من مدينة مجدل - في مقاطعة الجليل – شمال إسرائيل، كان بها سبعة شياطين (مرقس16: 9؛ لوقا8: 2)، وعندما تقابلت مع الرب يسوع، أخرج منها الشياطين السبعة، فتغيرت حياتها، وأصبحت من أكثر من أحبوا الرب وتعلقوا به. كانت شخصية مؤثرة، ذات عزيمة وإصرار، شجاعة ونشيطة، وقد ذُكرت في الأناجيل الأربعة 14 مرة.
تنقسم حياة مريم المجدلية إلى قسمين: قبل لقائها مع الرب يسوع، وبعد لقائها بالمسيح.
قبل لقائها مع الرب يسوع كانت تعيش لنفسها، ولشهواتها، لم تكن تهتم بأمور الله فكانت حياتها بلا هدف، وبالتالي بلا قيمة، فشعرت بالفراغ والعطش الروحي، لأن «كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضًا» (يوحنا4: 13). وكانت أيضًا متألمة من الشياطين السبعة الساكنة فيها، فكانت مُعذّبة، مُستعبدة، مُقيدة.
على الأرجح سمعت مريم المجدلية عن الرب يسوع، الذي يخلِّص من سيادة الخطية، ويشفي من الأمراض، ويحرّر من سلطان الشيطان؛ فذهبت إليه عندما جاء إلى مدينة مجدل (متى15: 39)، فحررها من الشياطين السبعة، وشفاها من أمراضها، ونالت الراحة والسعادة والفرح، وشعرت بفضله العظيم عليها، وأنها مديونة له لكي تعيش له بقية أيامها، فأحبته من قلبها، وانجذبت لشخصه القدوس؛ لذلك:
1. تبعته
كان الرب يسوع «يَسِيرُ فِي مَدِينَةٍ وَقَرْيَةٍ يَكْرِزُ وَيُبَشِّرُ بِمَلَكُوتِ اللهِ، وَمَعَهُ الاثْنَا عَشَرَ. وَبَعْضُ النِّسَاءِ كُنَّ قَدْ شُفِينَ مِنْ أَرْوَاحٍ شِرِّيرَةٍ وَأَمْرَاضٍ: مَرْيَمُ الَّتِي تُدْعَى الْمَجْدَلِيَّةَ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا سَبْعَةُ شَيَاطِينَ» (لوقا8: 1، 2). كان السفر شاقًا، والخدمة مُجهِدة، ومريم المجدلية لأنها كانت تريد أن ترافق الرب في كل مكان يذهب إليه تحملت مشقة السفر مع الرب، وإجهاد الخدمة، وبذلك سمعت أقواله المباركة، ورأت آياته العظيمة، وتمتعت بجلسته المشبعة.
إن تبعية مريم المجدلية للرب يسوع كانت إعلانًا عن قوته المحررة، وسلطانه على الأرواح الشريرة، وثمار خدمته التاعبة، وتأثير جاذبيته للنفوس.
2. خدمته من أموالها
كانت مريم المجدلية تحب الرب، لذلك أعطت نفسها له، وبالتالي أموالها لخدمة الرب. وعلى الأرجح أنها كانت من الأثرياء لأنها تُذكر مع يُوَنَّا امْرَأَةُ خُوزِي وَكِيلِ هِيرُودُسَ، وهي أيضًا سيدة غنية (لوقا8: 2، 3). ليس فقط قدمت أموالها، لكن كانت أيضًا تخدمه من هذا المال؛ أي تبحث عن إحتياجاته الزمنية وتُحضرها له بمشاعر مقدسة وإخلاص حقيقي، وهذه هي المحبة التاعبة.
3. وقفت عند الصليب
عندما حمل الرب يسوع الصليب سائرًا به إلى الجلجثة «تَبِعَهُ جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الشَّعْبِ، وَالنِّسَاءِ اللَّوَاتِي كُنَّ يَلْطِمْنَ أَيْضًا وَيَنُحْنَ عَلَيْهِ» (لوقا23: 27)، لكن يُسجل الروح القدس أربعة من النساء اللواتي ظللن واقفات عند الصليب بثبات وشجاعة، إعلانًا عن تبعيته بالرغم من رفض الكثيرين له، دون خوف من بطش العسكر، أو استهزاء المستهزئين، وهم: أمه، وأخت أمه، مريم زوجة كلوبا، ومريم المجدلية (يوحنا19: 25).
