“عفواً..هذه الصفحة غير متاحة sorry, this page isn't available!”. رسالة تظهر على شاشة الكمبيوتر عندما يحاول أحدهم الوصول لموقع معين على الإنترنت ويجده محجوبًا، وغالبًا ما تصيبه خيبة الأمل أو التأفف والملل؛ فيكرِّر المحاولة عدة مرات عسى أن يكون سببها ضعف الإنترنت أو مشكلة فنية، ثم يكتشف في نهاية الأمر أن الموقع قد تم حجبه من قبل جهة لها سلطة أن تغلق الموقع المطلوب. معروف أن السلطات تتدخل بحجب بعض المواقع إذا ثبت أنها غير أخلاقية أو تسبِّب نوعًا من الضرر أو الخطر على المجتمع. يختلف سبب الحجب من مجتمع لآخر؛ قد يكون تحفُّظًا وتحسُّبًا، وأحيانًا يكون تعسُّفًا وتعصُّبًا. على أيَّة حال، ليس هذا ما يهم في موضوعنا، لكن ما يهم بالأكثر؛ عندما يبحث الواحد عن شيء بلهفة وشوق، ويسعى جاهدًا نحوه، وتأتيه ذات الرسالة لا من شبكة الإنترنت بل من السماء، والتي يُفهم منها أن الباب الذي قصده صار مغلقًا.
إذا استقبلت رسالة كهذه من الله، هل ستخضع وتقنع أم تعيد البحث باستياء وتذمُّر؟! ربما رغبت في أمر بكل قلبك وانتظرت تحقيقه ولم تنله؛ فأصابك الإحباط الشديد، خصوصًا عندما تَجِد غيرك ينعم بما كنت ترجوه؛ فتتملكك الغيرة، وترثي حظك العاثر، وقد يراودك خاطر أن الله يرى أنك غير مستحق لهذا الأمر فحرمك منه عقابًا لك.
نحن نميل أن نتعلق بالوعد القائل: «هانذا قد جعلت أمامك بابًا مفتوحًا ولا يستطيع أحد أن يغلقه» (رؤيا3: 8)، ولا نلتفت للآية السابقة لها التي تقول «هذا يقوله القدوس الحق... الذي يفتح ولا أحد يغلق ويغلق ولا أحد يفتح»، وبينهما يقول: «أنا عارف أعمالك»؛ أي أن الرب “القدوس الحق” لا يفتح سوى الأبواب التي يراها تتوافق مع طبيعته ومع خطته لحياتنا. أحيانًا يسمح الرب أن يكون الباب مغلقًا إلى حين، كي نثابر في طلب الرب، وبذلك يدِّربنا بالصبر ويشكِّل فينا قبل أن ننال منه مطلبنا.
لنتأمل الآن في بعض الدواعي التي يمكن أن تجعل الرب لا يعطينا ما نبتغيه:
1. أبواب يغلقها ليحفظنا من شر أو ضرراعلم أن الرب يرى ما لا تراه أنت، يرى ما يدبِّره الأشرار في الظلام وما يخطِّط له الشيطان، ويرى الأخطار التي قد تواجهك إن تواجَدت في مكان ما في توقيت معين؛ لذلك إن طلبت الرب من جهة مكان إقامة أو وظيفة أو سفر لمكان ما، ووجدت الفرصة غير متاحة لك، رغم نقاوة قلبك وصحة دوافعك؛ فاشكر الرب وسلِّم له طريقك واخضع له راضيًا وقانعًا.
كما أن الرب يتدخل ويغلق الأبواب التي نقرعها عندما نكون في وضع غير صحيح. مثلاً: لم تتحقق طلبة داود من أخيش ملك جت حين طلب منه أن يذهب ويحارب معه، بل هيج الرب عليه أقطاب الفلسطينيين ليمنعوه من المشاركة معهم في الحرب، كان ذلك الباب المغلق من الرب لكي يعود داود ورجاله بسرعة لا ليردوا نساءهم وأولادهم (الذين سباهم للتو عماليق بعد حريق صقلغ) فحسب، بل ليرد الرب نفس داود أيضًا. أما يونان عندما جعل وجهه تجاه ترشيش هروبًا من الرب، لم يهيج عليه البشر بل هيج البحر والرياح الشديدة ليعمل ما كلفه الرب به.
