«لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت» (رومية8: 2)
من أشهر أسباب السقوط المتكرر في الخطية، خاصة في بداية الطريق مع الرب في الحياة الروحية، هو أن يكون الشخص لم يختبر العتق بعد، ولم يعرف سر الانتصار. فالراجع إلى الله، كل ما يشغل تفكيره ويقلقه هي خطاياه الكثيرة التي تظهر أمامه في بشاعتها وما تستحقه من دينونة طبقًا لقداسة الله. وعندما يسمع البشارة ويعرف قيمة وفاعلية دم المسيح الذي يُطهر من كل خطية، فإنه يجد راحة الضمير المُتعَب ويتمتع بالسلام مع الله. والرسول بولس قد تناول في رسالة رومية الأصحاحات (1: 1 – 5: 11) موضوع المذنوبية المرتبطة بخطايانا الفعلية، وكيف أننا بسببها كنا مُدانين وتحت قصاص من الله. وأوضح أن علاج هذه الحالة كان في سفك دم المسيح على الصليب، وأننا بالإيمان صرنا «متبررين الآن بدمه» (رومية5: 9)، و«إذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح» (رومية5: 1).
أما مشكلة الخطية التي في الجسد (الطبيعة الفاسدة فينا)، وهي المشكلة الأعمق، فقد تناولها الرسول في القسم التعليمي الثاني من الرسالة (رومية5: 12 – 8: 39)، وفيها يتكلَّم عن الخطية بالمفرد. ليس ماذا فعلتُ، بل من هو أنا في الأصل؟ فالمشكلة هنا ليست هي الخطية التي ارتُكبتْ، بل الخاطي نفسه بحسب الطبيعة. إن القلب أخدع من كل شيء وهو نجيس، والقلب منه مخارج الحياة. ومن الداخل من قلوب الناس تخرج كل الشرور. وإن كان الدم يتعامل مع خطايانا الفعلية ويطهرها، لكنه لا علاقة له بموضوع الخطية التي في جسدنا، ولا كيفية التحرر منها. فهذه المشكلة علاجها في الصليب، حيث أن المؤمن قد مات اعتباريًا وشرعيًا مع المسيح يوم مات المسيح. هذا ما قاله بولس: «مع المسيح صُلبت، فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ» (غلاطية2: 20). هذا يعني أنني كإنسان أحتاج إلى بديلين: بديل مات لأجلي ليضمن الغفران بسفك دمه على الصليب، وبديل في داخلي يضمن الانتصار على قوة الخطية، بحياته فيَّ التي أمتلكها بالروح القدس. وفي الواقع فإن الحياة المسيحية الصحيحة لا يستطيع أن يحياها سوى المسيح نفسه. والروح القدس هو الذي يُدفق حياة المسيح فينا ويُفعِّلها ويُظهرها، وهذا هو الطريق للنصرة وفعل ما هو مرضي عند الله.
ويجب أن نعرف أنه في الصليب لم يمُت المسيح لأجل الخطاة فقط، بل إن المؤمن نفسه قد مات مع المسيح، والمعمودية تشهد بذلك. ويقول الرسول: «إن كنا قد صرنا مُتحدين معه بشبه موته، نصير أيضًا بقيامته» (رومية6: 5). وبالطبع فإن المؤمن لم يمُت حرفيًا، ولكن شرعيًا واعتباريًا. هذه الحقيقة تُقبَل بالإيمان بما فعله الله في المسيح لتحريرنا.
