المطوبة مريم تواظب على الصلاة
كانت المطوبة مريم واقفة عند صليب الرب يسوع حتى سمعت من فمه هذه العبارة: «يَا امْرَأَةُ، هُوَذَا ابْنُكِ» (يوحنا19: 26). فأخذها يوحنا الحبيب إلى بيته ليهتم بها كأمه، وبذلك فالأرجح أنها لم تشاهد لحظة موت المسيح - عندما نكس الرأس وأسلم الروح - ولا إنزاله من على الصليب، ثم تكفينه ودفنه في قبر يوسف الذي من الرامة، الذي كان قد نحته في الصخر، ولا نجدها عند القبر في صباح يوم القيامة.
ونظرًا لأنها كانت مرافقة ليوحنا الحبيب وبقية التلاميذ، فبالتأكيد رأت الرب يسوع بعد قيامته مع التلاميذ: «اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيَتَكَلَّمُ عَنِ الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ» (أعمال1: 3).
أوصى الرب تلاميذه قبل صعوده إلى السماء أن «يُقِيمُوا فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْ يُلْبَسُوا قُوَّةً مِنَ الأَعَالِي» (لوقا24: 49)، حيث كانوا ينتظرون موعد الآب أي الروح القدس، لذلك بعد صعوده إلى السماء، «رَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ مِنَ الْجَبَلِ الَّذِي يُدْعَى جَبَلَ الزَّيْتُونِ... وَلَمَّا دَخَلُوا صَعِدُوا إِلَى الْعِلِّيَّةِ الَّتِي كَانُوا يُقِيمُونَ فِيهَا... هؤُلاَءِ كُلُّهُمْ كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّلاَةِ وَالطِّلْبَةِ، مَعَ النِّسَاءِ، وَمَرْيَمَ أُمِّ يَسُوعَ، وَمَعَ إِخْوَتِهِ» (أعمال1: 12–14).
إجتماع صلاة رائع من مجموعة مختلطة من الرجال والنساء، رُسل المسيح وأشخاص عاديون، إخوة الرب وأم يسوع، حيث كانوا يشعرون بضعفهم وحاجتهم للإتكال على الله، ليستمدوا المعونه منه.
استمروا يُصلون معًا بمواظبة، ويقيمون معًا، حتى يوم الخمسين – يوم نزول الروح القدس من السماء، لقد خصَّصوا وقتًا هامًا من اليوم لاجتماع الصلاة هذا، حيث كانت صلواتهم بحرارة ولجاجة، وأيضًا يتشجعون من الوجود معًا، ويفرحون معًا بالرب.
صعدوا إلى العلية: تعبير جميل، لكي نصلي نحتاج نحن أيضًا أن نصعد لأعلى، أي نترك مشاغل الحياة وإرتباكاتها ونختلي بالرب فقط، قال الرب يسوع: «وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً» (متى6:6).
العُلِّيَّةِ الَّتِي كَانُوا يُقِيمُونَ فِيهَا: العُلية مكان متسع في الطابق العلوي، وعلى الأرجح هي التي إجتمع فيها الرب مع تلاميذه في الليلة التي أُسلم فيها، وصنع فيها عشاء الفصح الأخير، ثم عشاء الرب قبل ذهابه للصليب مباشرة (لوقا22: 12)، وهى التي ظهر فيها الرب لهم بعد قيامته من الأموات (يوحنا20: 19).
إخوة الرب هم: يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا (متى13: 55)، وهم لم يؤمنوا به أثناء حياته (يوحنا7: 5)، لكنهم آمنوا بعد قيامته من الأموات، وظهر الرب بعد قيامته ليعقوب (1كو15: 7).
كانت النساء في إجتماع الصلاة، ولم تذُكر أسمائهن، ولكن الوحيدة التي ذُكرت بالاسم هي مريم أم يسوع، وهي المرة الوحيدة والأخيرة التي ذُكرت في الكتاب بعد صعود الرب إلى السماء، ولم يأتِ ذِكر المطوَّبة مريم في رسائل العهد الجديد، لكن أُشير إليها تلميحًا في غلاطية4:4.
وعلى الأرجح أن النساء اللواتي كُنّ في هذا الإحتماع هم: مريم المجدلية، مريم زوجة كلوبا، مريم أخت لعازر، مرثا، سالومة، يونَا، سوسنة، بعض زوجات الرسل (1كورنثوس9: 5).
إن كان الرسل وإخوة الرب والنساء وأم يسوع يُواظبون على الصلاة بنفس واحدة، قبل مجيء الروح القدس من السماء، فكم بالحري نحتاج نحن للصلاة كثيرًا قبل مجيء الرب يسوع من السماء لإختطافنا، «وَإِنَّمَا نِهَايَةُ كُلِّ شَيْءٍ قَدِ اقْتَرَبَتْ، فَتَعَقَّلُوا وَاصْحُوا لِلصَّلَوَاتِ» (1بطرس4: 7).
كانوا يُصلون لعدة أسباب:
أولاً: وجود خطر عليهم من اليهود الأشرار، حيث هم قلة قليلة وسط أغلبية يهودية ترفض المسيح.
ثانيًا: تهيئة قلوبهم لإستقبال عطية الروح القدس.
ثالثًا: هناك عمل هم مكلَّفون به من الرب وهو إرساليتهم للكرازة بالإنجيل للعالم أجمع (مرقس16: 15).
رابعًا: أوصاهم الرب كثيرا بضرورة الصلاة (متى7: 7؛ 26: 41؛ لوقا18: 1).
كانت المطوبة مريم مثلهم تشعر بحاجتها للصلاة، وتنتظر معهم عطية الروح القدس، كانت إناءً مختارًا لولادة المسيح في العالم، وأصبحت بعد ذلك من أتباعه وتلاميذه المتضعين.
كانوا يُصلون بنفس واحدة، إعلان عن وحدتهم معًا، وتكرَّرت عبارة «بنفس واحدة» في سفر أعمال الرسل 7 مرات بالإرتباط بالمؤمنين (أعمال1: 14؛ 2: 1، 46؛ 4: 24؛ 5: 12؛ 8: 6؛ 15: 25)، وهذا يأتي عندما يكون لنا قلب واحد على أمور الله، ونستبعد أي أمور شخصية أو جسدية، «مُجْتَهِدِينَ أَنْ تَحْفَظُوا وَحْدَانِيَّةَ الرُّوحِ بِرِبَاطِ السَّلاَمِ» (أفسس4: 3).
نلاحظ أن الرب صلى كثيرًا قبل إختيار الرسل وإرسالهم (لوقا6: 12؛ يوحنا17: 9، 15)، أما الآن فهم يقضون أوقاتًا في الصلاة من أجل أنفسهم.
ليعطنا الرب جميعًا أن نكون رجال صلاة، ونواظب عليها، لأن الصلاة مفتاح البركة لأي عمل روحي، ونثق أن إلهنا يسمع صلواتنا، ويستجيب، وأن نكون دائمًا بنفس واحدة، ومشاعر واحدة، وفكرًا واحدًا.