في المقالة السابقة تحدَّثنا عن ثلاثة دروس تعلمناها من عصافير الكتاب؛ فكان العصفور يُقدَّم ذبيحة، ففي يوم تطهير الأبرص كان عليه أن يأتي بعصفورين يُذبح الواحد ويطلق الآخر، وهذا درس بديع عن موت وقيامة المسيح. كما رأينا أن العصفور يرمز للمؤمن بالمسيح الذي وجد سكنه وراحته فيه، وفي مقالتنا هذه نستكمل بقية الدروس.
4. العصفور غير المنسي
«أليست خمسة عصافير تباع بفلسين. وواحد منها ليس منسيًا أمام الله» (لوقا12: 6). كان باعة العصافير يبيعون كل زوج من العصافير بفلس، فإذا إشتريت زوجين بفلسين، أعطوك فوقهما عصفور هدية (يعني على البيعة ببلاش). هذا العصفور الذي ليس له ثمن غير منسي بالمرة أمام الله. لذلك قال سيدنا: «بل شعور رؤوسكم جميعها محصاة (مرقمة) فلا تخافوا. أنتم أفضل من عصافير كثيرة» (لوقا12: 7). لكن مما يؤسف له أن المؤمن الحقيقي، في ضعفه وعدم إيمانه، يظن أن الرب قد نسيه ويقول مثل الشعب القديم: «قد تركني الرب، وسيدي نسيني. هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها؟! حتى هؤلاء ينسين وأنا لا أنساك. هوذا على كفيّ نقشتك» (إشعياء49: 15-16). فما أعجب إلهنا إنه: «لا ينسى المسكين إلى الأبد، ورجاء البائسين لا يخيب إلى الدهر» (مزمور9: 18).
أخي المؤمن: يا من تمر بظروف معاكسة وقد طال انتظارك، وأُصبت بالقلق والملل، لا تخف فهو لم ولن ينساك أبدًا «لأن الله ليس بظالم حتى ينسى عملكم، وتعب المحبة التي اظهرتموها نحو اسمه، إذ خدمتم القديسين وتخدمونهم» (عبرانيين6: 10).
5. العصفور المحروس
لقد دخل نوح وبيته إلى الفلك وأدخل معه كل «الوحوش كأجناسها والبهائم كأجناسها... وكل عصفور ذي جناح» (تكوين7: 14). لقد هلك العالم القديم بأسره وانتهى، إلا الذي دخل الفلك فنجى، حتى العصافير نجت من الهلاك والغضب.
سؤلت شابة مسيحية، وهي تستقل أحد الميكروباصات التي تجري في مدينة القاهرة، من رجل يبدو من لحيته وجلبابه أنه من المتدينين، سألها عن أعظم معجزة صنعها المسيح. أجابت الشابة: أعتقد معجزة إشباع الخمسة آلاف بخمس خبزات. فقال الرجل: لا، ليست هذه أعظم معجزة. ففكرت الشابة وقالت: ربما معجزة إقامة لعازر من بين الأموات بعد أربعة أيام من موته ودفنه. ولم تكن هذه ولا غيرها هي الإجابة التي يريدها السائل. وأخيرًا قال لها: إن أعظم معجزة صنعها المسيح، ويصنعها معكم، هي معجزة بقاؤكم معنا وحفظ ربكم لكم حتى يومنا هذا رغم كل شيء. نعم إن الشيء المعزي والمشجع لنا هو: وعد الرب لنا فمكتوب: «أنتم الذين بقوة الله محروسون»، بل ولنا عنده ميراث لا يفنى (فهو ضد الموت) ولا يتدنس (ضد الخطية) ولا يضمحل (ضد الزمن) محفوظ لنا في السماوات.
وكم من المواعيد المطمئنة والمشجِّعة لنا في الكلمة الإلهية: «الرب حافظك، الرب ظل لك عن يدك اليمنى» (مزمور121: 5). «الرب يحفظك من كل شر، يحفظ نفسك» (مزمور121: 7). وأيضًا «والقادر أن يحفظكم غير عاثرين، ويوقفكم أمام مجده بلا عيب في الإبتهاج» (يهوذا24).
| ما دمت تحفظ الحياة |
| لا نرهب الهلاك |
| في الضيق أو حين النجاة |
| نكون في حماك |
6. العصفور العامل
«أرز لبنان... حيث تعشش هناك العصافير (أي تبني بيتها)» (مزمور104: 16-17) وهذا العصفور يرمز للمؤمن العامل، فبعد تمتع المؤمن بفداء المسيح وخلاصه، يرتب له الرب أعمال صالحة ليعملها «لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة» (فيلبي2: 13)، ويقول الرسول بولس للمؤمنين في كنيسة أفسس: «لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لنسلك فيها» (أفسس2: 10).
عزيزي: ما أكثر الأعمال التي يعملها كل واحد منا، لكن تذكر أن هناك أعمال باطلة وأعمال غير باطلة قال عنها الكتاب «كونوا راسخين، غير متزعزعين، مكثرين في عمل الرب كل حين، عالمين أن تعبكم ليس باطلاً في الرب» (1كورنثوس15: 58). فالله يرى بواعث ودوافع أعمالنا لإجله، وسيكافئنا عليها مهما كانت بسيطة، فالرب سيكافئ العامل في النظافة، تمامًا كالكاتب والقارئ طالما كان العمل من القلب ولمجد المسيح وحده.
7. العصفور المفدي الحر
«إنفلتت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين، الفخ انكسر ونحن انفلتنا» (مزمور124: 7). ونحن أيضًا كنا مقيَّدين ومستعبَدين لصيادين كثيرين، من شهوات ولذات ومحبات كثيرة للعالم، مثل ذلك العصفور المسكين الذي وقع في الشرك والفخ. لكن كم نشكر الله أبونا من القلب «الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته، الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا» (كولوسي1: 12-14). نحن لا نقلِّل من قوة الشيطان وسلطانه ورئاسته للعالم، لكن لنا مَن هو أقوى منه، الذي غلبه ونزع سلاحه بالكامل (لوقا11: 22). لذلك علينا أن نطمئن: «لأنه ينجيك من فخ الصياد ومن الوباء الخطر، بخوافيه يظللك، وتحت أجنحته تحتمي» (مزمور91: 3-4).
وما زال الرب على استعداد أن ينقذ كل من وقع في فخ الصياد، ويشعر بعار الخطية وذُل مصيدة الشيطان، فليس منقذ غير المسيح ابن الله الذي تجسَّد «لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت (حجة الموت) أي إبليس، ويعتق أولئك الذين خوفًا الموت كانوا جميعًا كل حياتهم تحت العبودية» (عبرانيين2: 14-15).
صديقي العزيز: إن كنت تشعر أنك محبوس ومأسور مقيد وعاجز، كالسجين في زنزانته، هيا ارفع قلبك للمسيح المحرِّر الذي يحبك ويبحث عنك الآن.
فما أجمل الرجوع إلى الرب يسوع، فهو المنقذ الوحيد، والمخلِّص الوحيد، والمحرِّر الوحيد. هيا دَعْ نفسك تستريح وتنطلق وتفرح، فالمسيح هو وحده الشخص المريح. وصلي كما صلى الملايين قبلك راكعًا، وطالبًا من كل قلبك:
«ارجعي يا نفسي إلى راحتك لأن الرب قد أحسن إليك. لأنك أنقذت نفسي من الموت، وعيني من الدمعة، ورجلي من الزلق» (مزمور116: 8). فتتمتع بسلام الضمير وراحة القلب وتسعد بالمسيح. آمين.