى وَبَاعَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ وَاشْتَرَى الحقل» (متى13: 44). بل وهو الذي «لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ» (فيلبي2: 8).
سيدي المسيح، طبيبي الأعظمما أعظمك سيدي وأنت ترى الأعمى المتسول بارتيماوس وهو ملقي على قارعة الطريق، لا حول له ولا قوة.. فتقف له خصيصًا وتناديه لتسأله: «ماذا تريد أن أفعل بك؟». وإذ قال لك: «أن أبصر»؛ فللوقت منحته البصر من دون أي شرط (مرقس10: 49-52).
ما أرق قلبك يا طبيبي العظيم عندما دخلت بيت سمعان بطرس، وأخبروك عن حماته وقد أعيتها الحمى وأضجعتها.. فتتقدمت إليها وأمسكت بيدها واقمتها لتتركها الحمى في الحال (مرقس1: 29-34).
ما أحن قلبك يا سيدي وأنت ترى أرملة مكلومة، فقدت ابنها الوحيد في مدينة نايين تمنعها دموعها من أن تراك.. فتراها أنت بعيون المحبة والحنان هامسًا في أذنها «لا تبكي»، ثم تأمر ابنها الميت ليودع الموت ويحيا من جديد بأمر واحد منك «أيها الشاب لك أقول قم» (لوقا7: 13-14).
ما أطهرك يا سيدي وأنت ترفق وتتحنَّن على أبرص قد لفظه وعزله المجتمع خارجًا إذ إنه نجس.. فتتكلم معه وتلمسه قائلاً «أريد فاطهر فللوقت يذهب عنه البرص» (مرقس1: 40-45).
ما أقواك يا سيدي وأنت رئيس الحياة تذهب إلى القبور حيث يرقد الموتى، لتمنح الحرية لمجنون خطر على البشرية مقيَّد بالقيود الشيطانية؛ إذ كان يسكنه لاجئون (آلاف الشياطين).. فتعقِّله، وتفُكَّ أسرِهِ، مانحًا له الحرية، فيصير جالسًا ولابسًا وعاقلاً (مرقس5: 1-20).
صديقي.. صديقتي..ربما تكون وحيدًا بلا رفيق أو أهل أو خِلاّن.. تشعر بالوحدة والتعب وعدم الأمان.. تصرخ متألمًا ليس لي إنسان.. ها الرب يسوع المسيح الحنَّان.. يبحث عنك حيثما كنت في أي مكان.. فهو الطبيب الأعظم الذي يداوي القلوب و يفرِّج الأحزان... هيا إليه فتنعم بالشفاء والصحة والغفران..
أخيرًا، أخي.. أختي..قد تكون اختبرت خلاص المسيح من فترة طويلة، لكنك لا تحمل بشرى الخلاص للتائهين في ضلال خطاياهم، والمقيَّدين بقيود إبليس، ومن يعانون من الفقر الروحي والعوز الحقيقي للطبيب العظيم الرب يسوع المسيح... فهل تستمع معي لقول الحكيم: «أَنْقِذِ الْمُنْقَادِينَ إِلَى الْمَوْتِ، وَالْمَمْدُودِينَ لِلْقَتْلِ. لاَ تَمْتَنِعْ» (أمثال24: 11). لذا دعنا نضع المسؤولية على عواتقنا ونصرخ مع الرسول بولس «الضَّرُورَةُ مَوْضُوعَةٌ عَلَيَّ، فَوَيْلٌ لِي إِنْ كُنْتُ لاَ أُبَشِّرُ» (1كورنثوس9: 16).