هو أول من أسَّس مملكة في التاريخ، بابل، وسُميت أرض نمرود، وفيها تم إنشاء برج بابل. ومعنى اسمه “جبار أو متمرد” (تكوين10: 9)، فارتبط اسمه بالتمرد والقسوة والوحشية. وبابل مملكته هي أول معقل للتمرد والكبرياء!!
واليوم وقد تزايدت روح نمرود بين الناس، سواء كان في المجتمع الروحي أو الأسري، أو حتى المجتمع الأكبر في البلاد. لذلك دعونا نستكمل ما بدأناه في المقال السابق، من دراسة هذه الظاهرة في ضوء كلمة الله، ولا سيما وقد سألني بعض أحبائي من الشباب قائلين: “أتريدوننا أن نكون خانعين؟!” ولذا رأيت ضرورة توضيح بعض المفاهيم، راغبًا بصدق ومن كل قلبي أن لا نخسر تلك الفضيلة الحلوة: الخضوع.
أولا ً: هل الخضوع هو صورة من صور الخنوع؟!
1. لنعرٍّف كلا الكلمتين في البداية، لأن هناك فارق كبير بينهما، ويحاول المغالطون خلط الأوراق معًا. فالخضوع هو عمل إرادي يجعل صاحبه بكل محبة يطيع التعليمات والنصائح متفهمًا قيمة النصيحة أو الضوابط التي يطيعها، ومُدركًا أيضًا الدور الذي يقوم به كل فرد. أما الخنوع فهو تصرف قهري، وفيه يُجبر صاحبه على تنفيذ الأوامر دون اقتناع أو احترام لرغبته.
2. عندما طالبنا الله بالخضوع في كلمته، بكل تأكيد لم يقصد (وهو لا يحب لنا) الخنوع أو القهر.. حاشا لله!! فلقد طالب منا في كلمته قائلاً «فَاخْضَعُوا ِللهِ» وأستكمل القول «قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ» (يعقوب4: 7)، فإبليس هو دائمًا الذي يشوه المفاهيم الإلهية ويقلِّب المعاني الروحية؛ فلنتحذر منه.
3. الخضوع ذُكر بالارتباط بالرب يسوع المسيح (لوقا2: 51؛ 1كورنثوس15: 28) فهل هذا خنوع أم خضوع؟! دعونا نتمثل به فنُشفى من كل تمرد داخلنا!
ثانيًا: المجالات المختلفة للخضوع
كلمة خضوع في كلمة الله، جاءت في الأصل كتعبير عسكري يعنى “أن تكون في رتبتك”، ففي المعركة، لن يتحقق النصر، إلا إذا أخذ كل واحد مكانه، وكل رتبة خضعت لمن هو أعلى.. هكذا هو الخضوع!!
1. الخضوع للرب: «فَاخْضَعُوا ِللهِ» (يعقوب4: 7)؛ فبثقه كاملة في محبته وصلاحه نخضع لوصاياه، بل ونخضع أيضًا لتأديبه (عبرانيين12: 9)، وليحفظنا الرب من التمرد على شخصه وأقواله فلقد قال هو «كُلُّ مُبْغِضِيَّ يُحِبُّونَ الْمَوْتَ» (أمثال8: 36) وأيضًا « إِنَّمَا الْمُتَمَرِّدُونَ يَسْكُنُونَ الرَّمْضَاءَ (الأرض القاحلة)» (مزمور68: 6).
2. الخضوع لجماعة الرب (الكنيسة): «خَاضِعِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ فِي خَوْفِ اللهِ» (أفسس5: 21)، إن إلهنا إله ترتيب، وقد وضع ترتيبًا جميلاً في الكنيسة، فجعل شيوخًا للإرشاد والنصح الروحي، وقد قال: «أَطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَاخْضَعُوا، لأَنَّهُمْ يَسْهَرُونَ لأَجْلِ نُفُوسِكُمْ» (عبرانيين13: 17). كما أعطى الرب سلطانًا للكنيسة - تحت رئاسته وفي ضوء كلمته - للحكم على الأخطاء والمخطئين - ولا سيما الأشخاص الذين يُصِّرون على تصرفاتهم المشينة - وهذا ما قاله الرسول بولس «أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ تَدِينُونَ الَّذِينَ مِنْ دَاخِل؟ أَمَّا الَّذِينَ مِنْ خَارِجٍ فَاللهُ يَدِينُهُمْ. «فَاعْزِلُوا الْخَبِيثَ مِنْ بَيْنِكُمْ» (1كورنثوس5: 12). أما من يريد أن يعيش في كنيسة الله كما يحسن في عينيه، فهذا يشوِّه ويفسد «هيكل الله» ويتمرد على ترتيبه. فدعونا بمحبة نكرم الرب بخضوعنا للرب وترتيبه في كنيسته.
