رن جرس التليفون في الصيدلية التي أعمل بها، فإذ به الأستاذ: ج. سوبرينا - صاحب الـ٩١ عام – أحد زبائن الصيدلية، يطلب إرسال كل علاجه الشهري؛ لأنه في احتياج شديد إليه، لكنه لا يستطيع المجيء للصيدلية بسبب مرضه وتعبه الواضح من نبرة صوته. كان علينا التجاوب مع طلبه وإرسال العلاج حتي باب منزله في أسرع وقت ممكن. تمت مراجعة كل أدويته (حوالي ١٥ دواء)، ثم أرسلناهم مع السائق، وأوصيناه بسرعة الذهاب لأن المريض في احتياج شديد إلي دوائه. في خلال دقائق قليلة، كان السائق أمام باب أ. سوبرينا، محاولاً إنقاذ ما يمكن إنقاذه. بدأ بقرعات رقيقة علي الباب، متوقعًا سرعة فتحه، لكن لم يكن من مجيب. ومع استمرار الطرق، تسرب القلق إلى السائق، مما جعله يطرق الباب بصورة أسرع وأقوي، بل و بطرق عديدة ومختلفة علي أمل التجاوب. وبالفعل تجاوب المريض أخيرًا، وفتح الباب. لكنه – للأسف - فتح الباب ومعه سيل من الشتائم، والتطاول علي السائق، ورفض الحديث معه أو الاستماع إليه، بل أهانه وطرده متعللاً بإن قرعاته أزعجته وأقلقته من نومه!! ما كان من السائق إلا الإنسحاب في هدوء، والعودة إلي الصيدلية ومعه “الدواء المرفوض”. وكادت الدموع تملأ عينيه بعد مشهد الرفض والإهانة.
مرت ساعة فقط من تلك الواقعة، ورن تليفون الصيدلية مرة أخرى، و إذ به أ. سوبرينا يسأل عن مصير أدويته.. فتعجبنا كثيرًا وأخبرناه أن السائق كان أمام بابه، لكنه رفض استلام الدواء منه. فما كان منه إلا “الاعتذار”؛ لانه ظن أن السائق الذي قرع علي باب بيته هو واحد من مندوبي المبييعات أو تجار الشنطة الذين يجوبون على البيوت بحثًا عن لقمة العيش، وعلى هذا الأساس رفض الاستماع إليه والحديث أصلاً معه!!
صديقي، صديقتي.. إن عدم تجاوب أ. سوبرينا مع قرعات السائق على بابه، وهو يحمل دوائه الخاص لأمراضه الكثيرة، يذكِّرنا بعينات كثيرة من البشر في عدم تجاوبها، بل ورفضها، لعلاج الله المقدَّم لهم. لذا دعنا نتامل في هذه الثلاثية:
١. قرعات على الباب
في الواقع،هناك قرعات على أبواب كثيرة نتعرض لها في حياتنا اليومية، فهناك قرعات على أبواب الأذهان، الآذان، العينان،... لكن من ضمن هذه القرعات العديدة يوجد قرعات مميزة الصوت والهدف، وهي قرعات الرب يسوع نفسه علي باب قلب كل واحد منا. هو الذي قال «هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي. »(رؤيا ٣: ٢٠ ) .
قد يقرع الرب علي باب قلبك بقرعات المحبة؛ والحنان والإحسان، بينما مرات أخرى يقرع بالعصا للتأديب أو التهذيب؛ الألم أو الحرمان. فهو الراعي الصالح والرب الحكيم الذي يبحث عن أحبائه حتى يردهم إليه بالطريقة الأنسب لكل واحد منهم، وهو لن يمل من هذا فهو: «َيَذهَبَ لأَجْلِ الضَّالِّ حَتَّى يَجِدَهُ» (لوقا١٥: ٤).
هل تسمع معي لكلمات المرنم الرائعة علي لسان الرب و هو واقف علي باب قلوبنا قائلاً:
إسمح لي أدخل لحياتك
وأعوضك إللي فاتك
٢-هل من جواب؟!
