أنا هو نور العالم

«ثُمَّ كَلَّمَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا قَائِلاً: أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ» (يوحنا٨: ١٢).

بسبب الخطية، صار العالم في ظلام فكري وقلبي؛ إذ سيطر الشيطان على الجنس البشري الذي صار مُستعبَدًا للخطية وغير قادر علي الخروج من ظلمتها. فصار الناس أنفسهم ظلمة «كنتم قبلاً ظلمة» (أفسس٥: ٨)، ويسلكون في الظلمة «الشعب السالك في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا» (إشعياء٩: ٢)، وغطَّت الظلمة كل الأرض «لأنه ها هي الظلمة تغطي الأرض والظلام الدامس الأمم» (إشعياء٦٠: ٢). ومع هذا، كان في الإنسان حنين إلى معرفة النور «أين الطريق الي حيث يسكن النور» (أيوب٣٨: ١٩). وفكَّروا أن الآلهه نور، فعبدوا الشمس لأنها مصدر النور. ولأجل هذا جاء الرب يسوع نورًا حقيقيًا كاملاً، لينقل الإنسان من الظلمة، ولينير له حياته وأبديته. ففي يوحنا فقط والأصحاحات من ١–١٢، أشار المسيح عن نفسه كالنور حوالي ٢٠ مرة. نور الحياة، نور الناس، النور الحقيقي، نور العالم.

ثم كلمهم

في الجزء السابق (يوحنا٨: ١–١١)، كشف المسيح بنوره ضمائر ورياء الكتبة والفريسيين الذين أتوا له بامرأة أُمسكت في زنا وذلك ليجربوه. ولما سطع نوره عليهم، خافوا ومضوا لأنهم أحبوا الظلمة. أما المرأة التي ظلت واقفة أمامه، فكشف بنوره حالتها وعالجها وأرشدها الطريق الصحيح. ثم أعلن عن نفسه أنه نور العالم.

نور الحياة

اذا كانت الأشجار والنباتات والزهور لا تنمو إلا بضوء الشمس؛ هكذا المسيح، مصدر الحياة، والضامن لإستمرارها «فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس» (يوحنا١: ٤).

نور يُرشد

سار الشعب في البرية مستَرشِدا بعمود النار، وتسير السفن في البحار مسترشدة بنور الفنار. هكذا المسيح للمؤمنين. فمن يدخل في المسيح «الباب» ويسير فيه «كالطريق» فهو يرشده الطريق التي يسلكها. «من يتبعني فلا يمشي في الظلمة».

نور هنا وهناك

عنما عاش الرب يسوع علي الأرض، أنار العالم بتعاليمه السامية عن المحبة والتسامح والسلام؛ فكم من أناس جذبهم هذا النور وهم يقرأون عظة الجبل (متي٥–٧)؟ وبعد عمل الصليب وصعوده للسماء، ترك لنا كلمته بين أيدينا كسراج منير «مخلصنا يسوع المسيح الذي أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل» (٢تيموثاوس١: ١٠). فالأمور الحياتية يراها المؤمن أنها تعمل للخير. والخلود، وإن كان مجهولاً للناس، لكنه في ضوء الكلمة معلوم المكان والزمان، في السماء ومع المسيح الي الأيد.

نور مكروه

قال سليمان الحكيم «النور حلو» (جامعة١١: ٧). ولكن هناك من يكره النور! «وَهذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ السَّيِّآتِ يُبْغِضُ النُّورَ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى النُّورِ لِئَلاَّ تُوَبَّخَ أَعْمَالُهُ» (يوحنا٣: ١٩، ٢٠). فالظلمة لا تُظهر عيوب الطريق ولا السائرين فيه، في الظلمة تتحرك خفافيش الظلام، ويعمل اللصوص، والسكارى. وأي نور يظهر يهرب من يهرب ويحاول البعض إطفاءه. قال المسيح «أبغضوني بلا سبب»؛ لأن وجوده بينهم كالنور كشف رياء المرائين وفساد الفاسدين.

نور العالم

١- اعلان مجيئه للعالم: «كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتيًا إلى العالم» (يوحنا١: ٩).

٢- اعلان بُغض العالم له: «أحب الناس الظلمة أكثر من النور... كل من يعمل السيآت يبغض النور» (يوحنا٣: ١٩، ٢٠).

٣- الخلاص من ظلمة العالم: «من يتبعني فلا يمشي في الظلمة» (يوحنا٨: ١٢).

٤- الوقت للعالم: أعطاهم فرصة في زمن حياته علي الأرض «ما دمت في العالم فأنا نور العالم»، وللآن يعمل في ساعات النهار الممتدة، وسيأتي ليل على العالم لا يستطيع الخروج منه وهو الظلمة الخارجية (يوحنا٩: ٥؛ ١١: ٩).

لاهوت المسيح

مكتوب عن الله إنه نور وليس فيه ظلمة البتة (١يوحنا١: ٥)، وأنه اللابس النور كثوب (مزمور١٠٤: ٢). والمسيح يعلن هنا أنه النور الحقيقي، وعلى حبل التجلي نقرأ عنه «وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ» (متى١٧: ٢). فنحن أمام دليل لا يقبل الشك أن الرب يسوع هو الله الظاهر في الجسد، وقد أعلن ذلك.

المنارة كرمز

كانت في بيت الله – الخيمة والهيكل – وكان رئيس الكهنة يرتِّبها وينظفها بالملاقط والمنافض ويشعلها لتضيء المكان. لكن المسيح لم يكن يحتاج لشيء من ذلك. كان ينير في كل مكان وزمان، أمام كل الناس. يكشف الظلام ويوبخ السالك فيه، لكن لا يتوبخ من أحد. لقد تحدّي رجال الدين الذين أتوا بالمرأة الزانية ليجربوه قائلاً «من منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر» فخرجوا من أمامه. ثم قال لهم «من منكم يبكتني علي خطية» فصمتوا أمامه (يوحنا٨: ٧، ٤٦).

عزيزي القاريء: إن كنت مؤمنًا حقيقيًا، لا تنسى أن المسيح، قبل صعوده، قال عنا «أنتم نور العالم». وأنا أسأل نفسي، وأسألك، هل نسلك كما سلك ذاك؟ هل نسلك في النور؟ هل نسلك بحسب النور؟

وإن كنت قارئي العزيز لم تتعرف علي المسيح بعد، وما تزال في الظلمة، وتحبّها والسالكين فيها، اصرخ للرب فينقلك لنوره العجيب قبل تفاجأ أنك في الظلمة الأبدية.