صار هذا الإسم معروفًا، ومتداولاً على صفحات التواصل الإجتماعي في الفترة الأخيرة، بعد أن عُقد أول مؤتمر لشباب ثانوي بهذا الإسم في الإسكندرية، وكان يحضره حوالي 1000 شاب وشابة من مختلف محافظات مصر. وأظن أن كثيرين ممن قراء مجلتنا المحبوبة «نحو الهدف» كانوا من بين هؤلاء الذين حضروا المؤتمر. حيث أفاض الرب علينا بوقت متميز جدًا، ترك أثرًا وبصمة حقيقية في نفوسنا.
ولهذا الإسم دلالات كثيرة، ربما لا يسعنا أن نتطرق إليها كلها هنا، لكننا سنكتفي بالإشارة للبعض منها. راجين أن تكون هذه الدلالات والإشارات سبب بركة لنا جميعًا.
بصمة تعني التشكيل
فلكي يضع الخالق بصمته في كل واحدٍ منا، ولكي تكون بصمته واضحة أمام الناس، فلابد أن يُشكِّل في حياتنا، كما رأى يومًا إرميا النبي (إرميا18: 1) الفخاري وهو يشكِّل وعاءً هناك فوق الدولاب، حتى صار الوعاء كما أراد الفخاري.
الله له خطة لحياتك؛ حتى تكون في الصورة الأفضل التي خلقك لأجلها، وفي سبيل هذا هو يشكِّلك، وينقِّيك، ويدربِّك حتى يصل بك للنتيجة التي يريدها لك. وهي أفضل وأعظم صورة يمكن أن تكون عليها. حيث تجد نفسك حرًا طليقًا، مستخدِمًا مواهبك لمجده، قادرًا على خدمته والشهادة له بقوة وثبات. وثق أن هذا التوقيت هو انسب وأفضل توقيت للتشكيل في حياتك. فقط كُن قريبًا منه، متكلاً عليه، طائعًا له. ليفعل بك ومعك أكثر مما تتصور، أو تتوقع.
بصمة، تعني التميُّز
لكل منا بصمة في أصابع يده تختلف عن الآخرين، وبصمة صوت تختلف عن الآخرين، وبصمة عين، ... وما زال العلماء يكتشفون من وقتٍ لآخر بصمات مختلفة في جسد الإنسان تعلن تميُّزه. فلكل منا شخصية متفرِّدة أبدع الله في صنعها، وكم يمجِّد هذا الأمر الله؛ الذي ليس لديه نسخ مكررة. إن عظمة الله وقدرته الفائقة التي ظهرت في خليقته، وخصوصًا في خلقه للإنسان الذي خلقه على صورته، تزداد روعة في عيوننا حين ندرك أنه ميّز كل منا بشخصية متفردة. حَمِدَ داود الرب على بصمته التي اختصه بها فقال: «أَحْمَدُكَ مِنْ أَجْلِ أَنِّي قَدِ امْتَزْتُ عَجَبًا. عَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ، وَنَفْسِي تَعْرِفُ ذلِكَ يَقِينًا» (مزمور139: 14). آه لو صارت هذه هي صلاتنا في كل صباح جديد، حتى نغلق أمام إبليس محاولاته الدائمة للإيقاع بنا في بئر التذمُّر، واصطيادنا بشبكة الفشل والإحباط التي ينسجها من الخداع والمكر؛ يخدعك بأنك شخص غير مرغوب فيه، وغير مقبول، والآخرين أفضل منك، لست متميزًا في شيء، ولن تنجح يومًا، وشخصيتك بها عيوب لا تُحتمل، وعيوبك أكثر وأسوأ من أي عيوب أخرى تلاحظها في الآخرين. يفعل هذا حتى يجعلك طوال الوقت تفكر في نفسك، وترثي لحالك، ومن ثم لا تستطيع أن تشكر الله وتحمده على بصمته في حياتك وعلى شخصيتك المتميزة.
