معجزات سهلة

معجزات سهلة!... كان هذا عنوان رسالة نُشرت في بريد الجمعة بجريدة الأهرام اليومية يوم 3 يناير2014 وقال فيها كاتب الرسالة مُخاطبًا المُحررة المسؤولة:

هل تسمحين لي بأن أغتنم فرصة مناسبة أعياد الميلاد المجيد لأبعث من خلال صفحتكم الناجحة‏، تهنئة حارة مفعمة بشتى معاني المحبة والامتنان لطبيبة إنسانة‏، ‏ كان لها عظيم الأثر في نفسي وحالتي الصحية وحياتي؟

دون أي سابق معرفة التقيت بها، في عيادة الجمهورية للتأمين الصحي بالإسكندرية، وكنت وقتها إنسانًا مُحطمًا، عندي يأس كبير بعد عملية جراحية فاشلة في ركبتي اليسرى. في نفس الوقت كنت أُعاني آلامًا مبرحة ورهيبة، بسبب روماتيزم وخشونة في العظام، جعلتني أجافي النوم ليالٍ طويلة، حتى وهِن جسمي وتحطَّمت أعصابي، وأصبحت على شفا حفرة من الفصل النهائي من عملي والتشرد.

كنت أحمل مرارة لا حدود لها تجاه هيئة التأمين الصحي، وتجاه الهيئات الحكومية بالدولة عمومًا. لكن الله بحكمته ورحمته أرسل لي طبيبة إنسانة اسمها الدكتورة “مريم جورج”. ويشهد الله على صدق ما أقول أن المعاملة الحسنة التي وجدتها من هذه الطبيبة، أنقذتني وعالجتني أفضل من أي مستشفى خاص أو استثماري. فقد استقبلتني بوجه مبتسم بشوش، واستمعت لشكواي بصدر رحب وعيون مهتمة يملأها الرحمة والمواساة. أكثر من هذا سمحت لي بأن أعرض عليها كمًّا هائلاً من الروشتات حملتها من عدة أطباء زرتهم من قبل في عياداتهم قبل أن ألجأ للتأمين الصحي.

كانت مثالاً في التواضع، لكنها بمنتهي الحزم نصحتني بإيقاف عشرات الأصناف من الأدوية، وبدلاً منها كتبت لي أقصي ما يسمح به نظام التأمين الصحي من الأدوية اللازمة. وأصرت على أن تراني مرة أخرى بعد أسبوع لتطمئن عليَّ وعلى تطورات حالتي. وعدت اليها فعلاً بعد المدة المحددة إنسانًا آخر متماسكًا ومفعمًا بالأمل. كررت لي العلاج الناجح، وأسدت لي نصائح ثمينة، وها أنا ذا يا سيدتي بعد العلاج والشفاء أعود لعملي بانتظام، وابدأ تاريخًا صحيًا جديدًا من عمري. لقد كان جانب كبير من آلام عظامي ومعاناتي نفسيًا بحتًا، وقد عالجتني الطبيبة الإنسانة وأهَّلتني نفسيًا بتفانيها وبشاشتها وتعاطفها الصادق المخلص. رغم أنها طبيبة تأمين صحي حكومي، كان لعلاجها مفعول السحر في حالتي، فجازاها الله تعالى عني خير الجزاء.

بالأمس القريب يا سيدتي كنت أفكر والحيرة تملأني كيف أعثر علي طريقة وأرد لها جميلها، لكني اصطدمت بمواردي المحدودة وإمكانياتي المتواضعة، وشاءت المصادفة أن تعتمل الأفكار في نفسي وأنا أقف أمام مكتبتي، وحانت مني التفاتة إلى أحد الأركان فيها، حيث نسخة من الكتاب المقدس كنت ابتعتها منذ سنوات من معرض الكتاب، همست لنفسي وقلت: إذا كانت الدكتورة مريم الفاضلة قد استقت أخلاقها الرفيعة وروحها الملائكية وتفانيها المُذهل في عملها من ذلك الكتاب المقدس، فلن أجد هدية خيرًا منه، وفعلاً حملته إليها في آخر زياراتي لعيادتها بالتأمين الصحي، وتقبَّلته مني ممتنة شاكرة.

وها أنا أسرد قصتي علي صفحتكم للقراء الأعزاء، حتى يعلموا أن عالمنا جميل وفي غاية العذوبة ما دامت فيه تلك النماذج الإنسانية المشرفة والدنيا بخير.

وذُيّلت الرسالة بإمضاء: “عبد الرحمن محمد حسن”.

