رأينا في العدد السابق أن الرب يسوع عندما قال «أنا هو»، كان ذلك لكي يعرفه من سمعوه، ومن سيقرأون كلمته، أنه هو يهوه الذي قال لموسي عن نفسه «أهية الذي أهية». وقصد أيضًا أن يعلن ذاته كمن فيه السداد الكامل لكل احتياجات الإنسان. وفي هذا العدد سنبدأ أولاً بالمدخل الوحيد لمعرفة الرب، ومن هو في ذاته، وماذا لنا فيه، إذ نسمعه يقول:
أنا هو الباب
«أَنَا هُوَ الْبَابُ. إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ وَيَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَيَجِدُ مَرْعًى» (يوحنا10: 9).
الباب: نلاحظ أنه ليس باب من الأبواب، بل الباب الوحيد الذي يقود من يدخله لمعرفة أمور عظيمة نذكر منها:
المسيح: الذي قال «أنا هو»، والذي لا يعرفه حق المعرفة إلا الآب «لَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الابْنَ إِلاَّ الآبُ» (متى11: 27). فلن يقودك لمعرفته أي إنسان أو طائفة أو ديانة، بل هو بنفسه إن دخلته كالباب بالإيمان. هنا ستكون «في المسيح». وأيضًا «لبست المسيح يسوع».
الله: في داخل الإنسان رغبة لمعرفة الله. فنسمع أيوب يقول «مَنْ يُعْطِينِي أَنْ أَجِدَهُ، فَآتِيَ إِلَى كُرْسِيِّهِ» (أيوب23: 3). وموسي يطلب من الرب «أَرِنِي مَجْدَكَ» (خروج33: 18). وقال التلاميذ للمسيح «أرنا الآب»، ومكتوب «لاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ الابْنُ». فمن يريد أن يعرف الله، فلا مدخل إليه إلا المسيح الذي قال «لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي» (يوحنا14: 6). «فَجَاءَ وَبَشَّرَكُمْ بِسَلاَمٍ، أَنْتُمُ الْبَعِيدِينَ وَالْقَرِيبِينَ. لأَنَّ بِهِ لَنَا كِلَيْنَا قُدُومًا فِي رُوحٍ وَاحِدٍ إِلَى الآبِ» (أفسس2: 17، 18). ومكتوب أيضًا «اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ» (يوحنا1: 18).
الخلاص: «إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ»؛ لقد حسم الوحي المقدس هذا الأمر. فلا باب آخر لنوال الخلاص الحقيقي والشامل إلا بالمسيح «وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ» (أعمال4: 12). ومن هو صاحب هذا الاسم؟ «اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ» (متى1: 21).
بابان.. طريقان.. نهايتان..
«اُدْخُلُوا مِنَ الْبَاب الضَّيِّقِ، لأَنَّهُ وَاسِعٌ الْبَابُ وَرَحْبٌ الطَّرِيقُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْهَلاَكِ، وَكَثِيرُونَ هُمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ مِنْهُ! مَا أَضْيَقَ الْبَابَ وَأَكْرَبَ الطَّرِيقَ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْحَيَاةِ، وَقَلِيلُونَ هُمُ الَّذِينَ يَجِدُونَهُ!» (متى7: 13، 14). سنأخذ من هذا التحريض البابين فقط، ونؤجِّل الكلام عن الطريق لمقال آخر.
الباب الضيق: ضيِّق لأنه لا يسمح لك بالدخول بشيء. فإن أردت الدخول، عليك أن تتخلي عن الشلة والشيلة. فما أعسر دخول ذوي المعاشرات الردية، وما أعسر دخول ذوي الأموال، وما أعسر دخول ذوي الشهوات، وما أعسر دخول المتدينين ذوي الفرائض والطقوس. فإن أردت الدخول؛ فاطرح الكل خارج الباب، لأنه ضيق، للدرجة التي قد تحتاج معها أن تقلع عينك وتلقها عنك إن كانت تعثرك! إن الأمر يحتاج إلى إجتهاد «اجْتَهِدُوا أَنْ تَدْخُلُوا مِنَ الْبَابِ الضَّيِّقِ، فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَطْلُبُونَ أَنْ يَدْخُلُوا وَلاَ يَقْدِرُونَ» (لوقا13: 24).