2. أبواب يغلقها لأنه رأى لنا شيئًا أفضلإن كنت قد التحقت بكلية لم تكن هي اختيارك الأول مع أنك كنت أمينًا في القيام بكل ما لزم أن تفعله، انتظر الرب واصبر له، فستجد أن جوده المذخَّر لحسابك أكثر مما ترجيته من البدائل الأخرى. هذا ليس ضد الطموح على الإطلاق، فإن كنت لم تقصِّر في شيء ثم سلمت للرب طريقك واتكلت عليه؛ فثق في ترتيبه واختياره لك. الله يعلم محدودية إدراكنا لذلك يمسك بيد كل منا ويدربنا على السير في سبله التي تتوافق مع قصده وخطته المرسومة لنا. المؤمن الذي تدرَّب على سماع صوت الرب في حياته لا يجد مشقة في تمييز ما يريده الرب، كما أنه لا يصارع كثيرًا من أجل التشبث برغبته لإنه يدرك أن مشيئة الرب صالحة وكاملة ومرضية. نحن عادة لا نكتشف أن ترتيب الرب (الذي جاء بخلاف الرغبة الشخصية) هو الأفضل في بادئ الأمر، لكن بعد الخضوع يستنير الذهن ويأتي الفهم. ربما تدرك بعد سنين كثيرة سبب عدم استجابة الرب لطلبة طلبتها بإلحاح من زمن مضى، لكن عندما صارت الصورة أكثر وضوحًا على مر السنين تحول الأمر من سبب للتذمر إلى مدعاة للشكر. «اشْكُرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ، لأَنَّ هذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ اللهِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ مِنْ جِهَتِكُمْ» (1تسالونيكي5: 18)
3. أبواب يغلقها لأن الوقت لم يحِن بعدالحقيقة التي نحتاج أن نتذكرها دائمًا أن «لكل شيء وقت» وأن آجالنا (أي أوقاتنا) في يده، مرتَّبة بإتقان شديد. من علامات الطفولة أن الطفل يريد أن تتحقق رغبته على الفور، أما الناضج يعرف ضرورة الانتظار.
ربما تسعى لأمر صحيح، بدافع نقي تريد أن تكرم الله من خلاله، لكن الرب يرى أن الوقت لم يحِن بعد. في الحقيقة من الصعب أن يقبل الشاب المؤمن ذلك في وقتها، لكن مع مرور الأيام تتحقق طلبته. ببساطة لأن الرب يعرف أشواق قلوبنا، ويكافئ من يصبر له، فإنه لو تأنّي يستجيب في الوقت المعين. هذا ليس معناه أن كل ما نرجوه من أمور مباركة تمجِّد الرب سوف تتحقق في المستقبل، إنما الرب في حكمته يحقِّق فقط ما يتوافق من هذه الآمال مع مشيئته الصالحة. معروف أن الانتظار الطويل الذي يخلو من الرجاء اليقيني يصيب النفس بالضيق؛ فالرجاء المماطل يمرض القلب، أما الذي ينتظر الرب فيثق تمامًا في صلاح الرب وحكمته، ويعلم أن الرب سيحقِّق مَسَرّة صلاحه في التوقيت الصحيح. لذلك؛ فالذي يجعل رجاءه في الرب لا يكِلّ ولا يخور، بل تتجدَّد طاقاته ويسمو إدراكه مع الأيام. تذكر الوعد القائل: «أَمَّا مُنْتَظِرُو الرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَالنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ. يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ» (إشعياء40: 31).
إذا استجبت مسرعًا أو إن أردت الانتظار
| في كل حال أشكر فأنت صاحب القرار
|