“حقًّا إنها كبيرة ولذيذة!”.. “دلوقتي بطاطس أكتر!”.. “حجم أكبر!”.. “Mega”.. هكذا تُسَوَّق المنتجات! ليس المُهِم جودة السلعة، ولا الفائدة المرجوَّة منها! لكن ما يتم التركيز عليه هو أنها كبيرة! وما أسهل أن ننخدع بحجم مُنتَج ما أو كميته، ونغفل جودته وفائدته لنا.
وهناك أشياء تَكثُر في حياتنا لا فائدة من كثرتها، بل قد يكون هناك ضرر بالغ من ورائها.
1. كثرة الكلام
ما أكثر كلامنا يا صديقي! وما أقل أفعالنا! الكلام له أهميته في عملية التواصل الإنساني، لكنه قد يُصبح مُضِرًّا إذا كَثُر فيما لا يُفيد. قال الرب يسوع: «إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَابًا يَوْمَ الدِّينِ، لأَنَّكَ بِكَلاَمِكَ تَتَبَرَّرُ وَبِكَلاَمِكَ تُدَانُ» (متى12: 36 37). والكلمة “البطَّالة” هي التي لا فائدة منها.
ويُحَذِّرنا الحكيم: «كَثْرَةُ الْكَلاَمِ لاَ تَخْلُو مِنْ مَعْصِيَةٍ أَمَّا الضَّابِطُ شَفَتَيْهِ فَعَاقِلٌ» (أمثال10: 19). ويُقرِّر أن «قَوْلَ الْجَهْلِ مِنْ كَثْرَةِ الْكَلاَم» (جامعة5: 3). مَن يتكلَّم كثيرًا مِن الوارد جدًّا أن يُخطِئ، بل وأن يَفضَح جهله. أما الأحمق فإن سَكَت قد يظنه الناس حكيمًا (أمثال17: 28).
فلنُدَرِّب أنفسنا إذًا ليكون كلامنا «حَسَبَ الْحَاجَةِ» و«بِنِعْمَةٍ» و«مُصْلَحًا بِمِلْحٍ» (أفسس4: 29 وكولوسِّي4: 6).
2. كثرة الأصحاب
إنه نموذج متكرر: «الْمُكْثِرُ الأَصْحَابِ يُخْرِبُ نَفْسَهُ» (أمثال18: 24). كم من المرَّات حدث أن كان لواحد أصحاب كثيرون، وانتهت هذه العلاقات بمأساة. لا يُمكِن أن نُنكَر أهمية الأصدقاء واحتياجنا للصداقة في حياتنا، لكن نظرًا للتأثير الكبير الذي يُحدِثه أصدقاؤنا في شخصياتنا، من الضروري أن ننتبه ليس فقط لنوعية مَن نُصادِقهم، بل أيضًا لعددهم!
لكن الوحي يردف أنه «يُوجَدْ مُحِبٌّ أَلْزَقُ مِنَ الأَخِ». فقد يكون هناك صديق واحد وَفِيٌّ ومُخلِص وقريب منِّي جدًّا، أقرب حتى من أخي. وأظن أن كلَّ مَن تمتَّع بعلاقة شخصية بالرب يسوع، على أساس عمله الكامل على الصليب، يستطيع أن يشعر بحق أنه أصدق من كل الأصدقاء. إنه أقرب إليَّ حتى من نفسي! كثيرًا ما أتخيَّل أنني أجلس مع الرب في حديقة أو على شاطئ البحر، و“يجري حديثي معه سِرًّا ولا رقيب”. وفي مرَّاتٍ عديدة وجدتُه بقُربي؛ يفهم ما أفكر فيه حين لا يفهمني الآخرون، ويشعر بما أُحِس به عندما لا أجد مَن يَرِقُّ لحالي. وقد كان - له المجد - مُحِبًّا وصديقًا “للعشارِّين والخطاة”. كان كاملاً وقدُّوسًا في كل حياته، لكنه كان أيضًا مُتاحًا للجميع وقريبًا حتى مِن المنبوذين والمُحتَقَرين من المجتمع.
3. كثرة الأموال
هذا فخٌّ خطير قد يسقط فيه أي واحد مِنَّا، وليس فقط الفقراء أو الأغنياء. المال سيِّد، كما علَّمنا الرب، يحاول أن يأخذ مكان الله في حياتنا. والمال بَرَكة من الله ووسيلة جيدة ما دُمنا نستخدمه في ما يُمَجِّد ذاك الذي «يَمْنَحُنَا كُلَّ شَيْءٍ بِغِنًى لِلتَّمَتُّعِ». لكن الرغبة في الغِنَى السريع قد تقود أولاد الله إلى الشر. قال الوحي المقدس: «اَلْمُكْثِرُ مَالَهُ بِالرِّبَا وَالْمُرَابَحَةِ فَلِمَنْ يَرْحَمُ الْفُقَرَاءَ يَجْمَعُهُ» (أمثال28: 8)، فالحصول على المال بطُرُق مُلتوية لن يُسعِد مَن يجمعه.