إن دخل.. ادخلوا: فلا إجبار ولا تهديد ولا وعيد لمن لا يدخل. بل بشارة ومواعيد، فقط تحريض وتشجيع.
يدخل ويخرج وهنا نري:
* إن من يدخل يصير حرًا، فلا خوف، ولا قيود عليه إذ تحرَّر من الخطية ومن ناموس الطقوس والفرائض، يدخل ويقول «الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا» (2كورنثوس5: 17).
* يدخل فيجد مرعى ليأكل ويشبع، ثم يخرج ليقود الآخرين ليشبعوا من نفس النبع.
* ونري أيضًا أنه قد صار ناضجًا ولا يحتاج للقول «أَنَا فَتىً صَغِيرٌ لاَ أَعْلَمُ الْخُرُوجَ وَالدُّخُولَ» (1ملوك3: 7)، بل يكون رجلاً يدخل ويخرج أمام الآخرين ليقودهم ويرشدهم «رَجُلاً عَلَى الْجَمَاعَةِ، يَخْرُجُ أَمَامَهُمْ وَيَدْخُلُ أَمَامَهُمْ وَيُخْرِجُهُمْ وَيُدْخِلُهُمْ» (عدد27: 16، 17).
باب واسع: إن لم يعجبك هذا الباب لأنه ضيّق وكرِب، ويحرمك من أشياء كثيرة. فالشيطان جهَّز لك بابًا واسعًا وطريقًا رحبًا لا يحرمك من أي شيء أو أي شخص معك. فالباب يسعك أنت وشلتك وشيلتك. فلا حرمان من العلاقات أو الشهوات أو العادات أو الرغبات. فالبواب يقول لك عيش حياتك وافرح بشبابك ولا مانع من بعض الطقوس الدينية التي تسكن بها ضميرك عملا بالقول “ساعة لربك”. ولكن إليك هذا التحذير «اِفْرَحْ أَيُّهَا الشَّابُّ في حَدَاثَتِكَ، وَلْيَسُرَّكَ قَلْبُكَ فِي أَيَّامِ شَبَابِكَ، وَاسْلُكْ فِي طُرُقِ قَلْبِكَ وَبِمَرْأَى عَيْنَيْكَ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ عَلَى هذِهِ الأُمُورِ كُلِّهَا يَأْتِي بِكَ اللهُ إِلَي الدَّيْنُونَةِ» (جامعة11: 9).
باب واحد للبيت: إن دخلت منه فأنت في حمى الدم المرشوش عليه، والرب - كالقاضي والديان - سيعبُر عنك ولا يدع المهلك يدخل (خروج12).
باب واحد للخيمة: وما أسهل الدخول منه لأنه كان مصنوع من القماش.
باب واحد للفُلك: ولا نجاة من الطوفان إلا بالدخول منه حتى وإن رفضه الكثيرين.
باب واحد لمكان العرس: ومن لا يدخل سيغلق في وجهه، وعندها سيأتي ويصرخ “يا سيد افتح لنا”، وآخرون يصرخون “باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة”. ويا للحسرة، فالكل سيسمع “ابعدوا عني، لا أعرفكم”.
باب واحد: وان دخلت من مكان آخر - شخص أو دين - فستُعامَل معاملة السارق واللص.
باب واحد: وان لم تصدِّق، مع أنك عند الباب وقريب منه، وترى الكثيرين يدخلون لأنهم صدّقوا وآمنوا، فسيكون مصيرك كذاك الذي لم يصدِّق فوقف ينظر الناس وهي تعبر الباب وتشبع بعطايا الله، ثم داسه الشعب في الباب ومات (2ملوك7).
صديقي: الرب واقف الآن على الباب ويقرع، ليتك تقوم وتفتح له ليدخل قلبك ويتعشي معك وأنت معه.