هذا الموت قد قطع العلاقة بالخطية كأصل موروث وطبيعة ساقطة ونبع فاسد يسكن فينا ويسود علينا طالما كنا أحياء. وهذا ما قاله أيوب عن الموت: «الصغير مثل الكبير هناك والعبد حر من سيده» (أيوب3: 19). إن السيد القديم لم يتغير، والمسألة ليست هي أن أتغلب أنا عليه، لكن الذي حدث هو أني أنا الذي مُت في صليب المسيح، وهذا ما قطع العلاقة بيني وبين هذا السيد. والمولود من الله حديثًا، بعد أن فرح بغفران خطاياه، فإنه يصطدم بخيبة أمل مريرة عندما يكتشف أن الخطية كنبع فاسد بكل رغباتها الشريرة باقية كما هي لم تتغير، بل على العكس ازدادت عنفًا وشراسة. لقد امتلك الطبيعة الجديدة برغباتها المقدسة ورفضها للخطية، وهو يريد أن يعيش مقدَّسًا روحًا ونفسًا وجسدًا، ويعمل إرادة الله، ويحاول جاهدًا بكل إخلاص تنفيذ تلك الرغبات الحسنة بقوته الذاتية، واضعًا نفسه تحت مبدإ الناموس على أنه مسؤول أمام الله عن كبح رغبات الجسد، لكنه يصطدم بقوة معاكسة في كيانه، هي جسد الخطية الكائن في أعضائه. هذا الجسد نشيط جدًا في فعل الخطية، وضعيف جدًا وعاجز إلى حد الموت في السيطرة على الجسد أو في فعل إرادة الله. لهذا يسميه الرسول «جسد الخطية» (رومية6)، و«جسد هذا الموت» (رومية7).
والرسول قبل أن يستعرض التدرج في الاختبار العملي (رومية7)، حتى يصل إلى العتق الكامل ويهتف من أعماقه هتاف النصرة والغلبة على الخطية التي أذلته لفترات طويلة واستنفدت كافة المحاولات (رومية7: 25 – 8: 1-3)، فإنه قد شرح لنا في رومية6 الأساس التعليمي لهذا الاختبار في ثلاث نقاط محددة:
1. «عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلب معه ليُبطَل جسد الخطية، كي لا نعود نُستعبَد أيضًا للخطية» (رومية6:6). والكتاب لا يطالبني أن أموت فهذا ليس في مقدوري، لكنه يخبرني بأنني قد مُت يوم مات المسيح. هذا ما عمله الله ويريدني أن أصدقه. الجسد لم يمت فهو لا يزال نشيطًا ويتحرك، لكنني أنا الذي مُت (أنا القديم)، وبالتالي لن يجد من يستخدمه.
2. «احسبوا أنفسكم أمواتًا عن الخطية ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا» (رومية6: 11). وذلك عندما أقبل هذه الحقيقة بالإيمان وأطبقها عمليًا.
3. «لا تملكن الخطية في جسدكم المائت لكي تطيعوها في شهواتها، ولا تقدموا أعضاءكم آلات إثم للخطية، بل قدموا ذواتكم لله كأحياء من الأموات وأعضاءكم آلات بر لله» (رو6: 12، 13). وهذه هي الخطوة الإيجابية بعد التحرر من سيادة الخطية.
فالقصة تبدأ بالمعرفة والاستنارة بما عمله الله معنا إذ وضعنا في المسيح واعتبرنا قد متنا معه في الصليب، وعلينا أن نقبل هذا بالإيمان رغم أننا لم نشترك فيه حرفيًا، فلم نكن هناك يوم مات المسيح. وإذ نقبل ذلك علينا أن نعيش في ضوء هذه الحقيقة ونتصرف طبقًا لها، فنحسب أنفسنا، كل يوم وطول اليوم، أمواتًا عن (تجاه) الخطية وأحياء لله. فعندما تنادينا الخطية وتُغرينا لا نتحرك أو نتجاوب معها، ونُذكِّر أنفسنا أننا قد متنا عن الخطية، والذي مات لا يتحرك. وأخيرًا علينا أن نُقدِّم ذواتنا لله وأعضاءنا آلات بر لله، بعد أن كانت الخطية تستخدم هذه الأعضاء لتحقيق رغباتها.
وللحديث بقية إذا تأنى الرب