الفعل “روِّض” الذي ورد في وصية بولس إلى تيموثاوس «روض نفسك للتقوى» (1تيموثاوس4: 7) يأتي باللغة اليونانية “γυμνάζω” وتُنطق “جومنازو”. وهو فعل ينصرف على النشاط الرياضي في المقام الأول، وهو أصل كلمة “ جيم gym أو جيمنازيوم gymnasium” في اللغة الإنجليزية. الفعل يصف الرياضي وهو يقوم بتدريبات شاقة ومنتظمة كل يوم من أجل تحقيق هدف عظيم يسعى إليه.
المؤرخ اليهودي “يوسيفوس” وصف جنود الرومان وهم يقومون بالتدريبات اليومية بكل مواظبة وجدية مستخدمًا ذات الفعل لدرجة أن من يسمع كلمة “جومنازو” - في القرن الأول الميلادي - ترتسم في مخيلته صورة جندي أو مصارع ويقوم بتمارين شاقة يبذل فيها أقصى جهده، كأنه في حالة تأهب للنزول الى ميدان حرب. كلمة “جومنازو” أيضًا تعني أداء التمارين بمستوى عالي من الكفاءة وفقًا للمعايير والمقاييس الخاصة بها في الأداء وليس مُجرد بذل الجهد بمواظبة والتزام.
المشابهة بين الرياضة الجسدية وتدريبات التقوى
ومعنى الفعل “روض” يوضِّح لنا مقارنة بولس للتقوى بالرياضة الجسدية من حيث مدى ومجال المنفعة؛ فكل من يقرأ هذا الفعل باللغة الأصلية قد يظن للوهلة الأولى أنه يتكلم عن تمارين الرياضة البدنية. هذه ليست المرة الأولى التي فيها يشبه المؤمن بالرياضي إذ يكتب بولس للكورنثيين «أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ يَرْكُضُونَ فِي الْمَيْدَانِ جَمِيعُهُمْ يَرْكُضُونَ، وَلكِنَّ وَاحِدًا يَأْخُذُ الْجَعَالَةَ؟ هكَذَا ارْكُضُوا لِكَيْ تَنَالُوا... وَكُلُّ مَنْ يُجَاهِدُ يَضْبُطُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. أَمَّا أُولئِكَ فَلِكَيْ يَأْخُذُوا إِكْلِيلاً يَفْنَى، وَأَمَّا نَحْنُ فَإِكْلِيلاً لاَ يَفْنَى» (1كورنثوس9: 24، 25). فالمؤمن يحتاج إلى تدريبات وتمارين لتقوية كيانه الروحي الداخلي. الاجتهاد في ممارسة الرياضة الروحية يحفظنا ناهضين وساهرين ومثمرين، ويجعلنا نرفض حالة البلادة والفتور الروحي. ربما تكون حريصًا على ممارسة الرياضة الجسدية، وهذا أمر جيد ومؤشِّر للقدرة على ضبط النفس والمثابرة والاجتهاد، وله منافعه الصحية والنفسية؛ لكن ضع في اعتبارك أن ممارسة تدريبات التقوى بذات الاجتهاد والمواظبة ستعود بنفع أعم وأعمق إذ لها بركات كثيرة في الحياة الحاضرة ولها مكافآت أبدية. رياضة الأبدان نفعها قليل، أما تقوى الإيمان فنفعها جزيل.
مثال للتمارين الروحية من “مركز تدريب الأتقياء”
«كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ، اللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ، لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ، هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ. وَلِهذَا عَيْنِهِ وَأَنْتُمْ بَاذِلُونَ كُلَّ اجْتِهَادٍ قَدِّمُوا فِي إِيمَانِكُمْ فَضِيلَةً، وَفِي الْفَضِيلَةِ مَعْرِفَةً، وَفِي الْمَعْرِفَةِ تَعَفُّفًا، وَفِي التَّعَفُّفِ صَبْرًا، وَفِي الصَّبْرِ تَقْوَى، وَفِي التَّقْوَى مَوَدَّةً أَخَوِيَّةً، وَفِي الْمَوَدَّةِ الأَخَوِيَّةِ مَحَبَّةً» (2بطرس1: 3-5).