بالرغم من قرعات الرب الكثيرة والمتنوعة على قلب كلٍّ منّا، إلا أن ردود أفعالنا تختلف. وهنا أريد أن أسألك: ما هو تجاوبك مع قرعات المسيح على باب قلبك حاملاً العلاج الأمثل لمشكلة حياتكالاساسية: الخطية؟ هل تفتح له وتقبله مخلِّصًا شخصيًا لك؟ عندها تختبر السلام والفرح، وتسمع من فمه الكريم أجمل بشارة: «مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ» (لوقا٥: ٢٣)، وتنعم بالشفاء الحقيقي: «ثِقِ... إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ، اِذْهَبِ بِسَلاَمٍ» (لوقا ٨: ٤٨). أم ترفضه وتقول مع عموم الأشرار: «ابْعُدْ عَنَّا، وَبِمَعْرِفَةِ طُرُقِكَ لاَ نُسَرُّ» (أيوب ٢١: ١٤).
أريد أن أهمس في أذنك بنبضات التحذير، فأنت اليوم صاحب قرارك وتمتلك الحرية التامة لفتح أو غلق باب قلبك في وجه المسيح، لكن في الحقيقة، سيأتي يوم - وذا قريب - وأنت الذي ستقرع على باب المسيح بعد أن «يَكُونُ رَبُّ الْبَيْتِ قَدْ قَامَ وَأَغْلَقَ الْبَابَ، وَابْتَدَأْتُمْ تَقِفُونَ خَارِجًا وَتَقْرَعُونَ الْبَابَ قَائِلِينَ: يَارَبُّ، يَارَبُّ! افْتَحْ لَنَا. يُجِيبُ، وَيَقُولُ لَكُمْ: لاَ أَعْرِفُكُمْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ!» (لوقا١٣: ٢٥).. فأي الموقفين تريد أن تتجاوب به مع شخص المسيح: هل تريد أن تسمع منه «تعالوا إلي... وأنا أريحكم» (متي١١: ٢٨)؟ أم ترفض وحتمًا ستسمع منه يومًا «ابعدوا عني» بعد أن يكون «أغلق الباب»؟
٣- استعد ليوم الحساب
إنتهت قصتنا باعتذار أ. سوبرينا وندمه على عدم فتح الباب لتلقي العلاج المناسب له، لكنه للاسف أبدى ندمه بعد أن رحل السائق من أمام منزله.
عزيزي القارئ، أخشى أن تتهاون مع قرعات الرب يسوع على باب قلبك،فتمضي ويُغلق باب النعمة والرحمة في وجهك وبلا رجعة.. عندها ستندم ولا ينفع الندم في يوم الدينونة والحساب، «الَّذِي فِيهِ يَدِينُ اللهُ سَرَائِرَ النَّاسِ» (رومية٢: ١٦). حذَّرنا المسيح نفسه وهو هنا على الارض قائلاً: «مَنْ رَذَلَنِي وَلَمْ يَقْبَلْ كَلاَمِي فَلَهُ مَنْ يَدِينُهُ. اَلْكَلاَمُ الَّذِي تَكَلَّمْتُ بِهِ هُوَ يَدِينُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ» (يوحنا١٢: ٤٨). المسيح أتى مرة للعالم مخلِّصًا وفاديًا، لكنه سياتي قريب ديانًا وقاضيًا.. عزيزي،هل تسرع إلي شخص المسيح كالمخلص الوحيد للإنسان،قبل أن تهرب منه كالديان فلا تستطيع؟
أخي،أختي.. قد تكون ضغوطات الحياة أصابتك بروح الضعف والإنحناء ولا تجد أي أمل أو رجاء، ولم يعُد ينفع معك أي دواء، فانعزلت وصرت وحيدًا بدون أقارب أو أصدقاء وحوَّلت أذنك عن سماع أهم نداء من شخص المسيح الذي يبحث عنك في كل الأرجاء، ليمنحك الحرية والفداء، فيمتلأ قلبك بالفرح والرجاء.. الآن اسرع إليه وثق فيه لأنه قادر على محو أي داء؟