تناولنا في العدد السابق أربع معجزات أجراها الرب لاخراج الشياطين، وسنكمل هذه المجموعة بالثلاث معجزات الباقية، والتي سنرى فيها تحرير نفس الإنسان من الشيطان وشفاء جسده من الأمراض.
5. شفاء المرأة المنحنية: (اقرأ لوقا13: 10-17)
أمامنا حالة ضعف مركَّب: فهي امرأة؛ إناء ضعيف، وبها روح ضعف (روح شرير). «لأَنَّ الْمَسِيحَ، إِذْ كُنَّا بَعْدُ ضُعَفَاءَ، مَاتَ فِي الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ لأَجْلِ الْفُجَّارِ» (رومية5: 6).
منحنية: انحناء ظهرها سبَّبه لها الشيطان. فقد قال عنها الرب «وهذه وهي ابنة إبراهيم قد ربطها الشيطان ثماني عشرة سنة». والكتاب يخبرنا أن بعض الأمراض عند بعض الناس هي نتيجة عمل الشيطان وبسماح من الرب، مثل قروح أيوب، وشوكة بولس؛ لكن الرب قادر على تحويل هذه الأمراض لمجده لكل من يؤمن به. والمنحني دائمًا نَظره لأسفل كالبهائم التي تُباد، ولا يستطيع أن يرفع عينيه ويطلب ما فوق حيث المسيح جالس «اَلْبِرُّ يَرْفَعُ شَأْنَ الأُمَّةِ، وَعَارُ الشُّعُوبِ الْخَطِيَّةُ» (أمثال14: 34). فلكل منحنٍ تحت ثقل الخطية أو تجارب الحياة، ليتك تقول لنفسك «لماذا أنت منحنية في يا نفسي... ترجي الله» (مزمور42: 11؛ 43: 5).
عمل المسيح معها:
رآها، هي لم ترَه لانحناءها. قيل عن مريض بركة بيت حسدا «هذا رآه يسوع» (يوحنا5)، فعينا الرب تجولان كل الأرض، ويراك أنت صديقي القارئ أينما وكيفما كنت.
ثم دعاها: هي لم تدعوه مع أنه قريب، لكن بالنعمة هو يدعوها ويدعوك أنت صديقي القاريء مع كل المتعبين «تعالوا إليَّ وأنا أريحكم «فهل تستجيب لدعوته؟!».
ثم كلَّمها: «أنت محلولة»؛ أنت حرة طليقة من قبضة الشيطان الذي يربط – يمتلك – بسلاسل الخطية. فالمسيح يحرر «فأن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارا» (يوحنا 8: 36).
وضع عليها يديه: يا لها من لمسة حنان من إنسان يرثي لضعفاتنا، ومن إله يقدر أن يشفي أمراضنا. ففي وضع اليدين نرى البدلية التي بها «هو حمل أمراضنا»، فانتقل إلينا شفاؤه وكماله وأمجاده.
نتيجة المعجزة:
استقامت: «لِتَنْظُرْ عَيْنَاكَ إِلَى قُدَّامِكَ، وَأَجْفَانُكَ إِلَى أَمَامِكَ مُسْتَقِيمًا» (أمثال4: 25). فمن يلتقي بالمسيح يستقيم في كل شيء، في كلامه، وسلوكه، وكل معوج في حياته.
ومجَّدت الله: قال الله عن الإنسان «لمجدي خلقته» (إشعياء43: 7)؛ فها هي عادت للأصل. فهل يتمجد الله في حياتك؟
6. شفاء ابنة المرأة الكنعانية: (اقرأ متي15: 21-28؛ مرقس7: 24-30).
يهتم المسيح بالفرد كالجماعة، وبالأممي كاليهودي، فالله أحب العالم، والمسيح مات لأجل الجميع. فهو: نور إعلان للأمم، وعليه يكون رجاء الأمم. فقد سار الرب من اليهودية الي حدود سوريا – حوالي 80 كم – ليصل بالبَرَكة لإنسانة تمنعها الحدود والديانة من دخول اورشليم والهيكل، وها هو رب الهيكل يذهب إليها ليعطيها ما تتمناه.
