إلى كل قراء مجلتنا الغالية مجلة "نحو الهدف". وإلى كل من يملؤه الشعور بالفشل والإحباط وربما التذمر. إلى كل من يشعر أن ظروفه تمنعه من أن يعيش كما يريد، إلى من يحلم بالكثير والكثير من الأحلام الوردية الرائعة لكنه يشعر بإستحالة تحقيقها يومًا. وإلى كل من لديه قناعة بأنه مرفوض وغير مقبول من أقرب الناس إليه. إلى هؤلاء الذين يعانون من روتين الحياة وتكرار الأحداث، وبعض السلوكيات غير السوية في الشارع والبيت والبيئة المحيطة. إلى كل هؤلاء وغيرهم أهدي هذه القصة الحقيقية؛ قصة الحب الذي صنع المعجزة.
إنها قصة “ليز موراي” تلك الفتاة التي وُلدت في أسرة محطَّمة، حيث كان والديها من مدمني المخدرات، وبعد سنوات قليلة من ولادتها، مات كليهما بمرض الإيدز. فوجدت ليز نفسها في الشارع!! بلا أهل، بلا أحباب، وبلا مأوى. وبالطبع بلا دخل يساعدها كي تعيش مثل الأخريات اللواتي في ذات عمرها. فأتجَّهت ليز إلى التسوّل، بل وإلى السرقة أحيانًا حتى تستطيع أن تعيش. وبلا أدنى شك كلنا نعرف أن هذه البدايات إما نهايتها الموت في الشارع، أو على الأقل تقضي بقية حياتها خلف قضبان السجن.
لكن المحبة تستطيع أن تفعل ما لا نتوقعه، المحبة تهزم الفقر، واليأس، والفشل. المحبة تفك الأسر، وتجبر الكسر. المحبة تحطّم القيود، وتعالج الشرود. المحبة تفعل ما لا يستطيع أحد أن يفعله بالقوة. المحبة تصنع المعجزات.
التقت ليز يومًا في الشارع بفتاة في نفس عمرها، قدَّمت لها هذه الفتاة محبة حقيقية وقبول، رغم كل ما كانت فيه ليز من صعوبات يستحيل حلّها، فقد صارت مدمَّرة نفسيًا، ومحطَّمة إنسانيًا. لكن تعلقت ليز بهذه الفتاة جدًا، وارتبطت بها. وجدت فيها المحبة التي لم تجدها في والديها. ووجدت فيها الحنان والعطف الذي لم تجدهما في الشارع. وجدت قلب هذه الفتاة مضيئًا بالحب بينما هي تعيش في ظلام الليل. وجدت قلبها متسعًا لها، بعد أن ضاقت بها الحواري والأزقة التي كانت تعيش بها. فوثقت بها تمامًا. ويومًا من الأيام، طلبت هذه الفتاة الرقيقة الصادقة من ليز أن تدخل معها نفس مدرستها. وأن تفتح صفحة جديدة في الحياة، أن تُلقي بأيام الفشل والإحباط واليأس خلف ظهرها وتبتسم من جديد. لم تكن ليز مقتنعة بنسبة كبيرة بالأمر. لم تكن تعرف هذا العالم ولم ترَه يومًا، لكنها كانت تحب هذه الفتاة، وتثق بها. فقرَّرت أن تفعل ما طلبته منها. وبالفعل دخلت ليز المدرسة. فوجدت عالمًا آخر، عالمًا حقيقيًا، شعرت فيه بالجدية والإجتهاد. شعرت أنها فقدت الكثير والكثير من حياتها في تفاهات وحطام وقيود ونجاسة. بينما هناك وجه آخر لم تدركه طوال هذه السنوات. فقررَت أن تستمر في هذا العالم الجديد. كانت ليز ما تزال تسكن الشارع. فكانت تقضي كل الوقت في القراءة ومذاكرة دروسها على أرصفة المترو، وفي الأزقة والشوارع الجانبية. حتى تشعر أنها تستحق الإستمرار في هذا المدرسة مع صديقاتها وعالمها الجديد.
ولما رأت نتائج إيجابية جدًا وغير متوقعة لإجتهادها، زادت منه واجتهدت أكثر وأكثر، حتى صارت من أكثر الفتيات تفوقًا. فلم تكتفِ، بل قررت أن تُكمل حلمها حتى النهاية. قدَّمت ليز على منحة مجلة نيويورك تايمز الأمريكية التي تُقدَّم للطلبة المتفوقين دراسيًا، ليستكملوا دراستهم مجانًا في أكبر وأفضل الجامعات. وبالفعل تم قبولها بجامعة هارفارد الأمريكية، ثاني أفضل جامعات العالم! وواصلت تقدمها حتى أصبحت أستاذًا محاضرًا بجامعة هارفارد.
نعم تحوَّلت ليز موراي من فتاة شارع ومدمنة مخدرات ومتسولة، إلى أستاذة جامعية في واحدة ممن أكبر وأفضل جامعات العالم بفضل المحبة الحقيقية، والشعور بالقبول. فالمحبة هي طريق النجاح والاستقرار والراحة. هذه ليست كلمات حالمة، أو أفكار من عالم خيالي بعيد. هي الحقيقة التي يقرّها الكتاب المقدس، وتؤكِّدها الحياة في كل يوم. أنت وأنا نحتاج أن نتمتع بالمحبة الحقيقية حتى نحقق الهدف والغرض الحقيقي من حياتنا، نحتاج أن نشعر بأننا محبوبون حتى نُقبل على الحياة بإبتسامة حقيقية واثقة، فلا تؤثر فينا صعوباتها، ولا تغرينا حلاوتها الزائفة. نحتاج أن نقترب ممن يحبنا بغير شروط، ويقدِّم لنا كل العون بلا مقابل. نحتاج أن نقترب من ذاك الذي جاء إلينا وبذل نفسه من أجلنا ومات بديلاً عنا على الصليب، فنتمتع بالحب الحقيقي الذي نفتقده ونعطش إليه ولا نجده في الأقرباء والأحباء والأصدقاء.
قال المسيح يومًا عن هذا الحب العجيب: «"لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ» (يوحنا15: 13). فإن كنت تبحث عن الحب الأعظم، لذي يروي عطشك، بل ويفيض أيضًا، لن تجده إلا هناك، في أحضان المسيح الذي أحبك وقدم نفسه لأجلك، بلا شروط، بلا مقابل. هو يحبك لذاتك، يحبك كما أنت، يقبلك بحالتك.
هذا الحب سيجعلك تعطي، وتثمر وتفرح، سيملؤك بطاقة جبارة للعمل والإنجاز. سيرفعك من هوة اليأس والفشل وينقذك من براثن الإحباط والشعور بالفراغ الذي تعانيه ويزداد يومًا فيومًا.
دع محبة المسيح تأسرك وتغمرك وتُشبع قلبك وتريح نفسك وترسم إبتسامة صافية على شفتيك، أدعوك أن تقرأ معي هذه الكلمات وتتأملها جيدًا، ثم تستبدل كلمة “المحبة” بكلمة “المسيح”، وتعاود قراءتها مرة أخرى لتعرف مدى عمق وروعة وعظمة محبة المسيح لنا. ومن اليوم أبدأ حياتك من جديد بشكل مختلف، مغمورًا بمحبة المسيح.
«الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ، وَلاَ تَنْتَفِخُ، وَلاَ تُقَبِّحُ، وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا، وَلاَ تَحْتَدُّ، وَلاَ تَظُنُّ السُّؤَ، وَلاَ تَفْرَحُ بِالإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ، وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ، وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَدًا» (1كورنثوس13: 4–8).