مِن السهل علينا أن نتَّكِل على المال؛ فهناك مَن «يَتَّكِلُونَ عَلَى ثَرْوَتِهِمْ وَبِكَثْرَةِ غِنَاهُمْ يَفْتَخِرُونَ» (مزمور49: 6). لكن الوحي يُحَذِّرنا: «إِنْ زَادَ الْغِنَى فَلاَ تَضَعُوا عَلَيْهِ قَلْبًا» (مزمور62: 10)، فهو من الأشياء “غير اليقينية” التي لا تدوم. كما صرَّح الرب يسوع، بعد حديثه مع الشاب الغني الذي لم يَستطِع أن يتبع الرب لأنه «كان ذا أموالٍ كثيرة»، أنه «مَا أَعْسَرَ دُخُولَ الْمُتَّكِلِينَ عَلَى الأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ اللَّهِ!» (مرقس10: 24).
لكن اسمع ماذا يقول الكتاب: «الْقَلِيلُ مَعَ مَخَافَةِ الرَّبِّ خَيْرٌ مِنْ كَنْزٍ عَظِيمٍ مَعَ هَمٍّ» (أمثال15: 16؛ اقرأ أيضًا مزمور37: 16؛ أمثال16: 8).
4. كثرة الإمكانيات
أذكر أوقاتًا ليست بقليلة كان فيها المطلوب مني كثيرًا جدًّا، والوقت المُتاح محدودًا للغاية، وشعرت بالضعف الشديد وبعجز إمكانياتي لمواجهة الموقف. عندئذٍ كانت كلمة الرب المُشَجِّعة لي: «لَنْ يَخْلُصَ الْمَلِكُ بِكَثْرَةِ الْجَيْشِ. الْجَبَّارُ لاَ يُنْقَذُ بِعِظَمِ الْقُوَّةِ. بَاطِلٌ هُوَ الْفَرَسُ لأَجْلِ الْخَلاَصِ وَبِشِدَّةِ قُوَّتِهِ لاَ يُنَجِّي» (مزمور33: 16-17). فالأمر لا يتعلَّق بما لديَّ مِن قُدرات، بل بما يمنحه الله من قوة: «لاَ بِالْقُدْرَةِ وَلاَ بِالْقُوَّةِ بَلْ بِرُوحِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُود» (زكريا4: 6).
أتذكر، يا عزيزي، ما حدث مع جدعون حين أرسله الرب ليُخَلِّص شعبه وانتقى300 رجل فقط من بين 32 ألفًا؟! أتذكر وجبة الغُلام الصغير (خمسة أرغفة شعير وسمكتين) التي أشبعت الآلاف؟! مهما كَثُرت الإمكانيَّات الطبيعية أو الماديَّة، فإنها لن تكفي على الإطلاق لسداد الاحتياج الهائل الذي نواجهه في حياتنا ومِن حولنا ما لم يضع الرب العظيم يده بالبَرَكة عليها.
5. كثرة العبادة الباطلة
«لِمَاذَا لِي كَثْرَةُ ذَبَائِحِكُمْ؟ يَقُولُ الرَّبُّ. اتَّخَمْتُ مِنْ مُحْرَقَاتِ كِبَاشٍ وَشَحْمِ مُسَمَّنَاتٍ وَبِدَمِ عُجُولٍ وَخِرْفَانٍ وَتُيُوسٍ مَا أُسَرُّ... لَسْتُ أُطِيقُ الإِثْمَ وَالاِعْتِكَافَ» (إشعياء1: 11-13). هكذا وبَّخ الرب شعبه قديمًا على عبادتهم التي كانت مجرَّد مظهر خارجي فقط، أما تَوَجُّهات قلوبهم فكانت بعيدة عنه تمامًا. وهذا هو ما وبَّخ عليه الرب يسوع القادة الدينيين في يومه: «يَقْتَرِبُ إِلَيَّ هَذَا الشَّعْبُ بِفَمِهِ وَيُكْرِمُنِي بِشَفَتَيْهِ وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيدًا» (متى15: 8 وإشعياء29: 13).
هل تبذل مجهودًا كبيرًا لتعمل أعمالاً كثيرة تكسب بها رضَى الله؟ هل لك مِن التقوى صورتها فقط بينما حياتك تعكس أنك لا تعرف شيئًا عن قُوَّتها؟ احذر يا عزيزي، فهذا كثير لا خير فيه!
6. كثرة الصلوات الفارغة
الصلاة علاقة حميمة مع الله، هي صِلة وثيقة بمصدر الحياة وواهبها ومُخَلِّص نفوسنا وفاديها. الصلاة تعبير خالص عن الاتكال على أبينا السماوي بثقة الطفل الذي يرتمي بين ذراعي أبيه وهو مغمض العينين! أما أن تتحوَّل الصلاة إلى فَرض أو طقس، أو إلى عبارات جوفاء نردِّدها دون وعي أو إحساس، فهذا ما لا يليق. حذَّر الرب يسوع تلاميذه: «حِينَمَا تُصَلُّونَ لاَ تُكَرِّرُوا الْكَلاَمَ بَاطِلاً كَالأُمَمِ فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ بِكَثْرَةِ كَلاَمِهِمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ» (متى6: 7). هذا ما فعله أنبياء البعل عندما تحدَّاهم إيليا: جعلوا يصرخون طوال النهار لكن «لَمْ يَكُنْ صَوْتٌ وَلاَ مُجِيبٌ وَلاَ مُصْغٍ» (1ملوك18: 29). أما نحن فأبونا الذي في السماء يعلم ما نحتاج إليه قبل (وليس دون) أن نسأله. لنُلقِ بأنفسنا عليه واثقين أنه يسمع حتى أَنَّات قلوبنا