الحاجة وراء اللجاجة، والضيق يعلم الصراخ: يسمح الرب أحيانا أن نجتاز في احتياج وضيق. ليعلِّمنا الصراخ له، ويظهر معدن إيماننا. فقد كان للمرأة ايمان عظيم، جعلها تبحث عمن سمعت عنه، حتي التقت به. وهي واحدة من اثنين مدح المسيح إيمانهما، هي وقائد المئة (متى8: 10)، وكلاهما أممي. وكان لها أيضًا محبة لابنتها – رغم أنها مجنونة – جعلتها تتعب كثيرًا لأجلها. وإيمانها ومحبتها أعطياها رجاء لا يخزى.
الإيمان العظيم:
- مؤسَّس على كلام الرب وأعماله «سمعت به» فأتت له.
- يظهر في الاهتمام بالآخرين وخاصة الأقرباء حتى وإن كانوا مجانين.
- يقود للاعتراف بعدم الاستحقاق، ولكنه يتمسَّك بالنعمة التي تعطي كل شيء. فالمرأة لم تأخذ الفتات الساقط من المائدة، بل شبعت بخبز الله النازل من السماء. وصار لها الحق في الجلوس على مائدة الآب، لأنها صارت من أهل بيت الله. وأيضًا نالت من المسيح شفاء ابنتها ومدح إيمانها.
- لا يتزعزع رغم الصعوبات: فالرب لم يجبها بكلمة، وبعد تدخُّل التلاميذ صدَّها بالقول «خبز البنين لا يطرح للكلاب»؛ هذه المعطّلات أظهرت إيمانها العظيم. فالنار تُنقي الذهب. لكنها تحرق العشب والخشب.
الشيطان يخرج بكلمة: قال المسيح كلمة، فشفى غلام قائد المئة، وهنا قال كلمة، فأخرج الشيطان عن بُعد، وهذا دليل كبير علي لاهوت المسيح.
7. الولد المصروع: (اقرأ متى17: 14-21، مرقس9: 14-29، لوقا9: 27-43)
حدثت هذه المعجزة بعد مشهد جبل التجلي. فعلي الجبل إعلان مجد المسيح وحضوره الذي يحوِّل الليل إلى نهار؛ مشهد تمنّي بطرس ألا ينتهي. ولكن بالأسفل، كان الشيطان يعمل ويتسيَّد في ظلمة ليل غياب المسيح، ويعذِّب هذا الشاب المسكين، والكتبة يحاورون التلاميذ العاجزين عن إخراج الشيطان من هذا المسكين، وذلك لعدم إيمانهم. وهنا ظهر الرب الذي أخرج الشيطان ووبَّخ عدم الإيمان.
الشيطان والانسان: قال المسيح إن السارق لا يأتي إلا ليسرق ويذبح ويهلك. ومن الشواهد المذكورة نفهم أن الشيطان استلم هذا الشاب منذ صباه، وصار يصرعه، ويُرضِّضه، ويمزّقه، ويصيبه بالتشنج، ويمرغه في التراب، ويلقيه في النار والماء ليهلكه، وجعله أخرس وأصم. يا للعجب! فماذا بقي في الإنسان من آدمية؟ وكم أذل الشيطان الإنسان. هذه الحالة جعلت أبو الولد يشك في قدرة المسيح لذا قال له «إن كنت تستطيع شيئًا فتحنن علينا وأعنا» ولكن هل يستحيل على الرب شيء؟
في معجزة المرأة الأممية رأينا أم تصرخ لأجل ابنتها، وهنا أب يطلب لأجل ابنه، وهذا يشجع الآباء مهما وصل حال الأبناء فالإيمان يفعل المستحيل.
عزيزي القارئ:
إن كان الشيطان قد أحناك، وصرت ألعوبة في يده، ومهما كانت حالتك، وإن كان الكل فشل في علاجك أو اصلاحك، فالمسيح يدعوك؛ فكل شيء مستطاع لديه، وأيضًا كل شيء مستطاع للمؤمن. فهل تؤمن به؟