اللعبة التي قتلت الأبنودي
في تصريحه الأخير وقبيل وفاته، قال شاعر مصر الجميل، عبد الرحمن الأبنودي، لمذيعة أحد البرامج، بعد أن رفع ماسك (قناع) الأكسجبن من على وجهه: “أنا أحدِّثك الآن بدون رئة؛ لقد أضعت عمري بسبب لعبة قذرة اسمها التدخين”. واستطرد الشاعر صاحب الكلمة السهلة والمعبِّرة، نادمًا على ما فات، ومحذّرًا غيره مما هو آتٍ. تعاطفت مع الأبنودي وتألمت عليه، وما كنت أتصور أن شاعرًا كبيرًا مثله، له من المعجبين الملايين، تهزمه لفافة لا يتجاوز طولها بضعة سنتيمترات وهو الصعيدي القوي المفتول العضلات. فالحياة النضرة الجميلة يمكن أن تتحطم بسبب أشياء تبدو في شكلها جذابة وأنيقة. ويحذِّرنا الكتاب المقدس العظيم من ألعاب، أو قُل خطايا مُدمرة، لا تفقدنا رئاتنا وصدورنا فقط، بل أبديتنا أيضًا. ومن هذه الألعاب المميتة:
1. الشراهة
إنها فلسفة الغني الغبي: «أهدم مخازني وأبني أعظم، وأجمع هناك... غلاتي وخيراتي، وأقول لنفسي: يا نفس لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة استريحي وكُلي واشربي وافرحي» (لوقا12: 18). إنها فلسفة: «نأكل ونشرب لأننا غدًا نموت»، فتسمع صاحبها يقول لك: “انك ستعيش مرة واحدة فاستمتع بأقصى ما تستطيع”. إن الشراهة ليست في الأكل وفي الشرب فقط، بل في التدخين والمكيفات وفي الفيسبوك والنت والنجاسات؛ فالشراهة هي خُلاصة الأنانية وحب الذات، يقول الكتاب: «ويل للمضطجعين على أسِّرة من العاج، المتمددين على فرشهم، والآكلين خرافًا من الغنم وعجولاً من وسط الصيرة... الشاربين من كؤوس الخمر، والذين يدهنون بأفضل الأدهان» (عاموس6: 4).
2. النجاسة
إنها الخطية التي دمرت الأسر وفككت الأمم، هي التي ملأت ساحات المحاكم، وشردت الآلاف من الأطفال الأبرياء، وحطمت آمال ومستقبل الشباب. سِل شمشون ما الذي أفقدك نظرك؟ وسلب قوتك؟ وأضاع هيبتك وكرامتك؟ إنها خطية النجاسة التي طرحت كثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء، يقول الكتاب: «أما الزاني بامرأة فعديم العقل، المهلك نفسه هو يفعله، ضربًا وخزيًا يجد، وعاره لا يُمحى» (أمثال6: 32-33). هذه الخطية تترك بصماتها على صاحبها من نظرات حائرة، وأعصاب مهتزة، وحزن عميق. وما أكثر الذين سيطرت عليهم وقيَّدتهم ولم يستطيعوا الفكاك منها لأن «من يعمل الخطية هو عبد للخطية» (يوحنا8: 34).
3. تشامخ الروح
إنها أُم الخطايا لأنه «قبل السقوط تشامخ الروح»، بل «مكرهة الرب كل متشامخ القلب» (أمثال16: 5، 18). ونحن لا نقصد احترام الذات أو الإحساس بالكرامة، بل الذات البغيضة والتصلُّف الممقوت، والعُجب والعجرفة واحتقار الآخرين، ويظهر ذلك من خلال النظرات والكلمات. قد تجدهم في الكنائس يصلون مع الفريسي قائلين: «اللهم أنا أشكرك إني لست مثل باقي الناس» (لوقا18: 11)، ودائمًا يبرِّرون أنفسهم، ويجولون هنا وهتاك يحاولون أن يخرجوا القذى من عيون الناس بينما أطنان من الأخشاب في عيونهم. هناك من يفتخرون بعلمهم ومن يفتخرون بعائلاتهم وبثرواتهم وغناهم. إنها خطية العيون المتعالية التي يبغضها الرب.
