مريم المجدلية 2

مريم المجدلية، من مدينة مجدل، كان بها سبعة شياطين (مرقس١٦: ٩، لوقا٨: ٢)، وعندما تقابلت مع الرب يسوع، أخرج منها الشياطين السبعة، فتغيَّرت حياتها، وأصبحت من أكثر الأشخاص محبة للرب وتعلقًا به. ورأينا في العدد السابق تبعيتها للرب في المدن والقرى، وكيف خدمته من أموالها، وكيف كانت محبتها للرب شديدة حتى أنها وقفت عند الصليب، وانتظرت حتى جاء يوسف الرامي ونيقوديموس ودفنا جسد المسيح في القبر الجديد والمنحوت في الصخرة، وجلست تجاه القبر حتى بعد أن مضى يوسف الرامي. ونستكمل ما فعلته أيضًا:

٥. نفذت الوصية

استراحت يوم السبت كما هو مكتوب: «وَفِي السَّبْتِ اسْتَرَحْنَ حَسَبَ الْوَصِيَّةِ» (لوقا٢٣: ٥٦). كانت وصايا الله بالنسبة لها هامة جدًا، تحرص على تنفيذها دون جدال. نتذكر قول الرب «اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي» (يوحنا١٤: ٢١). مع ملاحظة أنه بالنسبة لنا نحن المؤمنين بالمسيح، فإننا متنا مع المسيح عن الناموس (غلاطية٢: ١٩، ٢٠)، وبالتالي لا تنطبق وصية حفظ السبت علينا كما هو مكتوب: «فَلاَ يَحْكُمْ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ فِي أَكْل أَوْ شُرْبٍ، أَوْ مِنْ جِهَةِ عِيدٍ أَوْ هِلاَل أَوْ سَبْتٍ، الَّتِي هِيَ ظِلُّ الأُمُورِ الْعَتِيدَةِ، وَأَمَّا الْجَسَدُ فَلِلْمَسِيحِ» (كولوسي٢: ١٦، ١٧).

٦. اشترت الحنوط

اشترت الحنوط بعد غروب شمس يوم السبت وحلول الظلام (مرقس١٦: ١). بالرغم أنها رأت بعينيها يوسف الرامي ونيقوديموس وهما يضعان الطيب على جسد الرب قبل دفنه، لكنها أرادت أن تضع الحنوط على جسده، لكي تكرمه بنفسها، وتعلن عن محبتها له بطريقة عملية.

٧. ذهبت إلى القبر والظلام باقٍ

ذهبت، في فجر يوم القيامة، إلى القبر والظلام باق. واعتقد أنها بعد أن اشترت الحنوط، لم تستطع النوم، كانت متلهفة لأن تذهب إلى سيدها وحبيبها في القبر، فخرجت بمفردها والظلام باق، حاملة الحنوط، بقلب حزين ومنكسر، وسارت في طريق الجلجثة، حتى وصلت إلى البستان الذي فيه القبر.

كان أمامها عدة صعوبات: خروجها بمفردها وهي إمرأة، الظلام، الحرس الذي يحرس القبر، الحجر الكبير الذي على باب القبر، الختم الذي على الحجر، وماذا يحدث لو تم فك الختم. ولكن عمق محبتها جعلها تتخطى هذه العقبات، ولم يكن في قلبها خوف، لأن المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج.

ذهبت مريم المجدلية إلى القبر في يوم قيامة المسيح عدة مرات، لأن موضع القبر كان قريبًا من أورشليم (يوحنا١٩: ٢٠، ٤١، ٤٢). وظهر لها الرب مرتين في نفس اليوم، مع ملاحظة أنه في المرة الأولى كانت بمفردها (يوحنا٢٠)، بينما في الثانية كانت مع مريم الأخرى (متى٢٨)، المرة الأولى قال لها: «لا تلمسيني»، بينما في الثانية لمسته وأمسكت بقدميه.

