فَقَالَ يَسُوعُ:«لِدَيْنُونَةٍ أَتَيْتُ أَنَا إِلَى هذَا الْعَالَمِ، حَتَّى يُبْصِرَ الَّذِينَ لاَ يُبْصِرُونَ وَيَعْمَى الَّذِينَ يُبْصِرُونَ». (يوحنا9: 39)تأملنا في الأعداد السابقة في أربع أنواع من معجزات المسيح وهي: معجزات مرتبطة بالبحر، وشفاء الأمراض، وإقامة الموتى، وإخراج الشياطين.
وبوصولنا للنوع الخامس، وهو معجزات تفتيح أعين العمي، نصل للمعجزة التي إنفرد بها الرب يسوع ولم يُجرِها أحد من الأنبياء أو الرسل، وبها أثبت لليهود وللعالم أجمع أنه المسيا الآتي والرب يهوه. فمكتوب عنه «هوذا إلهكم يأتي... حينئذ تتفقح عيون العمي» أيضًا «الرب يفتح أعين العمي» (إشعياء35: 4، 5؛ مزمور148: 8). فالمسيح هو الرب الإله، ولأن المسيح هو نور العالم الحقيقي، فقد جاء ليعطي البصر للعمي.
1 – أعميان يصرخان
«وَلَمَّا جَاءَ إِلَى الْبَيْتِ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ الأَعْمَيَانِ، فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: “أَتُؤْمِنَانِ أَنِّي أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ هذَا؟” قَالاَ لَهُ: “نَعَمْ، يَا سَيِّدُ!”. حِينَئِذٍ لَمَسَ أَعْيُنَهُمَا قَائِلاً: “بِحَسَب إِيمَانِكُمَا لِيَكُنْ لَكُمَا”. فَانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا» (اقرأ متى9: 27-31).
إن كان صعب على الإنسان الحرمان من نور العينين، فالأصعب هو الحرمان من البصيرة الروحية. لأن «إله هذا الدهر أعمى أذهان غير المؤمنين» (2كورنثوس4: 4).
بالإيمان يبصر العميان: كثيرون يريدون أن يروا ليؤمنوا. لكن الرب يقول «إن آمنت ترى» (يوحنا11: 40). فالأعميان لم يريا المسيح بأعينهما، لكن عندهما تمييز وبصيرة روحية، فرأيا وعرفا أنه المسيا ابن داود الذي يعطي البصر ويفتح أعين العمي؛ فصرخا إليه طالبين الرحمة، فقال لهما الرب «بحسب إيمانكما ليكن لكما». فالإيمان هو العملة التي يطلبها الله، وهو اليد التي تتناول عطايا الله للإنسان.
أعميان يصرخان: يمثلان كل العالم – يهود وأمم – فالكل يحتاج للمخلِّص الذي يعطي البصيرة الروحية. لذا أعلن المسيح «أنا هو نور العالم» ومن يؤمن به يصير “نورا للعالم” (متى5: 14).
2 - شفاء على دفعتين
«فَقَدَّمُوا إِلَيْهِ أَعْمَى وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَلْمِسَهُ، فَأَخَذَ بِيَدِ الأَعْمَى وَأَخْرَجَهُ إِلَى خَارِجِ الْقَرْيَةِ، وَتَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ: “هَلْ أَبْصَرَ شَيْئًا؟” فَتَطَلَّعَ وَقَالَ: “أُبْصِرُ النَّاسَ كَأَشْجَارٍ يَمْشُونَ”. ثُمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ أَيْضًا عَلَى عَيْنَيْهِ، وَجَعَلَهُ يَتَطَلَّعُ. فَعَادَ صَحِيحًا وَأَبْصَرَ كُلَّ إِنْسَانٍ جَلِيًّا» (مرقس8: 22-26).
إلى بيت صيدا التي لم تتب رغم آيات ومعجزات الرب الكثيرة، يذهب الرب ليبحث عن نفس واحدة تحتاج إليه وتؤمن به.
في المعجزة السابقة تقدَّم إليه الأعميان، وهنا آخرون قدَّموا الأعمى. فإن كان الإنسان مسؤولاً أن يأتي ويصرخ ويطلب، فالمؤمنين مسؤولون أن يأتوا بالآخرين أمام المسيح ليخلِّصهم.
