نشرت الصحف يوم 18 يناير 2015 خبرًا غريبًا عن مواطن تايواني يُدعى “هيسيه”. حيث قضى “هيسيه” ثلاثة أيام متواصلة جالسًا على كرسيه في مقهى للإنترنت بمدينة “كاوشينج” التايوانية، وقد قضى كل هذا الوقت أمام ألعاب مختلفة!! إلى أن لاحظ أحد عمال المقهى أن “هيسيه” لا يتحرك منذ فترة. فأعتقد في بداية الأمر أنه نائم بعد كل هذا الوقت أمام الألعاب. إلى أن أقترب منه، فلاحظ أنه لا يتنفس. فتمَّ نقله إلى إحدى المستشفيات القريبة من مقهى الإنترنت. وأكتشفوا الحقيقية المؤلمة؛ أن “هيسيه” مات متأثرًا بهبوط في وظائف القلب.
فقد “هيسيه” حياته بسبب لعبة!! لم يمُت في ساحة حرب، أو حتى أثناء تأدية عمله. لم يفقد حياته دفاعًا عن قضية يؤمن بها، أو حتى مرض خطير كان يعلم أن نهايته المحتومة هي الموت. لقد فقد حياته للأبد، وخسر كل شيء في لحظة. بسبب لعبة!! هل تستحق اللعبة أن يفقد “هيسيه” حياته بسببها؟! هل حياتنا أصبحت رخيصة إلى هذه الدرجة حتى أننا صرنا مستعدين لخسارتها مقابل لعبة مثيرة، أو جلسة طويلة أمام الإنترنت؟! هل صرنا مغيَّبين لهذه الدرجة، حتى أننا ننسى أنفسنا حتى الموت؟!!
نعم أحبائي الشباب، لقد نجح الشيطان في إقناعنا أن الحياة تافهة، وبلا معنى. نجح أن يلهينا عن المعنى الحقيقي للحياة، والهدف السامي الذي خُلقنا لأجله؛ لقد خُلِقت لتستمتع بحياتك. نعم تستمتع بحياتك، هذا عين ما قاله الرب يسوع المسيح نفسه منذ حوالي ألفي عام لنا جميعًا. ألم يقل «اَلسَّارِقُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ لِيَسْرِقَ وَيَذْبَحَ وَيُهْلِكَ، وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ» (يوحنا10:10). لقد جاء إلينا لنعيش الحياة الأفضل معه. فالسارق والقاتل، الذي هو الشيطان؛ هو من يريدك أن تعيش في عذاب ومرارة ويأس في هذه الحياة؛ فيأخذك في طريق الخطية ويُجمِّل أمامك الشهوة. وبعد أن يأسرك بها يبدأ في إذلالك، وإحكام القيود على فكرك وقلبك، فتشعر بأن الحياة أصبحت مظلمة ولا معنى لها. إلى أن تفقدها يومًا وتخسرها للأبد.
خدع حواء قديمًا بمكره، وما يزال يمارس الحيل ذاتها مع بني البشر. فقد جعل حواء تتطلع إلى شجرة معرفة الخير والشر، وكأنه لا يوجد غيرها في الجنة. وجعل ثمرها شهي أمام عينيها، فتركت حواء كل شجر الجنة، وتطلعت بشوق شديد لهذه الشجرة، وتخيَّلت - كما رسم لها الشيطان - أن هذه الشجرة لا مثيل لها. فأخذت، وأعطت آدم أيضًا فأكل. وكلنا نعرف نتيجة ما حدث. لقد صدمهم الواقع الأليم الذي صاروا فيه. وبعد أن كانوا في جنة خطَّط لها ورسمها وزرعها الله بنفسه، صاروا خارجها في صحراء جرداء! بعد أن كانوا متمتعين بالشركة الحبية، والعلاقة الحية مع الخالق العظيم، صاروا بعيدين، وحدهما بلا رفيق أو مرشد يقودهم، وينير لهم الطريق. فصارت الحياة كئيبة، وصارت قلوبهم حزينة، بعد أن كانت ممتلئة بالأفراح. وعرف الخوف طريقه إلى قلوبهم لأول مرة (تكوين3: 8).
بالطريقة ذاتها خدع الابن الضال؛ ورسم أمامة صورة كاذبة عن الحياة خارج أسوار بيت أبيه الذي يحبه، ويخطط دائمًا لإستمتاعه بالحياة. فخرج الابن الأصغر وهو يتخيل أنه سيعيش ما لم ولن يراه في بيت أبيه. وهناك – خارج البيت – صدمته الحياة، وأكتشف الخدعة الكبرى التي خدعه بها الشيطان. وبعد أن كان متمتعًا بكل شيء في بيت أبيه صار يشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب التي كانت تأكله الخنازير (لوقا15: 16). ويا ليته حصل عليه، لقد أكتشف أنه حتى خرنوب الخنازير لا يستطيع الحصول عليه بسهولة!!
عزيزي، هل خدعك الشيطان بذات الطريقة؟! هل رسم أمامك طريقًا زائفًا مليئًا بالأفراح والمتع الوقتية، وبعد أن سلكت الطريق خَلفَه، صُدمت بالواقع المرير؟! هل عشت بعيدًا عن أبيك السماوي متخيّلاً أنك ستستمتع بحياتك، وتمتلك حريتك بعيدًا عنه، ثم صُدمت بأن قيودك تزداد تعقيدًا يومًا فيومًا؟! لقد وصلنا في هذه الأيام لمستوى ضحل للغاية، للدرجة التي فيها يفقد الناس حياتهم أمام ألعاب الإنترنت، وأمام شهوة بغيضة، أو بسبب إدمان خادع يجعل الإنسان يفكِّر في الانتحار عشرات المرات في اليوم، ثم يُقدِم عليه في لحظة. لماذا كل هذا الضياع، واليأس والفشل، رغم أن المسيح جاء خصيصًا إلينا ليقدم لنا أروع وأعظم حياة؟! جاء ليجعل لحياتك معنى، بالعلاقة الحية معه. لا تصدِّق كلام الشيطان الكذاب الذي يحاول إقناعك بأن الحياة مع المسيح كلها قيود، وخسارة لحريتك، واستمتاعك. إنها الخدعة الكبرى التي خدع بها الشيطان ملايين البشر عبر العصور. وها هو الواقع يخبرنا بالحقيقة، ويؤكد لنا أن الحياة أصبحت رخيصة جدًا في عيون كل من هو بعيد عن الله، حتى أنه على استعداد أن يفقدها في لعبة.
لن أقول لك جرِّب الحياة مع المسيح، ولن أحاول إقناعك بطرق مختلفة؛ لأنك تعرف الحقيقة جيدًا، خصوصًا بعد أن جرَّبت واختبرت الجزء المرير منها. كل ما سأخبرك به، في النهاية، أن المسيح أعظم وأروع صديق ورفيق وحبيب، فلا تستمر مخدوعًا أكثر من ذلك. وتعال إليه لينقذك من بئر الضياع، والذل الذي تعيش فيه. صلِّ له الآن طالبًا منه أن يحرِّرك ويفُكّ قيودك، ويكشف لك عن روعة ومتعة الحياة حينما يضيئها هو بنوره، ويملؤها بسلامه العجيب. ضامنًا لك أعظم وأروع خطة، نهايتها أبدية سعيدة، حيث تكون معه هناك في بيت الآب إلى أبد الآبدين.