قبل أن يذكر لنا التدريب الروحي الذي يحتوي على سبع ممارسات مباركة يقدِّم الكتاب لنا مصادر المعونة والقوة التي تضمن لنا كيفية أداء هذه التمارين بكفاءة ومواظبة. فقدرة الله عظيمة وكافية لنا جدًا ومن يشعر بضعفه عليه أن يطلب المعونة من الله، ومعنى «وهبت لنا»: أي رصدت لحسابنا كل ما هو كافٍ لأن يعيننا من أجل إظهار حياة المسيح فينا.
ولهذا عينه وأنتم باذلون كل اجتهاد قدِّموا في إيمانكم:
1. فضيلة: الشجاعة المقدسة المتحمِّسة للإثمار وإظهار حياة المسيح، وتعني أيضًا الغيرة على الوقوف في صف الرب والرغبة في عمل ما يرضيه مهما كلف الأمر.
2. معرفة: الاستنارة بكلمة الله التي تقودنا إلى النمو في معرفة الرب. كي نعرف الرب معرفة جيدة علينا أن نواظب على قراءة كلمة الله والتغذي عليها بصورة يومية. التمرين السابق “تقديم الفضيلة” سيحفِّزك أن تتعرف أكثر على طبيعة وصفات الرب؛ فيزداد تقديرك وتكريسك له.
3. تعفف: ما أحوجنا كشباب إلى هذا التمرين الذي يعني ضبط النفس في كل شيء (النظر والكلام والمشاعر والتصرفات... الخ) من أجل حياة القداسة التي بدونها لن نرى الرب. خاصة أن مفهوم الحرية الشخصية عند الإنسان الطبيعي هو أن يطلق العنان لرغباته ليفعل ما يشاء وقتما شاء. لكن الشاب المؤمن الذي وجد معرفة الله، يتعلم أن يضبط نفسه في كل شيء.
4. صبر: الإنسان بطبيعته يتعجَّل الأمور ويرغب في الحلول السريعة؛ لكننا نحتاج إلى الصبر الذي يعني انتظار الرب بثقة والقدرة على احتمال المشقات والضيقات والتجارب من أجل الرب. وبالصبر نثمر، كما أننا نعطي الرب فرصته كي يشكل ويغير فينا ويقوِّم سبلنا.
5. تقوى: وهي مخافة الرب في السر والعلن في كل وقت وكل مكان. لنذكِّر أنفسنا باستمرار أن عينا الرب تلاحظان طرقنا وتريان حتى سرائر القلوب. ونتيجة لما سبق ذكره حيث الفضيلة تدفعنا لنعرف الرب أكثر، فنتعفف له، ونصبر من أجله؛ فتتجدد فينا الرغبة في عمل ما يرضيه بطيب خاطر ومحبة ممتزجة بالمهابة والخشوع.
6. مودة أخوية: إظهار المحبة العملية للمؤمنين والاهتمام بأن تكون لك شركة حقيقية مع إخوتك. ما يضمن عدم تغيُّر محبتك لهم - مهما كانت حالتهم - هو أن تراهم بعين الرب، وتعرف مدى محبة الرب لهم. الرب ركَّز على أن إظهارها هو برهان الحياة الجديدة، وهي التي تحفظ وحدة الكنيسة ونموها؛ لذلك لا غرابة أن الشيطان يستهدف هدمها وتشويهها.
7. محبة: المحبة الباذلة الكاملة لكل الناس، وليس للأحباء والمقرَّبين فقط. هذه المحبة تُضرم من صليب المسيح الذي فيه ظهر الحب الكامل والباذل من أجل الجميع، بما فيهم الخطاة القساة والمجرمين الآثمين.
عزيزي الشاب، ربما تشعر بالهزال والضعف وأنك في حاجة شديدة إلى ممارسة أحد التمارين السابقة على وجه الخصوص لأنك تفتقد نتائجه المباركة. لكن الأمر المطمئن أن كل هذه التدريبات لها تأثير متبادل على بعضها البعض فالواحد منها يقوِّي ويدعم الآخر.