كان المُبشِّر المعروف “جون وسلي” (١٧٠٣-١٧٩١) راجعًا إلى البيت ذاتَ ليلة، بعد الخدمة، عندما فاجأه لصٌّ. إلا أن “وسلي” لم يكن صيدًا ثمينًا، إذ لم يكن يحمل سوى قليلٍ من المال، وبعض الكتب الروحيَّة. ولما هَمَّ اللصُّ بالذهاب خائبًا، قال له خادم الرب: “انتظر! تمهّل! عندي شيءٌ بَعدُ اُعطيك إيّاه”. فتوقف اللصُّ مدهوشًا، فيما قال له “وسلي”: “يا صديقي، قد تعيش حتى يعتريك النَّدم على هذه الحياة التي تحياها. فإن حصل ذلك في يوم من الأيام، فتذكر هذه الآية: «دَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ... يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ» (١يوحنا١: ٧). وإذ ولّى اللصُّ مُسرِعًا، صلى “وسلي” لأجله.
وبعد عدة سنين، بينما كان “وسلي” يُسلِّمُ على الحُضور بعد اجتماع يومَ الأحد، اقترب إليه شخصٌ غريب. وكم أدهشه أن يعلم أن هذا الزائر - وهو الآن مؤمنٌ بالمسيح، وخادمٌ ناجح - كان هو اللصَّ الذي سرقه منذ سنين. وإذ قال الرَّجُلُ لـــــ“وسلي”: “أنا مَدين لك بكل شيء”. بادرَ “وسلي” قائلاً: “لا يا أخي، لستَ مديونًا لي، بل لدَمِ المَسِيح الذي يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّةٍ!”
حقًا كان عند “جون وسلي” شيءٌ آخر يُعطيه لذاك اللصُّ في تلك الليلة، ألا وهو بشارة الخلاص. ونحن أيضًا مسؤولون بالمِثل عن تقديم هذه البشارة للذين نلتقيهم في دروب حياتنا اليومية. فكيف يسكت مَن اختبر الخلاص عنِ التبشير بالمُخلِّص؟!
تأملت القصة وتذكرت ثلاثة مواقف من كلمة الله:
الموقف الأول:
الرسول بطرس وشفاء الشحاذ الأعرج
(أعمال٣: ١-١٠)
فعندما سأل الأعرج - الذي كان يجلس عند باب الهيكل الذي يُقال له “الجميل” - صدقة من بطرس ويوحنا، ما كان يتوقع العطية التي حصل عليها: شفاء معجزي “باسم يسوع”.
وجميل قول الرسول بطرس: «لَيْسَ لِي فِضَّةٌ وَلاَ ذَهَبٌ، وَلَكِنِ الَّذِي لِي فَإِيَّاهُ أُعْطِيكَ: بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ قُمْ وَامْشِ». عادةً، عندما تكون المسألة هي العطاء، فإننا نفكر في المال، ويندر أن نفكر في الكنز السماوي الذي لنا، وهو معرفة المُخلِّص.
ويا له من تغيير حدث لهذا الأعرج! لقد «وَثَبَ وَوَقَفَ وَصَارَ يَمْشِي، وَدَخَلَ مَعَهُمَا إِلَى الْهَيْكَلِ وَهُوَ يَمْشِي وَيَطْفُرُ وَيُسَبِّحُ اللهَ». فهو وَثَبَ قبل أن يتعلَّم المشي! ثم إنه حتى ذلك الوقت كان يجلس عند باب الهيكل، لكن الآن دخل إلى محضر الله، وهو يُسبِّح الله.
لقد كان لبطرس ويوحنا ما هو أعظم بكثير من الفضة والذهب. ولم تكن الفضة والذهب الشيء الذي يحتاج إليه ذلك الإنسان أشد الاحتياج. لقد كان أولاً في حاجة إلى خلاص نفسه، ثم إلى شفاء جسده. والاثنان لا يمكن الحصول عليهما بالمال. ولم يكن للرسولين الفضة أو الذهب، لكن كان لهما الإيمان بقوة اسم المسيح المُقام الذي به تُشفى أسقام البشر، وتُحل مشكلاتهم.
