بعد أن رأينا نعمة الرب يسوع ومحبته ورحمته في المعجزات التي تأملناها سابقا وعددها 34 معجزة، نأتي للمعجزة الأخيرة. والتي نري فيها عمل الرب الغريب وهو: معجزات القضاء واللعنة
فالذي قال للانسان مرة: «اُنْظُرْ. قَدْ جَعَلْتُ الْيَوْمَ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْخَيْرَ، وَالْمَوْتَ وَالشَّرَّ... قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ. الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَةَ» (تثنية30: 15–19)، رأيناه وهو في أيام جسده يقدِّم الحياة والخير والبركة - كما رأينا في المعجزات السابقة - لكل من يطلب وكل من يحتاج، ذلك وهو يجول يصنع خيرًا ويشفي جميع المتسلِّط عليهم إبليس. ولكن من يرفض الحياة والبركة، ويستمر على هذا الرفض، لا يبقى له في النهاية إلا القضاء واللعنة التي نراها في معجزة:
لعن شجرة التين
وَفِي الْغَدِ لَمَّا خَرَجُوا مِنْ بَيْتِ عَنْيَا جَاعَ، فَنَظَرَ شَجَرَةَ تِينٍ مِنْ بَعِيدٍ عَلَيْهَا وَرَقٌ، وَجَاءَ لَعَلَّهُ يَجِدُ فِيهَا شَيْئًا. فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهَا لَمْ يَجِدْ شَيْئًا إِلاَّ وَرَقًا، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ التِّينِ. فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهَا: ”لاَ يَأْكُلْ أَحَدٌ مِنْكِ ثَمَرًا بَعْدُ إِلَى الأَبَدِ!“. وَكَانَ تَلاَمِيذُهُ يَسْمَعُون... وَفِي الصَّبَاحِ إِذْ كَانُوا مُجْتَازِينَ رَأَوْا التِّينَةَ قَدْ يَبِسَتْ مِنَ الأُصُولِ، فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ وَقَالَ لَهُ: «يَا سَيِّدِي، انْظُرْ! اَلتِّينَةُ الَّتِي لَعَنْتَهَا قَدْ يَبِسَتْ!»» (مرقس11: 12-21).
سنتأمل في هذه المعجزة في ثلاث نقاط: التينة.. الثمر والورق، التينة والفرص الضائعة، التينة ورسالة الإنجيل.
1– التينة.. الثمر والورق
في اليوم السابق للعن الشجرة دخل الرب أورشليم وقوبل بالترحيب والهتاف الصاخب حتى ارتّجت المدينة كلها (متى21: 8-10). كل هذا كان بمثابة مظاهر كاذبة (ورق) لا ينخدع بها الرب الذي كان ينتظر رؤية ثمر حقيقي في الإنسان؛ فالطبيعي في شجرة التين أن تُخرِج الثمر أولاً ثم الورق، أو الإثنان معًا. فوجود الورق على الشجرة دليل لوجود الثمر. ولكن وجود ورق بدون ثمر دليل عُقم التينة.
فالثمر دليل الإيمان بالرب والارتباط بناموسه: «كَشَجَرَةٍ مَغْرُوسَةٍ عِنْدَ مَجَارِي الْمِيَاهِ، الَّتِي تُعْطِي ثَمَرَهَا (أولاً) فِي أَوَانِهِ، وَوَرَقُهَا (ثانيًا) لاَ يَذْبُلُ» (مزمور1: 3).
والثمر دليل الثبات في المسيح: في يوحنا15، أشار الرب للثمر 8 مرات، ولم يذكر الورق (أي المظهر). فالمسيح هو الكرمة الحقيقية، وينبغي أن يكون كل مؤمن حقيقي ثابت فيه، أي الاهتمام بوجود الثمر لا الورق، الجوهر لا المظهر.
والثمر دليل سكني الروح القدس: فصفات المؤمن الجميلة مثل: المحبة والفرح والسلام... يسميها الكتاب «ثمر الروح». فمن خلال ثمرنا، يعرف العالم أننا تلاميذ المسيح، فيمجِّدوا أبينا الذي في السماوات.
وفي الثمر نري قصد الله من البداية: ففي جنة عدن، نسمع أول كلمة من الرب لآدم «أثمروا»، وأول عطية له «كُلَّ شَجَرٍ فِيهِ ثَمَرُ» (تكوين1: 28، 29).
والدرس: فلنتحذَّر، صديقي القارئ، من الذهاب لأماكن العبادة وممارسة الشعائر والطقوس، والهتاف والتهليل والكلام الكثير في محضر الرب، دون وجود ثمر حقيقي. لئلا يسمع أحدنا القول: «لَكَ اسْمًا أَنَّكَ حَيٌّ وَأَنْتَ مَيْتٌ» (رؤيا3: 1). فورق التين دليل فشل الإنسان من أيام الجنة. و“ورق التين مينفعش، ورق التين ميسترش”.
2– التينة والفرص الضائعة
في لوقا13، ضرب الرب مثلاً بشجرة تين، أوضح من خلاله كيف وفَّرَ للإنسان كل أنواع الرعاية والاهتمام، وكيف هيَّأ له كل ما يساعده على الإثمار. فتذكَّر، عزيزي القارئ، كيف هيّأ لك الرب بيتًا مسيحيًا تعيش فيه، وكنيسة مفتوحة تذهب اليها، وكتاب مقدس ينير لك الحياة والخلود. وحفظك من حوادث وكوارث وأحداث كثيرة مات فيها الأبرياء، وكأنه يقول لك «اتركها هذه السنة أيضًا» وأعطاك وقتًا إضافيًا لتأتي بثمر. فقد أعطى فرعون فرص كثيرة مع توالي الضربات ولم يتُب. وأعطى يهوذا فرصة ثلاث سنين وسط التلاميذ. فليتك تتحين الفرصة، وإلا... «أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ، غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟» (رومية2: 4). فالقضاء على وشك الاستعلان «وَالآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ» (متى3: 10).
3– التينة ورسالة الإنجيل
مكتوب عن الرب أنه «الرَّبُّ يُمِيتُ وَيُحْيِي. ي ُهْبِطُ إِلَى الْهَاوِيَةِ وَيُصْعِدُ. الرَّبُّ يُفْقِرُ وَيُغْنِي. يَضَعُ وَيَرْفَعُ» (1صموئيل2: 6، 7). ونتذكَّر أول كلمات للرب في بداية خدمته، عندما دخل المجمع وقرأ المكتوب عنه «لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ. لأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ (والتي لا زالت ممتدة حتى الآن)» ثم طوى السِفْر ولم يكمل المكتوب، والذي سيحدث قريبًا جدًا، «وَبِيَوْمِ انْتِقَامٍ لإِلَهِنَا» (إشعياء61: 2). هذه هي الرسالة التي يجب أن تعلمها عزيزي القارئ، ويعلمها كل من يهتم بتوصيلها للآخرين. إن الربّ يسوع، وإن كان لا يزال: يُحي ويُصعد ويُغني ويرفع ويبشِّر ويشفي وينادي للجميع، وسنة النعمة لم تنتهِ حتى هذه اللحظة؛ ولكن يوم الدينونة والحساب قادم لا محالة. فليتحذَّر الجميع، وعندها لن تجد إلا الموت واللعنة والهبوط للهاوية. فتعال قبل أن يُغلَق الباب.