انتخابات البرلمان تذكّرني بأشهر عملية انتخابية على مَرِّ التاريخ، حدثت منذ حوالي ألفي عام. وقد كانت تلك الانتخابات فريدة من نوعها في عدة أمور:١. توقيت التصويت،٢. مدة التصويت،٣. طريقة التصويت،٤. مادة التصويت. كان عدد المرشحين في هذه الانتخابات اتنين فقط.
وقبل ان نشرح الأمور الأربعة التي تفرَّدت بها تلك الانتخابات، بالطبع أود أولاً ان نتعرف على السيرة الذاتية وصحيفة الأحوال لكل مرشح. ولكن دعني استأذنك عزيزي القارئ أن أرجئ السيرة الذاتية لنهاية المقال، بعد إعلامك بنتيجة التصويت.
ولنتعرف أولا على صحيفة الأحوال الجنائية (قائمة تصدرها السلطات تحوي جرائم الشخص) لكل منهما: المرشح الأول: صحيفة أحواله لا شيء، بل هو رجل محترم تقي، الكل يشهد بخدماته المتعدّدة للجميع دون تمييز. المرشح الثاني: مسجَّل خطر على الأمن العام، صاحب سوابق سرقة بالإكراه وقضايا قتل، ومحكوم عليه بالإعدام.
تعالوا بنا الآن لنرى الأمور الأربعة التي تفردت بها هذه الانتخابات:
الأمر الأول: توقيت التصويت بدأت وفود الناخبين إلى مقر لجنة الانتخابات منذ الساعة السادسة صباحا. والسؤال المحير: لماذا هذا التوقيت؟ لا بد أن في الأمر شيئًا مريبًا. ومن الذي قام بحشد الجموع بتلك الطريقة، وبتلك السرعة وفي ذاك التوقيت. نعم كان هناك تيارًا دينيًا متشددًا له سطوة على جموع الشعب هو الذي قام ودبَّر كل الأمور الغريبة والمريبة التي مَرَّت بها هذه العملبة الانتخابية.
الأمر الثاني: مدة التصويت. إننا نسمع عن أي عملية إنتخابية يوم أو يومين، ولكن هذه العملية كانت ثلاث ساعات فقط من السادسة صباحا حتى التاسعة صباحا. وهذا لا يضفي نوعا من علامات التعجب فقط، بل أيضًا علامات الاستفهام: لماذا مدة التصويت قصيرة ولمدة ساعات محدودة رغم أن رئيس اللجنة قاضٍ روماني كبير، والرومان كانوا دائما يرفعون شعار العدالة والنزاهة في الأحكام؟
الأمر الثالث: طريقة التصويت. وتلك أيضًا أكثر غرابة، فلم تكن في صناديق مغلقة، بل من شدة نزاهتها جعلوا التصويت على الملإ أمام الكل. فقد وقف القاضي وأعلن بصوت جهور قائلا: من تريدون من الاثنين؛ المرشح الأول ام الثاني؟ فصرخوا كلهم بأصوات مرتفعة يريدون الثاني.
الأمر الرابع: مادة التصويت وقد كانت أكثر غرابة. لم يكن القصد من المرشحين الحصول على منصب سياسي، بل كانت مادة التصويت مَنْ مِنَ الاثنين يُطلق سراحه، ومَنْ مِنَ الاثنين يموت!
ونأتي الآن إلى السيرة الذاتية لكلا المرشحين:
السيرة الذاتية للمرشح الأول
الاسم: يسوع المسيح، ابن داود، ابن ابراهيم. أجداده سلسلة ملوك حوالي خمسة عشر ملكا (متى١)، وبحسب سلسلة نسب أخرى يسوع المسيح ابن الله (مرقس١: ١).
الإنجازات: «الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ» (أعمال١٠: ٣٨)، «لم يَفْعَلْ شَيْئًا لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ» (لوقا ٢٣: ٤١).
السيرة الذاتية للمرشح الثاني
الاسم: باراباس. لم يُعرف له سلسلة نسب.
الإنجازات: لم يعرف في المجتمع إلا بجرائمه المتنوعة الإرهابية «كَانَ قَدْ طُرِحَ فِي السِّجْنِ لأَجْلِ فِتْنَةٍ حَدَثَتْ فِي الْمَدِينَةِ وَقَتْل» (لوقا ٢٣: ١٩).
