تعجبت جدًا من كلمات قائد المئة الروماني للرب يسوع المسيح: «لأَنِّي أَنَا أَيْضًا إِنْسَانٌ تَحْتَ سُلْطَانٍ. لِي جُنْدٌ تَحْتَ يَدِي. أَقُولُ لِهذَا: اذْهَبْ! فَيَذْهَبُ، وَلآخَرَ: اءْيتِ! فَيَأْتِي، وَلِعَبْدِيَ: افْعَلْ هذَا! فَيَفْعَلُ» (متى8: 9). قال هذا مُعبِّرًا عن خضوعه كقائد لسُلطة أعلى منه، وخضوع الآخرين له. فقلت في نفسي: إذًا، الخضوع ليس للضعفاء الأذلاء بل هو شيمة العظماء الأجلاء!! ولاحظت أن العصيان هو منهج السفهاء!!
وأرجو أن تفكر معي يا صديقي في هذا الأمر قليلاً: لن تجد لا على صفحات الكتاب المقدس، ولا في سجلات التاريخ، عظيمًا متمردًا، ولا سفيهًا خاضعًا!!
1. الرب يسوع المسيح
^ ما أروع ربنا يسوع المسيح، الذي قيل عنه «وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلاَئِكَةِ اللهِ» (عبرانيين1: 6). نراه في تجسّده خاضعًا لله يقول «هنَذَا أَجِيءُ. فِي دَرْجِ الْكِتَابِ مَكْتُوبٌ عَنِّي، لأَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا أَللهُ» (عبرانيين10: 7)، وأيضًا «مَعَ كَوْنِهِ ابْنًا تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ» (عبرانيين5: 8)، وحتى في الأبدية سيخضع أيضًا لله «فَحِينَئِذٍ الابْنُ نَفْسُهُ أَيْضًا سَيَخْضَعُ لِلَّذِي أَخْضَعَ لَهُ الْكُلَّ، كَيْ يَكُونَ اللهُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ» (1كورنثوس15: 28).
^ وما أعظم تقدير الله لخضوع المسيح، فلقد وجده «رَائِحَةَ سَرُورٍ»، بل «لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ» (فيلبي2: 9) لذلك نراه الآن «مُكَلَّلاً بِالْمَجْدِ وَالْكَرَامَةِ».
^ وفي تجسُّده أيضًا، كان هذا العظيم خاضعًا لأبويه وهو صبي صغير «ثُمَّ نَزَلَ مَعَهُمَا وَجَاءَ إِلَى النَّاصِرَةِ وَكَانَ خَاضِعًا لَهُمَا» (لوقا2: 51).
2. يوسف وخضوعه لأبيه
^ يقدِّم لنا الكتاب المقدس مثالا ً لشاب صغير، كان محبوبًا ومقرّبًا من أبيه يعقوب، لأنه ابن شيخوخته، ومع ذلك أظهر خضوعًا حقيقيًا عندما طلب منه أبوه أن يسافر مسافات بعيدة، ليسأل عن سلامة إخوته الذين يرعون الأغنام، فلم نجد منه ألا كل خضوع «تَعَالَ فَأُرْسِلَكَ إِلَيْهِمْ. فَقَالَ لَهُ: هأَنَذَا» (تكوين37: 13).
^ وحتى بعد تولّيه عرش مصر، لم يُفقده المركز طبيعة وفضيلة الخضوع لديه، فكم من أناس غيَّرتهم المناصب وجعلتهم في تمرُّد مقزِّز وتعالٍ مُنفِّر جدًا!! أما يوسف فبعد أن أصبح أميرًا، ذهب ليزور أباه يعقوب المريض، وطلب منه أن يبارك ولديه منسى وأفرايم، لكن يعقوب بفطنه بارك الأصغر وكأنه الأكبر، والأكبر وكأنه الأصغر!! وبلطف وأدب جَمٍّ حاول يوسف أن يصحِّح الوضع لكن أباه رفض - وكان هذا لقصد إلهي - فما كان من يوسف إلا كل إذعان وخضوع تام (تكوين48: 17-19).
ألا تشتاق معي أن تكون مثل هذين المثلين في خضوع لله وللوالدين؟!
