مثل عامي مصري شهير، يُقال غالبًا عند المصالحة بين متخاصمين، فبعد مراضاة الطرفين وإتمام المصالحة يُطلب منهما أن ينسيا كل ما حدث فيما قبل حتى لا يعود أي منهما للمطالبة بحق أو بتأنيب الآخر.
والحقيقة أن هذا مبدأ هام جدًا ينبغي أن يوضع في الاعتبار؛ فالمصالحة تتم بالغفران، والغفران يعني أن ننسى ما حدث من إساءات. هذا ما فعله يوسف مع إخوته الذين باعوه، إذ سامحهم، مع كونه في الموقف الأقوى، ناسيًا لهم كل ما فعلوه فيه، كما يخبرنا سفر التكوين.
والأهم أن الكتاب المقدس يطلب منا «مُسَامِحِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا إِنْ كَانَ لأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ شَكْوَى. كَمَا غَفَرَ لَكُمُ الْمَسِيحُ هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا» (كولوسي3: 13)، «مُتَسَامِحِينَ كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ أَيْضًا فِي الْمَسِيحِ» (أفسس4: 32). ولاحظ عُظم القياس «كَمَا سَامَحَكُمُ اللهُ». وعن مسامحة الله يقول «قَدْ مَحَوْتُ كَغَيْمٍ ذُنُوبَكَ وَكَسَحَابَةٍ خَطَايَاكَ» (إشعياء44: 22)، وَلاَ أَذْكُرُ خَطَايَاهُمْ وَتَعَدِّيَاتِهِمْ فِي مَا بَعْدُ» (عبرانيين8: 12).
فهل تمتعت قارئي العزيز بهذا الغفران الشامل النهائي؟ إنه لك إذا أنت قبلت المسيح المخلِّص الآن وأتيت إليه بتوبة حقيقية طالبًا غفرانه، فيمكنك عندئذ أن تترنم له مع من قال «مَنْ هُوَ إِلهٌ مِثْلُكَ غَافِرٌ الإِثْمَ وَصَافِحٌ عَنِ الذَّنْبِ... فَإِنَّهُ يُسَرُّ بِالرَّأْفَةِ. يَعُودُ يَرْحَمُنَا، يَدُوسُ آثَامَنَا، وَتُطْرَحُ فِي أَعْمَاقِ الْبَحْرِ جَمِيعُ خَطَايَاهُمْ» (ميخا 7: 18، 19).
وإن كنت قد تمتعت بالغفران، فهيا لتغفر لمن أسأ إليك كما فعل الله معك، فهو ينتظر منك ذلك.
كما أن هناك الكثير مما “فات” يجب أن يُنسى كما لو كان “مات” مثلما قال بولس «أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ، أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (فيلبي3: 13، 14). فنحتاج أن ننسى الماضي بانتصاراته وإخفاقاته، لكي نعيش الحياة التي ينتظرها الله منا.
أخيرًا نقول إنه إن كان الكثير مما فات يُنسى، فهناك ما لا يجب أن ننساه ونحن نردد لأنفسنا «بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ، وَلاَ تَنْسَيْ كُلَّ حَسَنَاتِهِ» (مزمور103: 2).