نتيجة التصويت
المفاجأة الكبرى كانت نتيجة التصويت لصالح باراباس بنسبة ١٠٠٪. ويسوع المسيح لم يأخذ صوتًا واحدًا (لوقا٢٣: ١٨). حتى أنصاره لم يستطيعوا أن يدلوا بأصواتهم بسبب الخوف (مرقس١٤: ٥٠-٥١). من الأحزاب الدينية المتشددة، التي رغم اختلاف افكارها لكنها توحَّدت معًا ومع الجانب السياسي ضد المسيح. فقد توحَّد الفريسيون والصدوقيون معًا ضده، وقد صار بيلاطس وهيرودس صديقين بعد العداوة التي كانت بينهما، لقد اجتمع عليه هيرودس وبيلاطس البنطي (أعمال٤: ٢٥-٢٧ مع مزمور٢ ولوقا٢٣: ١٢).
ولكن تلك الانتخابات، وإن كانت لم يحدث فيها تزوير، لكن حدث فيها ترهيب (يوحنا١٩: ٨، ١٢). ونتيجة لعدم قانونية هذه الانتخابات، أصدرت المحكمة السماوية العليا حكمًا بإعادة الانتخابات مرة أخرى، وكلَّفت اللجنة العليا للانتخابات بوضع قواعد جديدة للعملية الانتخابية خلافًا للقواعد السابقة. وقد شملت هذه القواعد أربعة أمور أيضًا فريدة من نوعها:
الأمر الأول توقيت التصويت: الآن، ولا تؤجِّل «الْيَوْمَ، إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ» (عبرانيين٤: ٧).
الأمر الثاني مدة التصويت: متاحة لك مدى الحياة؛ فقد جاء المسيح ليكرز بسنة الرب المقبولة، فلا تُغلق أبواب اللجان إلا بالوفاة أو مجيء المسيح لاختطاف المؤمنين به.
الأمر الثالث طريقة التصويت: وهذه الطريقة أيضًا فريدة من نوعها، فهي في صناديق مغلقة، ولكنها ليست صناديق خشبية أو زجاجية، ولكنها صناديق لحمية؛ فالتصويت يكون في قلوب الناخبين.
الأمر الرابع مادة التصويت: مادة التصويت أنك تأتي إلى الرب يسوع معترفًا بخطاياك قائلاً له: «اللّهُمَّ ارْحَمْنِي، أَنَا الْخَاطِئَ» (لوقا١٨: ١٣). «لأَنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، خَلَصْتَ. لأَنَّ الْقَلْبَ يُؤْمَنُ بِهِ لِلْبِرِّ، وَالْفَمَ يُعْتَرَفُ بِهِ لِلْخَلاَصِ» (رومية ١٠: ٩-١٠).
وااآن عزيزي القارئ.. دعني أسألك سؤالاً محدَّدا ومهمَا؛ فإجابتك تحدّد مصيرك الأبدي: لمن تعطي صوتك؛ للمسيح أم الشيطان؟ صوتك يصنع مستقبلك الأبدي، لا تستهن به. فهل تُقبل إليه الآن وتعطيه صوتك من قلبك؟ لا تؤجل! تعال الآن بصوتك وقلبك للمسيح.
وإذا كنت قد أعطيت صوتك للمسيح لا تسكت «وَأَخْبِرْهُمْ كَمْ صَنَعَ الرَّبُّ بِكَ وَرَحِمَكَ» (مرقس٥: ١٩). أذع الأخبار السارة لكل الناس؛ إنها بشرة خير، قم نادِ على البعيد والقريب، القاصي والداني. واعمل مثل الأربعة البرص اللذين قالوا «لَسْنَا عَامِلِينَ حَسَنًا. هذَا الْيَوْمُ هُوَ يَوْمُ بِشَارَةٍ وَنَحْنُ سَاكِتُونَ، »(٢ملوك٧: ٩). هيا اعمل دعاية انتخابية للمرشح الذي اخترته، قبل أن تأتي فترة الصمت الانتخابي.