3. الخضوع للوالدين: كما نقرأ في أفسس6: 3. إن واحدة من سمات الأيام الأخيرة أنَّ الأبناء غير طائعين لوالديهم (2تيموثاوس3: 2)، لكن ماذا بالنسبة لنا؟ إليك هذان المثلان:
• مثالنا الأعظم، ربنا يسوع في خضوعه لأبويه (حسب الجسد) وهو صبي صغير « كَانَ خَاضِعًا لَهُمَا» (لوقا2: 51).
• أما المثال الآخر، وما أخطره، فهو حكم الناموس «إِذَا كَانَ لِرَجُل ابْنٌ مُعَانِدٌ وَمَارِدٌ لاَ يَسْمَعُ لِقَوْلِ أَبِيهِ وَلاَ لِقَوْلِ أُمِّهِ... ابْنُنَا ه ذَا مُعَانِدٌ وَمَارِدٌ لاَ يَسْمَعُ لِقَوْلِنَا... فَيَرْجُمُهُ جَمِيعُ رِجَالِ مَدِينَتِهِ بِحِجَارَةٍ حَتَّى يَمُوتَ (تثنيه21: 18-21). صحيح نحن في عهد النعمة، لكن النعمة مستواها أعلى بكثير!! فليرحمنا الرب من روح التمرد على والدينا لأنه لعب بالنار.
4. الخضوع في الزواج: ما أعظم ترتيب الله في الزواج المسيحي، فجعل الرب الرجل رأس المرأة، لا ليستعبدها ويسيطر عليها، بل ليحميها ويهتم بها ويصونها ويقدِّرها «كَمَا الرَّبُّ أَيْضًا لِلْكَنِيسَةِ»، ومن الناحية الأخرى رتب الرب للزوجة أن تخضع لزوجها، ليس بمفهوم القهر والإجبار بل بإدراك أن الرب وزَّع الأدوار، فتخضع لرجلها بكل حب، والمثال أمامها في ذلك «كَمَا تَخْضَعُ الْكَنِيسَةُ لِلْمَسِيحِ»، وأن هذه هي وصية الرب شخصيًا لها «أَيُّهَا النِّسَاءُ اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ» (أفسس5: 22، 24، 29). فما أروع هذا الترتيب، إذا احترمه كل زوجين عاشا في سعادة حقيقية!
5. الخضوع للرياسات والسلاطين: فالمسيحي الخاضع للرب ولأقواله لن يجد صعوبة أن يخضع للقوانين والحكام والأحكام، فماذا ترى علمتنا كلمة الله بخصوص هذا الأمر؟ في رومية 13 علّمتنا الآتي: أنه ترتيب من الله (ع1)، وأن التمرد هو خطية (ع2)، والحاكم موضوع لمهمة صالحة (ع4) والكل في يدي الله المتحكم في كل شيء.
ثالثًا: كيفية الوصول إلى حياة الخضوع؟
1. «فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا» (فيلبي2: 5) فكر الخضوع لله والاتضاع الحقيقي.
2. لنحذر من الجسد وأساليبه التي تشجع على عدم الخضوع «لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ عَدَاوَةٌ ِللهِ، إِذْ لَيْسَ هُوَ خَاضِعًا لِنَامُوسِ اللهِ، لأَنَّهُ أَيْضًا لاَ يَسْتَطِيعُ» (رومية8: 7).
3. لنحذر من التيارات العالمية «وَلاَ تُشَاكِلُوا هذَا الدَّهْرَ» (رومية12: 2)، أي لا تتشبهوا بأهل هذا العالم وأفكارهم.
4. لنمتلئ من الروح القدس: إن كان أهل العالم يحرِّكهم روح العصيان «الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ» (أفسس2:2)، لكن أولاد الله لهم روح الله «الرُّوحِ الْوَدِيعِ الْهَادِئِ» (1بطرس3: 4).
5. لنتعلم المبادئ الصحيحة من كلمة الله: «ذَوْقًا صَالِحًا وَمَعْرِفَةً عَلِّمْنِي، لأَنِّي بِوَصَايَاكَ آمَنْتُ» (مز119: 66).
وقد تتسائل عزيزي...
هل يجب على المؤمن أن يخضع لكل شيء؟!! أقول لك: لا وألف لا... فهناك أمور ينبغي للمؤمن أن لا يخضع لها أبدًا!! يا تري ما هي؟ فللحديث بقية إن شاء الرب.