ثانيًا: أمثلة لسفهاء عصاة ومتمردين
1. رحبعام المتمرد على نصيحة الحكماء
هو ابن سليمان وخليفته على العرش. فيومًا من الأيام جاء إليه كل الشعب طالبين منه أن يخفف أثقال الضرائب التي فرضها أبوه سليمان عليهم وأثقل بها كواهلهم، ونصحه الشيوخ باكتساب ولاء الشعب. لكن رحبعام تجاهل نصيحة الشيوخ الحكيمة واستمع لمشورة رفقائه، وتكلَّم للشعب بعجرفة قائلاً لهم «أَبِي ثَقَّلَ نِيرَكُمْ وَأَنَا أَزِيدُ عَلَى نِيرِكُمْ. أَبِي أَدَّبَكُمْ بِالسِّيَاطِ وَأَنَا أُؤَدِّبُكُمْ بِالْعَقَارِبِ» (1ملوك12: 11).
وكانت النتيجة المُرّة لتمرده أن الشعب أيضًا تمرَّد عليه، ورجموا أدورام المسؤول عن التسخير، فهرب رحبعام إلى أورشليم ليصبح ملكًا على سبطي يهوذا وبنامين فقط بدلاً من كل مملكة إسرائيل!!
2. يربعام بن نباط: المتمرد على سيده وعلى الله
كان أحد عبيد الملك سليمان (1ملوك11: 26)، ورغم أن الرب وعده بأنه يملك على عشرة أسباط، ولم يشأ أن ينتظر حتى يموت الملك سليمان، فدبَّر مؤامرة لاغتياله، لكن مؤامرته كُشفت. وهرب يربعام إلى مصر إلى شيشق فرعون مصر، وظل هناك حتى وفاة سليمان الملك، وعاد مرة أخرى متمردًا، فقسَّم مملكة إسرائيل، وعمل كل ما يهين الله، نذكر بعضًا منه (1ملوك12: 28-33).
* عمل عجلين من الذهب للعبادة بدلاً من عبادة الرب في أورشليم.
* أقام كهنة ليسوا من سبط لاوي وهذا ضد شريعة الرب.
* ثم عمل أعياد غير التي حدَّدها الرب.
* والأشر من كل هذا، أنه نادي أمام العجلين قائلاً «هُوَذَا آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ الَّذِينَ أَصْعَدُوكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ»!!
وما أخطر نتائج هذا التمرد؛ فلقد مات ابنه بمرض دون شفاء حسب قول الرب، بل وجاء عليه القضاء الإلهي الرهيب وعلى كل بيته «مَنْ مَاتَ لِيَرُبْعَامَ فِي الْمَدِينَةِ تَأْكُلُهُ الْكِلاَبُ، وَمَنْ مَاتَ فِي الْحَقْلِ تَأْكُلُهُ طُيُورُ السَّمَاءِ، لأَنَّ الرَّبَّ تَكَلَّمَ» (1ملوك14: 10-13).
همسة أخيرة أود أن أهمس في أذنك صديقي.. أثق أنك لا تريد أن تكون مثلهم..
رائع أن تتحذر من شرور هؤلاء المَرَدَة، فتجنِّب نفسك ما جاء عليهم «فَهذِهِ الأُمُورُ جَمِيعُهَا أَصَابَتْهُمْ مِثَالاً، وَكُتِبَتْ لإِنْذَارِنَا نَحْنُ الَّذِينَ انْتَهَتْ إِلَيْنَا أَوَاخِرُ الدُّهُورِ» (1كورنثوس10: 11). وما أروع أن نتمثَّل بمن خضعوا للرب وهذا لبركة حياتنا «انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ» (عبرانين13: 7).
إن إمكانيات الله هي لنا لنعيش في رضاه، فلا تنزعج أن كنت لا تستطيع الخضوع، فقط تعالَ إلى الرب طالبًا منه تغيير قلبك ونوال طبيعته الإلهية وإمكانياته السماوية، فيحيا المسيح بروحه فيك، وتختبر هذا الحق الإلهي «كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ» (2بطرس1: 3).
أحبائي... ما أصدَقَ كلام الرب الذي قاله عن المتمرّدين عليه: «لأَنِّي دَعَوْتُ فَأَبَيْتُمْ، وَمَدَدْتُ يَدِي وَلَيْسَ مَنْ يُبَالِي، بَلْ رَفَضْتُمْ كُلَّ مَشُورَتِي، وَلَمْ تَرْضَوْا تَوْبِيخِي. فَأَنَا أَيْضًا أَضْحَكُ عِنْدَ بَلِيَّتِكُمْ. أَشْمَتُ عِنْدَ مَجِيءِ خَوْفِكُمْ». وعن أحبائه الخاضعين له يقول «أَمَّا الْمُسْتَمِعُ لِي فَيَسْكُنُ آمِنًا، وَيَسْتَرِيحُ مِنْ خَوْفِ الشَّرِّ» (أمثال1: 24-33).