رأت مريم المجدلية سيدها وهو يُهان، حاملاً الصليب والشوك على رأسه، ثم رأته وهو يُعلَّق على الصليب والمسامير في يديه ورجليه، والدماء تنزف منهم، تألمت كثيرًا، وهى عاجزة عن فعل أي شيء، متعجبة في نفسها مما يحدث ولا تفهم السبب: كيف وهو البار القدوس يُعلق على الصليب كمذنب وسط اثنين من المذنبين، كيف الذي جال يصنع خيرًا ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس يُفعل به هكذا. لكن سمعت من فمه المبارك 7 عبارات أدهشتها، ثم فوجئت أن الأرض تزلزلت والصخور تشققت، «وإذا وَاحِدًا مِنَ الْعَسْكَرِ طَعَنَ جَنْبَهُ بِحَرْبَةٍ، وَلِلْوَقْتِ خَرَجَ دَمٌ وَمَاءٌ» (يوحنا19: 34).
بعد موت المسيح «كُلُّ الْجُمُوعِ الَّذِينَ كَانُوا مُجْتَمِعِينَ لِهذَا الْمَنْظَرِ، لَمَّا أَبْصَرُوا مَا كَانَ، رَجَعُوا» إلى بيوتهم.
وعندما نبحث عن الأربع نساء نجد أن المطوبة مريم ذهبت مع يوحنا الحبيب (يوحنا19: 27)، وعلى الأرجح تحركت أخت أمه بعد موته مباشرة مع الجموع (متى27: 56)، وبالتالي لم يتبقَ من النساء سوى مريم المجدلية ومريم زوجة كلوبا (متى27: 61؛ مرقس15: 47).
يا ليت محبة الرب تأسر قلوبنا وعواطفنا، لنكون مثل مريم واقفين عند الصليب، وإن كان الصليب ما زال مرفوضًا، والمخلِّص الذي صُلب ما زال محتقَرًا، لكننا كمؤمنين نفتخر بالرب (1كورنثوس1: 31)، وبصليبه (غلاطية6: 14)، غير مبالين بإحتقار العالم ورفضه.
4. جلست تجاه القبر لتنظر دفنه
أتخيل مريم المجدلية بعد موت المسيح تشعر بالإرتباك والحيرة، من جهة دفن جسده، فالجموع رجعت، والتلاميذ غير موجودين ما عدا يوحنا الحبيب، وماذا تفعل أمام العسكر.
كان هدف رؤساء الكهنة والشيوخ أن يُدفن المسيح مع الأشرار، لكن قصد الله أن يُكرَم المسيح في دفنه، إذ مكتوب: «وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ» (إشعياء53: 9).
في هذه اللحظة الحاسمة جاء يوسف الذي من الرامة مع نيقوديموس «وَأَخَذَا جَسَدَ يَسُوعَ، وَلَفَّاهُ بِأَكْفَانٍ مَعَ الأَطْيَابِ. ودفناه في قَبْرِ يُوسُفُ الْجَدِيدِ الَّذِي كَانَ قَدْ نَحَتَهُ فِي الصَّخْرَةِ، ولَمْ يُوضَعْ فِيهِ أَحَدٌ قَطُّ. ثُمَّ دَحْرَجَ يُوسُفُ حَجَرًا كَبِيرًا عَلَى بَاب الْقَبْرِ وَمَضَى. وَكَانَتْ هُنَاكَ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الأُخْرَى جَالِسَتَيْنِ تُجَاهَ الْقَبْرِ. تَنْظُرَانِ أَيْنَ وُضِعَ».
كان يومًا طويلاً بالنسبة للمجدلية ليس فقط لأنها انتظرت 6 ساعات أثناء وجود المسيح معلقًا على الصليب حتى مات، لكنها انتظرت أيضًا حتى تم إنزاله - تبارك اسمه - من على الصليب ثم لفه بأكفان ووضع الحنوط والأطياب، ثم دفنه، ودحرجة الحجر.
كان المسيح بالنسبة لها هو كنزها الوحيد، وعندما وُضع حجر كبير على باب القبر، شعرت أنها ماتت معه، ومات العالم بالنسبة لها، وأصبح برية قاحلة.
حملتها محبتها تجاه الرب أن تستمر جالسة تجاه القبر، حتى بعد ما مضى يوسف الرامي.
أخي .. أختي .. تغيرت مريم المجدلية وتحررت عندما تقابلت مع الرب يسوع. فهل حياتك تغيرت مثلها؟
ياليتنا نتبع الرب، ونخدمه من أموالنا، ونتأمل في صليبه بإستمرار، ونعلن عن محبتنا له بطريقة عملية.
ولحديثنا بقية إن تأنى الرب.