عندما كان الصبي يسوع له من العمر حوالي سنتين، فوجئت أمه بمجوس (علماء في الفلك ودراسة أسرار الطبيعة) قد أتوا من بلاد بعيدة، شرق إسرائيل، يسألون عن المولود ملك اليهود، وقد أتوا بطريقة عجيبة وحكوا قصتهم المدهشة (اقرأ القصة في متى2):
منذ حوالي سنتين رأوا نجمًا وهم في بلادهم في المشرق. وكان هذا النجم مختلفًا عن كل النجوم الآخرى؛ فأدركوا أن هذا النجم يُعلن عن ولادة ملك عظيم. والأرجح أنهم بحثوا في الكتب التاريخية، فعرفوا أن اليهود، الذين تشتتوا قبلاً في بلاد أشور وبابل، كانوا ينتظرون ملكهم الذي سيأتي لكي يخلِّصهم من أعدائهم ثم يملك عليهم. بحثوا في الكتب المقدسة فوجدوا نبوة بلعام التي تقول: «يَبْرُزُ كَوْكَبٌ مِنْ يَعْقُوبَ، وَيَقُومُ قَضِيبٌ مِنْ إِسْرَائِيلَ» (عدد24: 17)، والأصحاح التاسع من نبوة دانيال يعلن زمن مجيء المسيح، فتحقَّقوا أن هذا النجم يعلن عن ولادة ملك اليهود؛ المسيا.
فبعد أن استعدوا للسفر، وأخذوا هدياهم التي سوف يقدِّمونها للملك، تحركوا إلى أورشليم. هناك سألوا: أين هو المولود ملك اليهود؟ فلما سمع هيرودس الملك، اضطرب وجميع أورشليم معه، ثم أخبرهم عن مكان ولادته في بيت لحم، «فَلَمَّا سَمِعُوا مِنَ الْمَلِكِ ذَهَبُوا. وَإِذَا النَّجْمُ الَّذِي رَأَوْهُ فِي الْمَشْرِقِ يَتَقَدَّمُهُمْ حَتَّى جَاءَ وَوَقَفَ فَوْقُ، حَيْثُ كَانَ الصَّبِيُّ. فَلَمَّا رَأَوْا النَّجْمَ فَرِحُوا فَرَحًا عَظِيمًا جِدًّا. وَأَتَوْا إِلَى الْبَيْتِ، وَرَأَوْا الصَّبِيَّ مَعَ مَرْيَمَ أُمِّهِ».
بالطبع عندما سمعت المطوبة مريم هذا الكلام اندهشت وتعجبت من ظهور النجم في المشرق، ثم تحرُّكه من أورشليم إلى بيت لحم، ووقوفه فوق البيت الذي فيه الصبي يسوع، لقد كان أمرًا خارقا للطبيعة. ولكن الأكثر من ذلك أنها رأت المجوس وقد خَرّوا وسجدوا له، «ثُمَّ فَتَحُوا كُنُوزَهُمْ وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: ذَهَبًا وَلُبَانًا وَمُرًّا».
ربما فكرت المطوبة مريم، أنه في يوم ولادة ابنها يسوع جاء الرعاة البسطاء، ليروا الأمر الذي أخبرهم به ملاك الرب، ولكن مَرَّ على هذا الحدث حوالي سنتين، ولم يحدث أيّ أمر غير معتاد، مع أن المولود هو ابن العلي، والحَبَل تم بطريقة معجزية بالروح القدس. ولعلها تسائلت: لماذا لم يحضر الكهنة ورؤساء الشعب ليروا المسيا الذي قال عنه الملاك: «هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ»، فكانت إجابة السماء لها هي مجيء المجوس وسجودهم له.
عرف الكهنة والكتبة من نبوة ميخا مكان ولادة المسيح، إلا أنهم لم يعرفوا مسيح الكتاب، دلوا الآخرين عليه أما هم فلم يذهبوا.
كان المجوس، وهم من الأمم وليسوا يهودًا، يطلبون المسيح باجتهاد؛ بينما كان هيرودس يخطِّط لقتله، والكهنة والكتبة غير مبالين، والشعب في أورشليم مضطرب.
والهدايا التي قدَّمها المجوس للصبي يسوع لها معانٍ رمزية جميلة: فالذهب يشير إلى مجده الإلهي، واللبان (دهن أو عطر) يشير إلى كماله الإنساني، والمر (عشبة مرة) يشير إلى آلامه الكفارية على الصليب. وأيضًا تشير إلى وظائفه الرسمية كالملك والكاهن والنبي. والله في حكمته أرسل الذهب في التوقيت المناسب ليكون نافعًا في السفر إلى مصر.
انصرف المجوس في طريق أخرى إلى كورتهم، إذ أُوحي إليهم في حلم أن لا يرجعوا إلى هيرودس، وهكذا كل من يتقابل مع الرب يسوع لا بد أن يتغير وطريقه أيضًا يتغير (2كورنثوس5: 17).
«ظَهَرَ مَلاَكُ الرَّبِّ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ». حدث ارتباك في البيت بسبب كلام الملاك، وجمعا كل شيء ضروري للسفر بسرعة. «ثم قَامَ يوسف وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ لَيْلاً وَانْصَرَفَ إِلَى مِصْرَ». كان السفر شاقًا وخطرًا، ولا سيما ليلاً، فوسيلة المواصلات كانت هي الدواب أو سيرًا على الأقدام أيامًا كثيرة، وعند غروب الشمس كان المبيت على جانب الطريق حيث اللصوص والحيوانات المفترسة. لكن عين الله الساهرة كانت على هذه العائلة المسافرة تحفظ وتصون.
ظلوا في مصر فترة غير معروفة، حتى وفاة هيرودس، «ثم ظَهَرَ مَلاَكُ الرَّبِّ فِي حُلْمٍ لِيُوسُفَ فِي مِصْرَ قَائِلاً: قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ قَدْ مَاتَ الَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ نَفْسَ الصَّبِيِّ. فَقَامَ وَأَخَذَ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَجَاءَ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ». وأتى وسكن في مدينة الناصرة. برجوع الصبي يسوع من مصر إلى إسرائيل تمت النبوة: «من مصر دعوت ابني» (هوشع11: 1؛ متى2: 15).
الحياة بها المشجِّعات المنعشة، وأيضًا المشقَّات المتعبة والمخاطر المخيفة، وعندما يكون الإنسان في خطة الله ومشيئته الصالحة فإن القلب يمتلئ بسلامه، وهذا ما نجده في المطوبة مريم، ففرحت بمجيء المجوس وتشجَّعت بما سمعته عن النجم ثم سجودهم له وهداياهم، لكن أيضًا كانت هناك مشقات السفر إلى مصر ومخاطره، ولكن لأنها في خطة الله فكانت تتمتع بإرشاده.
ليعطنا الرب أن نكون في خطه الصالحة حتى لو بها بعض المشقات لكن لا ننسى أن هناك أيضًا المشجعات.