بينما كان الواعظ الشهير مودي في لحظاته الأخيرة، نظر لأحبائه الذين وقفوا حول فراشه يودِّعونه وقال لهم: “غدًا ستقرأون في الصحف أن مودي قد مات فلا تصدِّقوا هذا الخبر، فالحقيقة إنني فقط سأغيِّر عنوان إقامتي إلى موطني الدائم في السماء”.
نعم إنها حقيقة عظيمة أن المؤمنين بالمسيح ينتسبون إلى السماء، وهي أيضًا فضيلة روحية رائعة تجعلنا نتصَّرف ونعيش كسماويين.
أولاً: من هم السماويين؟!
1. هم أناس كانوا خطاة مثلي ومثلك، تقابَلَت معهم نعمة الله الغنية، ومن خلال عمل صليب المسيح تمتَّعوا بعمل إلهي فيهم «ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح... وأقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع» (أفسس2: 5).
2. ارتبط هؤلاء المفديين بالمسيح السماوي، فأصبحوا مثله سماويين، بعد أن كانوا مجرد بني آدم الترابي «كما هو الترابي هكذا الترابيون أيضًا. وكما هو السماوي هكذا السماويون أيضًا» (1كورنثوس15: 48). فيا للرفعة والسمو!!
3. ومن خلال الولادة من فوق (يوحنا3:3) - أي الولادة الروحية الجديدة من الله - يحصل الشخص على طبيعة الله السماوية... «شركاء الطبيعة الإلهية» (2بطرس1: 4)، فهل وُلِدتَ من الله ونلتَ الطبيعة الإلهية وأصبحتَ مسيحيًا سماويًا؟!
ثانيًا: البركات السماوية للمؤمنين السماويين
1. «مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح» (أفسس1: 3). يشرح الرسول بولس في رسالته لمؤمني أفسس امتياز ارتباطهم بالمسيح الرأس، وما صارت لهم ولنا في المسيح من بركات روحية في السماويات. والسماويات ليست مكانًا جغرافيًا، بل نوعية ودائرة بركات إلهية.
2. مؤمني العهد القديم كانوا أرضيين، لم يأخذوا أمتياز سكني الروح القدس فيهم، فكانت أفكارهم أرضية وأيضًا بركاتهم أرضية، فأعظم ما لهم «أرضًا تفيض لبنًا وعسلاً» (خروج13: 5)، وأيضًا «ومباركة تكون سلتك ومعجنك» (تثنية28: 5).
3. الجنسية سماوية: «فإن سيرتنا نحن هي في السماوات التي منها أيضًا ننتظر مخلّصًا هو الرب يسوع المسيح» (فيلبى3: 20). وكلمة «سيرتنا» تعني “جنسيتنا”، فهي هوية ليست من هذا العالم، كما أن ربنا يسوع لم يكن منه. قديمًا كان من يحمل الجنسية الرومانية يظن أنه أصبح سيد الشعوب، ومن يحمل الجنسية اليهودية يظن أنه أقدس كل الناس، وهذا ما كان يفتخر به الرسول بولس قبل الإيمان «عبرانى من العبرانيين»!! لكن ضاعت الدولة الرومانية وتوارت الديانة اليهودية.
4. سمو الجنسية السماوية: يقول الرسول بطرس للمؤمنين «وأما أنتم فجنس مختار وكهنوت ملوكي أمة مقدسة شعب إقتناء» (1بطرس2: 9)، ويؤكد الرسول يعقوب «شاء فولدنا بكلمة الحق لكي نكون باكورة من خلائقه» (يعقوب1: 18). يا للروعة والسمو التي أوصلتنا إليه نعمة الله في المسيح! ليت الرب يفتح عيون أذهاننا حتى لا نُحبَط من جنسيتنا الأرضية، ولا ننخدع بوجودنا في أفخم العواصم العالمية، لأن هيئة هذا العالم تزول.
