مثل عامي مصري شهير، يُقصد به أن العبد، أي الإنسان العابد لله أو الذي في علاقة معه، عليه أن يفكِّر ويخطِّط، ثم لا يقلق ويترك على الرب أن يدبِّر له الطريق والوسيلة لتنفيذ ما خطّط.
والحقيقة أن كل من نصفي المثل جميل، لكن جمعهما معًا بهذه الطريقة لا يصح.
فالتفكير أمر جيد، والعقل نعمة امتاز بها الله بني البشر. ولقد أوصانا الكتاب بحسن استخدام الذهن، أي التفكير الواعي العاقل، في مواضع كثيرة (رومية12: 2؛ 1كورنثوس14: 20؛ أفسس4: 17؛ 1بطرس1: 13؛ 2بطرس3: 1). بل إن الرب نفسه فتح ذهن التلاميذ ليفهموا الكتب (لوقا24: 45). وبولس كرر كثيرًا كلمة “أحسب” و“احسبوا” (أي فكروا بطريقة معينة) (رومية6: 11؛ 8: 18؛....). كما يعلمنا الكتاب مبادئ عظيمة في التفكير مثل «وَمَنْ مِنْكُمْ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بُرْجًا لاَ يَجْلِسُ أَوَّلاً وَيَحْسِبُ النَّفَقَةَ، هَلْ عِنْدَهُ مَا يَلْزَمُ لِكَمَالِهِ؟ لِئَلاَّ يَضَعَ الأَسَاسَ وَلاَ يَقْدِرَ أَنْ يُكَمِّلَ، فَيَبْتَدِئَ جَمِيعُ النَّاظِرِينَ يَهْزَأُونَ بِهِ» (لوقا14: 28).
أما الشق الثاني، أي الاعتماد على الرب في تدبير الأمور، فكل ما بين ضفتي الكتاب يعلمنا ذلك، ولا تكفي الكتب الكثيرة لنتكلم عن القليل من تحريضات الكتاب وأمثلته على ذلك، أكتفي بواحدة «أَلْقِ عَلَى الرَّبِّ هَمَّكَ فَهُوَ يَعُولُكَ» (مزمور55: 22).
لكن الخطأ الفادح هو في تركيب وترتيب المثل بهذه الطريقة: فهو يعني أن يخطِّط الإنسان أولاً، بعقله وبالاستقلال عن الله، ووقتها، سيجد الرب يقوم بالتدبير، بغض النظر عن هذه الخطة وطبيعتها!! كما لو كان لدى الإنسان الحكمة الكافية ليُلم بكل الأمور فيضع هو الخطة ثم “يستخدم” الرب في تنفيذها!!
الحقيقة أننا كثيرًا خططنا وسبَّبنا لأنفسنا الأتعاب، وكثيرًا خططنا وعطَّل الله تخطيطنا بنعمته حتى لا نسبِّب لأنفسنا المزيد من الأوجاع والخسائر التي قد لا تعوَّض.
الواقع أن علينا أن نأخذ موقف المتعلِّم من الله الذي وعد «أُعَلِّمُكَ وَأُرْشِدُكَ الطَّرِيقَ الَّتِي تَسْلُكُهَا. أَنْصَحُكَ. عَيْنِي عَلَيْكَ» (مزمور32: 8)، ونتتلمذ في مدرسة كلمته التي تصيّر الجاهل حكيمًا (مزمور19: 7)، ونتعلم أن نفكر في محضره دون استقلال عنه، طالبين منه أن يقودنا للقول «تَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ» (رومية12: 2). يومها سنجد الله يفتح الأبواب ويرتب الأمور ويقودنا بطرقه الإلهية الرائعة.