شفاء على دفعتين: أعطى الرب هذا الأعمى بركتين: البصر والتمييز. فهناك من المؤمنين من يرى لكنه لا يميِّز تمامًا «أعمى قصير البصر» (2بطرس1: 9)، فيخلطون بين المسيح وآخرين، ويضعون الإنسان في غير مكانه، ويعطونه أكبر مما يستحق «كأشجار». كما فعل التلاميذ عندما لم يميزوا بين الرب وموسى وإيليا على جبل التجلي. لكن الرب الذي بدأ العمل يكمل معهم ليروا الأمور على حقيقتها.
3 – المولود أعمى
«وفيما هو مجتاز رأى إنسانا أعمى منذ ولادته... وطلى بالطين عيني الأعمى... فمضى واغتسل وأتى بصيرًا... كنت أعمي والآن أبصر..» (إقرأ يوحنا9). في هذه المعجزة نرى:
محاولة التلاميذ تفسير سبب الألم بأنه عقاب للخطية. وهذا ما يقع فيه الكثيرون عندما يرون إنسانًا في تجربة أو مرض. فكثيرًا ما تكون التجارب وسيلة لإعلان رحمة الله لنا، وسبب قربنا له.
هذا الأعمى لم يأتِ من نفسه، ولم يأتِ به الآخرون، لشكِّهم في قدرة المسيح على خلق عينين جديتين، حتى التلاميذ لم يسألوا الرب لشفائه بل سألوا عن سبب علته!
خلق الرب من التراب عينين جديدتين ليثبت للجميع أنه هو الذي خلق الإنسان الأول من التراب في جنة عدن.
تعجَّب الكثيرون من التغيير الذي حدث وانتقال إنسان من الظلمة إلى النور. لكنهم لم يؤمنوا بالنور.
تدرَّج الذي كان أعمى في معرفة الرب، فعرفه كإنسان، ثم كنبي، ثم كإنسان من الله، ثم كإبن الله ثم سجد له.
شهادته البسيطة وعدم خوفه من الآخرين وكلماته عن الرب، لا عن نفسه واختباره.
نتيجة شهادته: عامَلَه اليهود كمرتَدّ من اليهودية للمسيحية؛ فحرموه من امتيازاته الوطنية والدينية. إنه التعصب الديني الأعمى. فظاهريًا خسر، ولكن في الحقيقة ربح المسيح «كأن لا شيء لنا ونحن نملك كل شيء» (2كورنثوس6: 10). لقد اختبر عار المسيح فتمتَّع بمجد المسيح.
4 - بارتيماوس
«كان بارتيماوس الأعمى ابن تيماوس جالسًا على الطريق يستعطي. فلما سمع أنه يسوع الناصري ابتدأ يصرخ ويقول يا يسوع ابن داود ارحمني... فوقف يسوع وأمر أن ينادى... فطرح رداءه وجاء إلى يسوع... فقال له يسوع اذهب إيمانك قد شفاك. فللوقت أبصر وتبع يسوع في الطريق» (مرقس10: 46-52).
لم تذهب صرخاته هباء وسط ضجيج الناس «هذا المسكين صرخ والرب استمعه ومن كل ضيقاته خلصه» فان كان كمتسوِّل تعوَّد على رفض طلبه من الناس ولا يملك إجبار أحدًا أن يعطيه. ولكنه هذه المرة، ومع الرب، ألحَّ في طلبه لثقته في المسيح رغم مقاومة الآخرين.
طرح الرداء: أدرك أن هذا الشيء يعطِّله عن المجيء للمسيح فطَرَحه. فمن يريد الوصول للمسيح والحصول على البركة أن يطرح رداء البر الذاتي وكل ثقل وخطية تعطله حتى يصل في الميعاد قبل أن يغلق الباب.
ترك الاستجداء: كان الابن الضال يشتهي أن يملأ بطنه، وبارتيماوس يشتهي أن يملأ يده، وعندما أتيا للرب داسا على عسل العالم. لقد ترك الاستجداء، وطرح الرداء عن نفسه وحمل صليبه وتبع سيده. فعار المسيح أعظم من كل خزائن العالم. ومن يتبعه لا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة.
صديقي القارئ: إن كنت من الذين أعمى الشيطان أذهانهم ولم تَرَ في المسيح سوى نبي أو مُعلم، ولم تعرفه كالمخلِّص والفادي. تعال الآن له فيعطيك البصيرة الروحية لتراه من هو. وإن كنت مؤمنًا به لكنك تري الناس – أحياء أو أموات – في غير مكانهم وبغير حجمهم اطلب من الرب أن يعطيك البصيرة لترى كل شيء وكل شخص جليًا.