«أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي» (يوحنا14: 6).
تكلمنا في العدد السابق عن البداية – أعني الباب – والمسيحية هي بداية جديدة وتاريخ جديد وميلاد جديد، وليست ديانة أو عقائد موروثة. ومن يريد الوصول إلى الله وامتلاك الحياة الأبدية عليه أن يدخل بالإيمان بالمسيح. ثم بعد الباب نجد الطريق الذي نسير فيه. الذي هو المسيح أيضًا. وفي قول الرب هنا نجد الإجابة على السؤال القديم الجديد. فقديما سأل أيوب «أَيْنَ الطَّرِيقُ إِلَى حَيْثُ يَسْكُنُ النُّورُ؟» (أيوب38: 19). وسأل توما الرب يسوع «كيف نقدر أن نعرف الطريق؟» (يوحنا14: 5). وكما أشرنا، ولأنه يوجد بابان، يوجد أيضًا طريقان كقول الرب «اُدْخُلُوا مِنَ الْبَاب الضَّيِّقِ، لأَنَّهُ وَاسِعٌ الْبَابُ وَرَحْبٌ الطَّرِيقُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْهَلاَكِ، وَكَثِيرُونَ هُمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ مِنْهُ! مَا أَضْيَقَ الْبَابَ وَأَكْرَبَ الطَّرِيقَ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْحَيَاةِ، وَقَلِيلُونَ هُمُ الَّذِينَ يَجِدُونَهُ! (متى7: 13، 14). وهنا نرى طريقين:
طريق رحب
واسع ومريح، يسع الإنسان بآرائه الكثيرة ويتجاوز عما معه من أحمال وصداقات ومعتقدات. فالكل مباح، ولك أن تفعل ما يحسن في عينيك طالما أنك لا تؤذي غيرك. ويكفي ممارسة بعض الشعائر والطقوس الدينية. وهذا الطريق يرتاده الكثيرين. فلا تنخدع عزيزي القارئ وتسير معهم عملا بالمقولة “معقول كل الناس دي غلط؟” لأن الكتاب يعلِّمنا أن الكثيرون ليس دائمًا على حق. فمثلاً أيام نوح: كم عدد من دخلوا الفلك وعدد من ظلوا خارج الباب؟ وأيام الرب يسوع: كم عدد الذين اتبعوه وعدد الذين صرخوا: «اصلبه»؟
طريق كرب
مطلوب ممن يسير فيه التخلي عن كل شيء كان يتعلق به قبل الدخول من الباب، حتى الأعمال الصالحة والنابعة من الجسد والتي قال عنها النبي «كل أعمال برنا كثوب عدة» (إش64: 6). بل ويكلِّف أحيانا التخلي عن أصدقاء وأقرباء لا يسيرون نفس الطريق. طريق تسير فيه بإرادة خاضعة لمشيئة الله.
أنا هو الطريق
نلاحظ أن الرب يسوع لم يقل: أعلمكم الطريق، أو أصف لكم الطريق، أو أعطيكم خارطة الطريق؛ بل يعلن أنه هو الطريق. فالإنسان شرير، والله قدوس، وكيف للنجاسة أن تلتقي بالقداسة؟ فبسبب الخطية، طُرد آدم من الجنة وأقام الله لهيب سيف متقلب يحرس طريق شجرة الحياة. فكيف للإنسان الميت بالذنوب والخطايا، والذي أخذ جانب العداء من الله، أن يعود إلى الله ويتصالح معه؟ لقد جاء المسيح الذي تنبأ عنه النبي إشعياء «وَتَكُونُ هُنَاكَ سِكَّةٌ وَطَرِيقٌ يُقَالُ لَهَا: “الطَّرِيقُ الْمُقَدَّسَةُ”. لاَ يَعْبُرُ فِيهَا نَجِسٌ، بَلْ هِيَ لَهُمْ. مَنْ سَلَكَ فِي الطَّرِيقِ حَتَّى الْجُهَّالُ، لاَ يَضِلُّ» (إشعياء35: 8). وبعد الدخول المسيح نفسه يعلِّمنا ويرشدنا كيف نسلك فيه.
طريق حديث حي
«طريقًا كرسه لنا حديثًا حيًا بالحجاب أي جسده» (عبرانيين10: 20). كان الطريق قديمًا هو شريعة وطقوس وفرائض إذا سلك فيها الإنسان يتمتع بالحياة الأرضية وخيراتها. ولكن بموت المسيح على الصليب انشقَّ الحجاب الذي كان يفصل بين الإنسان والله وتم افتتاح الطريق الحديث والحي المرتبط بالمسيح الحي إلى الأبد.
الطريق والحق
بالمقابلة بالباطل والضلال، جاء المسيح، ليس فقط بالحق، ويعلم طريق الله بالحق، بل هو الحق ذاته «وَنَعْلَمُ أَنَّ ابْنَ اللهِ قَدْ جَاءَ وَأَعْطَانَا بَصِيرَةً لِنَعْرِفَ الْحَقَّ. وَنَحْنُ فِي الْحَقِّ فِي ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. هذَا هُوَ الإِلهُ الْحَقُّ وَالْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (1يوحنا5: 20). إنه الحق في كلامه «كلامك هو حق»، والحق في سلطانه «والحق يحرركم». فأمامنا ليس حقائق للعقل بل حق يغير القلب والحياة.
الطريق والحق والحياة
نلاحظ أن الرب لم يقُل: أقيم الموتى - مع أنه أقامهم – ولا قال: أعطى الحياة - مع أنه أعطاها للكثيرين - بل يعلن هنا أنه هو الحياة. وعندما أقام الموتى، بل وقام هو من الموت، ظهر صدق هذه الكلمة “الحياة” فهو «فيه كانت الحياة» (يوحنا1: 4) وله القدرة أن يعطيها ويضمنها.
طرق الموت
«تُوجَدُ طَرِيقٌ تَظْهَرُ لِلإِنْسَانِ مُسْتَقِيمَةً، وَعَاقِبَتُهَا طُرُقُ الْمَوْتِ» (أمثال14: 12). هكذا كتب الحكيم، فلا تنخدع عزيزي القارئ بالشكل العام للطريق، أو السائرين فيه، «يَا ابْنِي، لاَ تَسْلُكْ فِي الطَّرِيقِ مَعَهُمْ. اِمْنَعْ رِجْلَكَ عَنْ مَسَالِكِهِمْ» (أمثال1: 15). ليتك تقرِّر مصيرك بنفسك حتى لا تفاجأ بالموت والهلاك. فكل الطرق الآن أمامك فأيها تختار؟
أخيرًا:
المسيح
هو الطريق الذي يصل بك إلى الله
وكل طريق غيره هو الضلال بعينه.
وهو الحق الذي يصل لنا بكلام الله وكل ما غيره باطل.
وهو الحياة الأبدية وكل ما عداه الموت،
فهل تقبله؟!!