الموقف الثاني:
الأربعة الرِجَال البُرْص في حصار السامرة
(٢مل٧: ٣-١١)
هؤلاء بعد أن أكلوا وشبعوا وارتووا واغتنوا، بدأوا يفكرون في الآخرين «ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَسْنَا عَامِلِينَ حَسَنًا. هَذَا الْيَوْمُ هُوَ يَوْمُ بِشَارَةٍ وَنَحْنُ سَاكِتُونَ! فَإِنِ انْتَظَرْنَا إِلَى ضُوءِ الصَّبَاحِ يُصَادِفُنَا شَرٌّ. فَهَلُمَّ الآنَ نَدْخُلْ وَنُخْبِرْ بَيْتَ الْمَلِكِ». وبدون انتظار لضوء الصباح، أسرعوا وأذاعوا الأخبار المُفرحة. لقد أرادوا أن يعرف الآخرون ماذا حدث لهم، وأن هناك وفرة من الطعام في الخارج، ولا يوجد أحد يمنعهم من الوصول إليها.
أيها الأحباء: ماذا كان لأولئك البُرْص بالنسبة لما لنا في المسيح يسوع؟ لقد كان خلاصهم جسديًا وزمنيًا، أما خلاصنا فروحي وأبدي. لقد خلصوا من بين أنياب الجوع، أما نحن فخلصنا من سلطان الخطية. تفكروا في هذا! صرنا مُسَامَحين، وقلوبنا مُطهّرة بدم المسيح الكريم. ودخلنا إلى حضرة الله حيث الفرح والسلام والراحة الدائمة. ولنا رجاء حي بالحياة المجيدة طوال الأبدية في أمجاد السماء. وأفضل من ذلك كله، لنا المسيح نفسه نصيبنا ومعزينا في الحزن، وقائدنا في الظلمة، وقوتنا ورجاء المجد فينا.
حقًا إن لنا الكثير مما يستحق أن نُخبر الآخرين عنه، ليحصلوا على مثل ما حصلنا. فهل نكون أنانيين؟ هل نحتفظ بالكل لأنفسنا؟ أم نفعل كما فعل البُرْصُ من نحو المدينة الجائعة؟ هل نذهب ونخبر الآخرين؟
الموقف الثالث:
مناشدة الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس:
«اكْرِزْ بِالْكَلِمَةِ. اعْكُفْ عَلَى ذَلِكَ فِي وَقْتٍ مُنَاسِبٍ وَغَيْرِ مُنَاسِبٍ» (٢تيموثاوس٤: ٢)
فعلى المؤمن أن يتكلَّم ويكرز “بكلمة الله”؛ عليه أن يتكلَّم بما تكلَّم الله به. إن مسؤوليته بإزاء الكلمة لا أن يُصغي إليها فقط، ولا أن يؤمن بها ويخضع لها فقط، ولا أن يشترك في احتمال المشقات في سبيلها وأن يثبت فيها، ولا أن يحفظها من كل زيف فحسب، ولكن مسؤوليته أيضًا أن يكرز بها للآخرين. عليه أن يرفع صوته دون خجل أو خوف أو وجل، عليه أن يرفع صوته في شجاعة ليجعل هذا الخلاص مُعلَّنًا للجميع.
ونلاحظ الفعل الذي يستخدمه الرسول بولس في تحريضه: «اعْكُفْ» والذي يعني حرفيًا في اليونانية: “قف مستعدًا”، “كن جاهزًا” أو “تحت الطلب”. إن الكلمة تحمل معاني اليقظة، والتشوق والتطلع، ولكن أيضًا الإحساس بالإصرار والمثابرة والضرورة المُلحة التي تتطلب السرعة. وكأن الرسول يقول لابنه تيموثاوس: “لا تفقد إحساسك بالضرورة العاجلة أبدًا. ودع الناس يلمسون ويُبصرون غيرتك وحماستك”.
«اكْرِزْ بِالْكَلِمَةِ. اعْكُفْ عَلَى ذَلِكَ»، ويُضيف الرسول: «فِي وَقْتٍ مُنَاسِبٍ وَغَيْرِ مُنَاسِبٍ»، بمعنى: “التزم بالكرازة، وانشغل بالخدمة، في كل الأحوال؛ في الأوقات الملائمة وغير الملائمة”. وطبعًا الحديث هنا لا ينصب على المستمعين بقدر ما هو على المتكلِّم، سواء رُحِّبَ به أم لم يُرَّحّب”.
عزيزي: إذا كان الإيمان بالمسيح جديرًا بالحصول عليه، فهو أيضًا جديرًا بأن يُهدى الناس إليه. النفوس من حولنا تهلك بدون المسيح، فعلى كل واحد منا مسؤولية أن نذهب ونخبرهم عن محبته وخلاصه الكامل. فهلا تذهب وتُخبر الآخرين «كَمْ صَنَعَ الرَّبُّ بِكَ وَرَحِمَكَ» (مرقس٥: ١٩).