ثالثًا: سلوكيات المؤمنين السماويين
بالتأكيد أن ما يميِّز المؤمن الحقيقي بالمسيح ليست العبارات الرنانة التي يردِّدها، ولا الترنيمات الحماسية التي ينشدها، بل السلوكيات المسيحية اليومية التي تؤكِّد أنه سماوي مثلاً:
1. الاختلاف والتميُّز عن أهل العالم: لقد شهد بلعام العراف الرديء عن شعب الله شهادة رائعة قائلاً «هوذا شعب يسكن وحده وبين الشعوب لا يُحسب» (عدد23: 9).
2. لا يستهويهم العالم بماله وما فيه: فقال إبراهيم السماوي لملك سدوم الذي أراد أن يكافئه لانتصاره واسترداده النفوس المسبية «رفعت يدي إلى الرب الإله العلي مالك السماء والأرض» (تكوين14: 22)، وهكذا فعل أيضًا دانيآل فبعدما فسّر الكتابة للملك بيلشاصر، وأراد الملك أن يعطيه قلادة ذهب تساوي آلاف الجنيهات اليوم، لكن دانيآل رفض بإباء، قائلاً «لتكن عطاياك لنفسك وَهَبْ هباتك لغيري» (دانيال5: 17). لقد أقتنعوا بأن كل ما تحت الشمس باطل الأباطيل، وأيضًا مع المسيح لا يريدوا شيئًا.
3. يضيئون كأنوار في العالم: عندما خلق الله الخليقة عمل نورًا لهذا الكون «فعمل الله النورين العظيمين. النور الأكبر لحكم النهار والنور الأصغر لحكم الليل» (تكوين1: 16). فالنور الأكبر وهو الشمس، نرى فيه إشارة إلى المسيح نور العالم، أما وقت غياب الشمس، يظهر القمر في السماء ليضيء ظلام الليل، وهو صورة للمؤمنين الذين يضيئون وسط ظلام ليل العالم حتى يأتي المسيح ثانية، «أولادًا للّه... تضيئون بينهم كأنوار في العالم» (فيلبي2: 15).
4. يعيشون كقديسين رغم نجاسة العالم: «اطلب إليكم كغرباء ونزلاء أن تمتنعوا عن الشهوات الجسدية التي تحارب النفس» (1بطرس2: 11).
5. سفراء عن المسيح: هم ينتمون للسماء، ولكنهم مُرسَلُون إلى الأرض من المسيح، كسفراء يطلبون عن المسيح أن يتصالحوا مع الله.
رابعًا: تطلعات السماويين واشتياقاتهم
تختلف تطلعات المؤمنين السماويين عن أولئك الأرضيين في كل شيء:
1. مشغوليتهم بفوق، لا بما على الأرض: بينما يفكِّر الناس كلها في الأرض والأرضيات، تعلَّقت قلوب المؤمنين بالسماء «ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله» (كولوسي3: 1).
2. ينتظرون مجيء المسيح من السماء: «وتنتظروا ابنه من السماء الذي أقامه من الأموات يسوع الذي ينقذنا من الغضب الآتي» (1تسالونيكي1: 10).
3. ينتظرون الوطن السماوي: اقتنعوا بأن الأرض كلها ليست مكانهم، وهناك فقط في السماء مكانهم «أقَرّوا بأنهم غرباء ونزلاء على الأرض... ولكن الآن يبتغون وطنًا أفضل أي سماويًا» (عبرانيين11: 13).
أحبائي.. هل فعلاً أخذنا هذه الطبيعة الإلهية والجنسية السماوية بالولادة الجدية من الله؟! يا ليتنا نُظهر للناس من حولنا انتمائنا للسماوي الأعظم، ربنا يسوع المسيح، وأرتباطنا بالوطن الأبدي، وأن تَتَسِم سلوكيتانا بهذه الفضيلة الراقية والرائعة، أقصد السلوك السماوي والأخلاقيات العليا.