قرأت الرسالة أكثر من مرة، وقلت لنفسي: “إن خدمة تُقدَّم بهذه الروح تجلب المجد لله”. وتذكَّرت كلمات ربنا يسوع المسيح: « َنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ... فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هَكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (متى5: 13 16).

إن بذل المال ليس هو الطريقة الوحيدة للعمل الصالح، فالإنسان الوحيد الكامل الذي وطئت قدماه عالمنا، افتقر كما لم يفتقر أحد من البشر، ورغم ذلك قيل عنه إنه «جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا» (أعمال10: 38). فقد تكون مساهمتك في اهتمامات الرب بِمَنْ على الأرض هي عاطفة محبة جياشة تجاه أولئك العائشين في أودية أحزان وبكاء هذا العالم.

إن الشخص المملؤة حياته من الأعمال الصالحة، تعزف حياته – عمليًا – موسيقى الإنجيل، لأنه يُقدِّم البركات الروحية والمنافع المادية، سدادًا لإعواز وظروف الساعة. إنه يُزيّن تعليم الإنجيل، ويزيّنه تعليم الإنجيل. وهكذا يُربح الكثيرون للرب.

ثم إن هذا هو الغرض الذي من أجله تُركنا في العالم. فإذا كان غرضنا أن نتبارك، فسبيلنا الوحيد لذلك هو أن نكون بركة للآخرين. هل يستحق الاهتمام تصميم ماكينة غالية الثمن، لغرض أن تشتغل وتستعرض جمال تصميمها، دونما منفعة؟ كلا! نحن نُصمِّم الماكينات لإحراز نتائج، ولإنجاز أعمال، ولإنتاج سلع يمكنها تغطية تكلفتها وتحقيق منفعة للجنس البشري. وهكذا فإن غرض الله العظيم من أمر خلاصنا وتقديسنا وإمدادنا بكل إعوازنا بسخاء - نحن شعبه - هو أن نفكِّر في الآخرين، لا في أنفسنا، وأن نمدّ إليهم يد المعونة بكل عمل صالح.

والدافع للأعمال الصالحة هو المحبة. شاهد أحدهم أختًا مُتطوعة للعمل كممرضة، وهي تنظف وتضمد جراحًا مُتقيحة لمريض بالجزام، فقال لها: “ما كنت لأفعل مثل هذا العمل ولو أُعطيت مليون دولارًا”. فقالت له بينما هي منهمكة في عملها: “ولا أنا!”. إن محبة المسيح التي تحصرنا هي القوة الدافعة العظمى لمثل هذه الأعمال.

وإذا كان حقيقيًا أننا كهنوت مقدس، لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح، فإنه حقيقي بالقدر ذاته أننا كهنوت ملوكي، لنُظِهر فضائل الذي دعانا من الظلمة إلى نوره العجيب. والأعمال الصالحة تُشكل لُبّ هذا الكهنوت الأخير؛ الكهنوت الملوكي، حيث أن تقدير المحيطين بنا لها عظيم (1بطرس2: 5، 9، 12).

فدعونا نتذكر أن الآن فقط هو وقت ممارسة هذه الخدمات المقدسة، التي من شأنها أن تجعل مسيحيتنا نافعة ورابحة: «فَلاَ نَفْشَلْ فِي عَمَلِ الْخَيْرِ لأَنَّنَا سَنَحْصُدُ فِي وَقْتِهِ إِنْ كُنَّا لاَ نَكِلُّ. فَإِذًا حَسْبَمَا لَنَا فُرْصَةٌ فَلْنَعْمَلِ الْخَيْرَ لِلْجَمِيعِ، وَلاَ سِيَّمَا لأَهْلِ الإِيمَانِ» (غلاطية6: 9، 10).

كم أُناسٍ يطلبونَ

ابتِسامًا لا ذَهَبْ

ونُفُوسٍ في انحناءٍ

تَحْتَ وَطْأةِ التعبْ

تحتاجُ كِلْمَةً

تُخفِّفُ الآلامْ

كذا مَحبَّةً

وليسَ للمَلامْ


أنتَ إنْ أعطيتَ حُبًّا


تَنْفَتِحْ كُوَى السَّماءْ

كي تفيضَ بِهِبَاتٍ

ضِعْفَ أضعافِ العطاءْ

فالربُّ قاطعٌ

وَعْدًا للأسخياءْ

بالخيرِ يَغْمُرُ

والخِصْبِ والنَّماءْ