4. الغضب
لقد غضب بطرس، فأمسك السيف وقطع به إذن ملخس، ولولا تدخل الرب، لتورَّط بطرس. لقد ضاعت شهادته وقتها، وهكذا يحدث مع كثيرين منا تضيع شهادتهم بسبب الغضب الجسدي، فكم من الأشخاص المحبوبين الجذابين الذين نحبهم ونميل إليهم، حتى تنتابهم نوبة من نوبات الغضب، فيتحولون بعدها إلى مخلوقات أخرى، غير التي نعرفها، فقدت عقلها ولطفها وحكمتها. يقولون: إن الغضب أبو القتل، لقد غضب قايين واغتاظ ثم قتل أخيه؛ لذلك يقول الكتاب: «البطيء الغضب خير من الجبار، ومالك روحه خير ممن يأخذ مدينة» (أمثال16: 32). فالغضب هو واحد من أكثر الخطايا تدميرًا وتخريبًا.
5. الحسد
الغيرة هي أن ترى خير القريب وتتمنى نواله، بينما الحسد هو أن ترى خيره وتتمنى زواله. لذلك يقول الكتاب: «لا نكن معجبين نغاضب بعضنا بعضًا، ونحسد بعضنا بعضًا» (غلاطية5: 26)، «لأنه حيث الغيرة والتحزب هناك التشويش وكل أمر رديء» (يعقوب3: 16). إنها الخطية التي تسبَّبت في موت المسيح، فكان الفريسيون والصدوقيون يحسدون المسيح على شعبيته ومحبة الناس له وحديثهم عنه وعن أقواله وأحاديثه العذبة لذلك «أسلموه حسدًا» (مرقس15: 10). فالحسد والغيرة يمكنهما تدمير البيوت وتشويه سمعة الشرفاء، وخراب الكنائس، وارتكاب الجرائم.
6. محبة المال
إن محبة المال هي أصل كل الشرور، فما الذي يدفع إلى الغش والسرقة والقتل سوى هذا الميكروب المدمِّر: محبة المال. إنها تقود إلى الطمع. فلماذا قتل آخاب نابوت اليزرعيلي؟ ولماذا مضى يهوذا وشنق نفسه؟ ولماذا سمع الغني القول النهائي: «يا غبي في هذه الليلة تُطلب نفسك منك» (لوقا12: 20)؟ إنها لعبة قذرة اسمها الطمع ومحبة المال، لقد امتلأ العالم بالطماعين ولا فرق في ذلك بين صغير أو كبير، رجل أو امرأة، «لأنهم من صغيرهم إلى كبيرهم، كل واحد مولع بالربح» (إرميا6: 13). «مملوئين من كل إثم، وزنا، وشر، وطمع» (رومية1: 29). تشكو الزوجات غياب الأزواج وعدم تواجدهم في البيوت، بل وخلت الكنائس من العُبَّاد؛ كل ذلك بسبب البحث عن المادة وجمع أكبر قدر من المال، ولكن ماذا تفيد الجيوب الممتلئة إذا كانت قلوب أصحابها خاوية.
7. الكسل
التدخين لعبة مميتة، لكن هل الكسل أيضًا كذلك؟ يقول الكتاب: «شهوة الكسلان تقتله، لأن يديه تأبيان الشغل» (أمثال21: 25). الكسل في أحد القواميس معناه “الرخاوة والتسكع”؛ فالكسول كالقارب الذي يدفعه التيار من أعلي إلى أسفل في اتجاه الرياح، هكذا النفس المدفوعة بالكسل تهوي سريعًا لا محالة إلى الأبدية التعيسة. إننا في مصر نعاني من نتائج الكسل في الآلاف الذين يموتون على الطرق في الحوادث ليس بسبب قلة كفاءة ومهارة السائقين بل لأنهم ناموا وهم يقودون، إننا هنا نعلي الصوت إلى أقصاه ونصرخ في آذان كسول: «استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضيء لك المسيح» (أفسس5: 14).
لم يستطع شاعرنا الرقيق التحرر من آفة التدخين، بل ومات بسببها؛ فلماذا يا صديقي تموت أنت أيضًا دون أن تتحرر من هذه اللعبة القذرة أو غيرها؟ إن المسيح هو المحرر الوحيد الذي دفع بدمه ثمن التحرير من الخطية والخطايا القاتلة، وإن كانت ضاعت فرصة التحرير من كثيرين فها الفرصة أمامك اليوم فلا تهدرها!!