تحرَّكت مشاعرنا جميعًا أمام بشاعة حرق الطيار الأردني “معاذ الكساسبة”، الذي وقع أسيرًا في أيدي متشددين دينيًا، إذ تم حرقه حيًّا داخل قفص حديدي، بعد أن تمَّ إغراق ملابس إعدامه بمواد قابلة للاشتعال، مما زاد بشاعة المشهد إذ التهمت النيران جسده في دقائق معدودة. ومهما كانت الدوافع، سيظلّ هذا العمل وصمة عار على الإنسانية والعالم المتحضِّر. فما هذه الوحشية والبشاعة؟!
في الحقيقة، حرق معاذ ترك في داخلي عميق الأثر، علي مدار أيام متواصلة لم أستطع أن أنساه؛ فقسوة منظر النيران التي قضت علي هذا الشاب في دقائق قليلة، ألهبتني وأفزعتني. لكنه دفعني لأتوجَّه بقلبي شاكرًا سيدي ومخلصي الرب يسوع المسيح، الذي لم ينقذني من عذاب نار وقتي، لكنه أنقذني من العذاب في الجحيم إلي أبد الآبدين. لذا أريد أن أشاركك عزيزي القارئ ببعض النقاط التي لمعت في ذهني إزاء هذا المشهد الرهيب.
1. حريق العالم قريب
يخبرنا الرسول بطرس في رسالته الثانية عن المصير المنتظر قريبًا للعالم، إذ يقول «وَلكِنْ سَيَأْتِي كَلِصٍّ فِي اللَّيْلِ، يَوْمُ الرَّبِّ، الَّذِي فِيهِ تَزُولُ السَّمَاوَاتُ بِضَجِيجٍ، وَتَنْحَلُّ الْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ الأَرْضُ وَالْمَصْنُوعَاتُ الَّتِي فِيهَا" (2بطرس3: 10). وفي الواقع أعطانا الكتاب صورة مصغَّرة عن قسوة هذا الحريق، تستطيع أن ترجع إليها من خلال سفر التكوين أصحاح19 عن حريق مدينتي سدوم وعمورة، وحجم الدمار الذي جاء عليهما بسبب الشرور التي كانوا فيها، لكن الرب حفظ لوطًا سالمًا إذ نصحه الملاكان محذِّرَين «إهرب لحياتك».
صديقي، صديقتي.. أمام حقيقة نهاية العالم المرتقبة واحتراقه عن قريب، كيف تتعامل مع حياتك؟ هل تقضي وقتك وعمرك منهمكًا في العالم، تجري وراء كنوز ومباهج أرضية وقتية؟! أم تسمع لقول الكتاب وتهرب لحياتك الي الرب يسوع المسيح فتجد الملاذ والخلاص الأكيد من هذه الدينوية؟
2. عذاب اللهيب
أوضح لنا الكتاب نبذة مختصرة عن شِدَة العذاب للهالكين في نار جهنم من خلال صرخات الغني وهو معذَّب في نار الجحيم (لوقا16)، كان يفتقر إلي نقطة ماء لتبرِِّد لسانه من هذا العذاب.. أتخيله يصرخ بكلمات الترنيمة التي تقول:
من قلب اللهيب باصرخ يا ويلي |
| وما أحد بيسمعني |
من قلب اللهيب اللي وصلته بجهلي |
| وما أحد وصلني |
ولأن الله محبة ويريد أن «جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ» (1تيموثاوس2: 4)، فعلي هذا الأساس أريد أن أشاركك ببعض الصفات التي جاءت في الكتاب المقدس عن النار الأبدية، راغبًا بصدقٍ أن أهمس في أذنك ببعض كلمات ونبضات التحذير وليس التخويف.
عذاب و الآلآم النار: وصف الغني نار جهنم متآلما «مَوْضِعِ الْعَذَابِ هذَا» (لوقا16: 28).
الشعور بالندم والمرار: «هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ» (متي 13: 42). وصرير الأسنان أكبر دليل علي الندم والحسرة علي ضياع فرصة التوبة والحصول علي الخلاص الأبدي.
بحيرة من دون قرار: «كُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوبًا فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ» (رؤيا20: 15).
هلاك ليلَ نهار: «"وَيَصْعَدُ دُخَانُ عَذَابِهِمْ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. وَلاَ تَكُونُ رَاحَةٌ نَهَارًا وَلَيْلاً» (رؤيا14: 11).
ظلمة وغياب الانوار: «الْعَبْدُ الْبَطَّالُ اطْرَحُوهُ إِلَى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ، هُنَاكَ يَكُونُ الْبُكَاءُ وَصَرِيرُ الأَسْنَانِ» (متي25: 30).
السكن مع الشياطين والأشرار: «اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ» (متي25: 41).
عطش باستمرار: «ارْحَمْنِي، وَأَرْسِلْ لِعَازَرَ لِيَبُلَّ طَرَفَ إِصْبَعِهِ بِمَاءٍ وَيُبَرِّدَ لِسَانِي، لأَنِّي مُعَذَّبٌ فِي هذَا اللَّهِيبِ» (لوقا16: 24).
أما عن حال الذاهب الي نار جهنم، فهناك الهالك سيكون: مربوطًا، ومطروحًا، وباكيًا، ونادمًا (متي22 :13)، ومذبوحًا (لوقا19: 27)، ومعذَّبًا، وعطشان (لوقا16: 24)، كما إنه سيكون مُداسًا (إشعياء63: 2). ومن المؤسف إن صراخ هذا العذاب سيصعد إلى أبد الآبدين (رؤيا14: 10).
عزيزي القارئ، ينصحنا حكيم الحكماء سليمان قائلاً «الذكي يُبْصِرُ الشَّرَّ فَيَتَوَارَى، وَالْحَمْقَى يَعْبُرُونَ فَيُعَاقَبُونَ» (أمثال22: 3)؛ لذا هل تتجاوب مع تحذير الرب لك من خلال هذه الكلمات؟
3. بدلية الصليب
أمام كل هذه العذابات التي تنتظر الخاطئ في نار جهنم، ارتضى الرب يسوع - وهو البار بلا خطية - أن يتحمل طواعيةً كل هذه الألامات والعذاب علي صليب، حتي يكون المصالح المناسب الوحيد ما بين الله البار والإنسان الخاطئ، وبذلك صار الطريق الأوحد للخلاص من عذاب اللهيب. فالمسيح - له كل المجد - «أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ اللهِ وَمَذْلُولاً. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ» (إشعياء53: 4-7).
“حزن المسيح” لكي نفرح نحن.. “بكي يسوع” لكي نسعد نحن.. صرخ يسوع علي الصليب “أنا عطشان” لكي يروي ظمأنا وعطشنا إلى الأبد، قُيِّدَ يسوع بالقيود وهو الذي جاء ليُطلق المأسورين الي الحرية الحقيقية.. بات المسيح في ظلام القبر لننعم بنور الحياة. فهل تُسرع إليه شاكرًا على نعمته التي لا يُعبَّر عنها وعلى هذه البدلية العظيمة والفريدة؟!
صلاة: ربي يسوع.. آتي إليك بتوبةٍ وانكسار.. شاعرًا في قلبي بالضيق والمرار.. بعد أن شردت وسلكت طريق الأشرار.. عشمان في حبك ودليله: السوط، وإكليل الشوك، والحربة والمسمار.. لتنقذني من عذاب النار وتسكنني مع الأبرار.. آمين.