بصمة، مصدرها السيد
روعة الأمر، أن التميُّز الذي كنا نتكلم عنه توًّا، هو من يد الله نفسه. فقد وضع الله بصمته فيك. مكتوب: «فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ» (تكوين1: 27). فنحن مخلوقين على صورة الله. وفينا بصمة من القدير. هل هناك أروع من هذا؟
الله وضع بصمته فيك، والقدير رسم شخصيتك بنفسه. ألا يُشعرك هذا بالتميز، ويملؤك بالفخر والإعتزاز؟ أرجو ألاّ تعتبر الكلام مجرد وعظ، أو محاضرة في تميز الإنسان، وتفرده. لكن فكِّر في الأمر جيدًا، وتأمل فيه بشكل جاد. فالشيطان نجح في تشويه هذه الصورة وإقناعك أنه لا أمل، فامتلأ قلبك باليأس، وامتلأ ذهنك بالأفكار السلبية عن نفسك، فصرت محبَطًا، مضغوطًا طوال الوقت، إذ أحاطك من كل جانب بهذه الخدعة، فأعتبرتها حقيقة. وربما استخدم الشيطان أيضًا بعض الناس لتأكيد هذه الخدعة وإيهامك بها، فسمعت منهم كلمات سلبية عن حياتك، جعلتك متيقنًا أنه لا أمل.
ثق أنك مخلوق على صورة الله، وأنك متميزِّ جدًا. بصمة القدير في كل جزء من كيانك، ولمساته واضحة في مسيرة حياتك، كل ما عليك فقط أن تضع نفسك بين يديه، ساكبًا قلبك أمامه، خاضعًا له، وطائعًا لصوته، طالبًا منه أن يشكِّل فيك، ويعيد الصورة الحقيقية لوضعها الطبيعي، ويطرد كل فشل ويأس تمكَّن منك. ضع نفسك بين يدي الفخاري من جديد، ودعه يعيد تشكيلك. (إرميا18: 4)
بصمة، تعني التأثير
كلمة «بصمة» أيضًا لها دلالة أخرى، فهي تعني التأثير في الآخرين، أن تترك بصمة في حياة من تتعامل معهم، أن يشعر الآخرون أنك مختلف، لست كبقية الشباب.
يكلمنا الكتاب المقدس عن الكثير من الشباب الذين تركوا بصمة حقيقية في حياة الآخرين. يكلمنا عن فتاة صغيرة تركت بصمة في حياة رجل عظيم كان رئيسَ جيش ملك أرام هو نعمان السرياني (2ملوك5)، الذي كان يعاني من مرض البرص لسنوات، لكن بسبب فتاة صغيرة مسبية، لم تكن تنظر لنفسها على أنها صغيرة وبلا فائدة، شُفي نعمان من برصه. يكلمنا الكتاب أيضًا عن يوسف الشاب الناجح الذي ترك بصمته في كل من تعامل معهم. لقد ترك بصمة محبة وتضحية لإخوته وهو في بيت أبيه (تكوين37)، وبصمة قداسة وهو في بيت فوطيفار (تكوين39)، وبصمة أمانة وهو في السجن (تكوين39: 21)، وبصمة حكمة أمام فرعون (تكوين41: 39)، ثم ترك بصمة غفران لإخوته بعد أن صار عظيمًا في أرض مصر (تكوين45). يكلمنا الكتاب أيضًا عن دانيآل والفتية الثلاثة الذين تركوا بصمة في الإصرار على حياة الأمانة والقداسة أمام الله (دانيآل1). ويكلمنا أيضًا عن تلاميذ المسيح الذين تركوا بصمة في كل بقاع العالم بصلواتهم، وكرازتهم للعالم كله كما أوصاهم الرب يسوع قبيل صعوده (مرقس16: 15).
وفي نهاية حديثنا يبقى لك الاختيار؛ إما أن تعيش الحياة التي يريدها الله لك، حيث التشكيل الإلهي، والتميز والاختلاف عن الآخرين، والتأثير؛ وإما أن تقبل بحياة الهزيمة والضعف والخنوع أمام خداع الشيطان وكلماته المُحبطة لك في كل وقت. عليك أن تختار بين وضوح بصمة القدير في حياتك أو إخفاؤها، بين التميزُّ الذي أعطاه الإله العظيم لك شخصيًا أو الإختفاء بين جموع الشباب دون الشعور بالتميز والاختلاف.
أصلي أن تترك هذه الكلمات «بصمة» في حياتك تكون سبب بركة وتغيير وتشكيل في الأيام القادمة.