ويأتي سؤال: لماذا قال لها في المرة الأولى: «لا تلمسيني»، بينما في الثانية لمسته وأمسكت بقدميه؟ والإجابة نجدها في كلام الرب نفسه لها: «لأَنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى أَبِي»، فعندما ظهر لها في المرة الأولي لم يكن قد صعد إلى الآب، لكن في ظهوره ثانية لها كان قد صعد إلى الآب ونزل.

٨. ذهبت لتخبر التلاميذ بقيامة الرب

كانت مريم المجدلية أول من رأت الرب بعد قيامته، وكانت أيضًا أول مبشِّرة بقيامته، إذ أخذت تكليفًا بإخبار التلاميذ الأحد عشر بقيامة الرب من بين الأموات، إذ قال لها: «اذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ: إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلهِي وَإِلهِكُمْ» (يوحنا٢٠: ١٧).

ونلاحظ أيضًا أنه لم يقل ”أبينا“ بل ”أبي وأبيكم“ لأنه يختلف عنا في نسبته للآب، فهو - تبارك اسمه - الابن الأزلي والمعادل للآب، أما بنوتنا نحن للآب فهى من مطلق نعمته الغنية (أفسس١: ٥).

أطاعت مريم المجدلية الرب، وذهبت مباشرة للتلاميذ، وأخبرتهم أنها رأته، وَأَنه قال لها هذا. كانت تحمل لهم أسمى رسالة، حتى قال أحدهم عنها إنها ”رسولة الرسل“. لكن هذه الرسالة كانت أعظم من إيمانهم وإدراكهم، كان الخبر لهم أعظم من أن يكون صحيحًا، فلم يصدقوا، إذ مكتوب « فَذَهَبَتْ هذِهِ وَأَخْبَرَتِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ وَهُمْ يَنُوحُونَ وَيَبْكُونَ. فَلَمَّا سَمِعَ أُولئِكَ أَنَّهُ حَيٌّ، وَقَدْ نَظَرَتْهُ، لَمْ يُصَدِّقُوا» (مرقس١٦: ١٠، ١١).

حملت مريم المجدلية للتلاميذ أعظم خبر وهو قيامة المسيح من بين الأموات، وأيضًا أنهم إخوته، وأن الله هو أبوهم.

ياليتنا نحمل نحن أيضًا أخبار الإنجيل السارة للنفوس الهالكة والتي تشتاق أن تسمعها لتخلص وتفرح وتضمن مستقبلها الأبدي.

يالشرف والأمتياز العظيم الذي صار لكل المؤمنين بالمسيح: أنهم إخوة له، وهو تبارك اسمه «لاَ يَسْتَحِي أَنْ يَدْعُوَهُمْ إِخْوَةً، قَائِلاً: أُخَبِّرُ بِاسْمِكَ إِخْوَتِي، وَفِي وَسَطِ الْكَنِيسَةِ أُسَبِّحُكَ» (عبرانيين٢: ١١، ١٢)، وأيضًا «ليكون هو بكرًا بين إخوة كثيرين» (رومية٨: ٢٩). سبق الرب أن قال عن تلاميذه إنهم أحباء (يوحنا١٥: ١٥)، لكن هنا يُعلن أنهم إخوته.

صارت مريم المجدلية قدوة حسنة للمؤمنين، مع أنها لم تكن تُدرك أن الأجيال المتعاقبة على مَرِّ السنين، سوف تقرأ عن: تكريسها ومحبتها وتبعيتها وعطائها وخدمتها للرب، وكيف كافأها الرب بأن ظهر لها أولاً، وكانت أول من حمل بشارة قيامة المسيح للرسل.

ياليتنا نعيش حياة التكريس للرب، ونحبه من كل قلوبنا، ونتبعه بأمانة، ونتعب في خدمته، ونقدِّم له كل شيء لأنه يستحق.