قلعة نفس الإنسان لها أبواب رئيسية فخمة، وعلى السور الخارجي بوابتان متسعتان. البوابة الخارجية الأولى هي السمع، والبوابة الخارجية الثانية هي النظر. الباب الرئيسي الداخلي الأول هو باب الذهن والباب الثاني هو باب القلب. البوابات الخارجية تحتاج إلى حراسة لتمنع اي زائر غير مرغوب فيه؛ متطفلاً كان أم إرهابيًا يرتدي ثيابًا جذابة لكن بداخلها مفرقعات مدمرة أو مواد حارقة أو حتى موادًا مسيلة للدموع. كما أن الأبواب الداخلية تحتاج إلى حراسة مضاعفة وفحص جيد لئلا يتسلَّل الزائر المحظور إلى الدهاليز الداخلية، ويصل الضرر إلى مواقع استراتيجية في قلعة النفس. والصراع عند الباب قد يكون عنيفًا، والغلبة تحسم بالطبع في صف الأقوى.
قدرات العقل البشريعقل الإنسان يمكن أن يستقبل أكثر من ٥٠.٠٠٠ فكرة يوميًا. كما أن مخ الإنسان يحتوي على أكثر من مائة وخمسين مليار خلية عقلية. الأفكار لديها القدرة أن ترجع إلى الماضي ثم تعود للحاضر، ولها القدرة أن تذهب إلى أبعد مكان ممكن؛ قد تحلِّق في ذُرى السماء أو تهوي إلى جباب الأرض. الشخص الذي يريد أن يحرس ذهنه وقلبه، ليضمن جودة ونقاء خواطره وسلامة مشاعره، عليه أن يضبط نظره وسمعه جيدًا.
جولات وصولات في ساحة العقلالصورة التي يلتقطها النظر، أو العبارة التي تلتقطها الأذن، قد تتجول في الساحة الخارجية قليلاً ثم تتسلل من باب الذهن أو باب القلب إلى الداخل. لا تظن أن الأفكار تبقى ساكنة وخاملة كل الوقت، لكن عندما تصل إلى الداخل قد تستدعي حلفائها وتحشد قواتها ويكون لها سيادتها. الفكرة التي تتسلط في وقت معين تجعل الذهن يتجه في اتجاهها ويستدعي من مخازن الذاكرة العملاقة - بسرعة هائلة - كل ما يتماشى ويدعم هذه الفكرة. وربما تركن في ركن مظلم إلى حين، ثم تختمر وتتضخم، فتطغي على الأفكار الأخرى، وتسيطر على مواقع ذهنية سيادية تتبع مباشرة مركز الإرادة في الغرفة القيادية العليا لقلعة النفس؛ مثل غرفة صنع القرارات وغرفة ترتيب الأولويات... الخ. هناك قانون يردِّده المتخصصون في علم النفس يقول: “إنْ شكَّل المرء في ذهنه صورة لما يود أن يكون عليه أو يفعله، ثم احتفظ بها لفترة طويلة بما يكفي، فإن ما تخيله يتحقق فعلاً”. وسبق الكتاب وأخبرنا أن حياة الإنسان من صنع أفكاره «لأَنَّهُ كَمَا شَعَرَ فِي نَفْسِهِ هكَذَا هُوَ» (أمثال٢٣: ٧). قال أحدهم “ازرع فكرة تحصد عملاً، وازرع عملاً تحصد عادة، وازرع عادة تحصد مصيرًا”. أفكارك تؤثر على أحاسيسك وسلوكك وقراراتك؛ فحياتك تتحدَّد وتتشكل حسب أفكارك.
وصايا مرتبطة بحراسة باب الذهنلا تنبهر بالأفكار التي تبدو براقة، ولا تنخدع بالأفكار التي تبدو بريئة، ولا تتردد في الاستعانة بالخبير المتخصص في فحص الأفكار؛ وهو الرب، الذي يفهم فكرك من بعيد، ويعرف كيف يفحص الفكر، ويتأكد من صحته. كما أن الرب يسمع لك حين تلتمس منه أن تكون أفكارك مرضية أمامه »لِتَكُنْ أَقْوَالُ فَمِي وَفِكْرُ قَلْبِي مَرْضِيَّةً أَمَامَكَ يَا رَبُّ، صَخْرَتِي وَوَلِيِّي« (مزمور١٩: ١٤).
تذكَّر أن الصراع عند الباب قد يكون شديدًا ومُجهدًا، لا تفشل أو تيأس، بل منطِق ذهنك بالحق كي لا تستسلم لأفكار تسلب أو تخرب أو تستنزف ما لديك.
قد تسمع نصيحة من الناس بقراءة كتب تساعدك على التفكير الإيجابي وتختبر تأثيره، لكني أنصحك أن تقرأ بالأولى الكتاب المقدس وتتأمل في أقوال الله الحية والفعالة، الصالحة النقية الثابتة إلى الأبد. تغذى عليها كثيرًا حتى يتشبَّع كيانك بالمكتوب، فيجري في عروقك وتصطبغ به أفكار قلبك. لا يوجد ضمان لكفاءة الحراسة على أبواب قلعة نفس الإنسان أعظم من التأمل اليومي في أقوال الله.
في هذِهِ افْتَكِرُوالن أجد أعظم من هذه الروشتة الإلهية الثمينة التي تضمن لك حياة راقية ونقية ومثمرة، وهي التي وردت في فيلبي٤ «أَخِيرًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ كُلُّ مَا هُوَ حَقٌّ، كُلُّ مَا هُوَ جَلِيلٌ، كُلُّ مَا هُوَ عَادِلٌ، كُلُّ مَا هُوَ طَاهِرٌ، كُلُّ مَا هُوَ مُسِرٌّ، كُلُّ مَا صِيتُهُ حَسَنٌ، إِنْ كَانَتْ فَضِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ مَدْحٌ، فَفِي هذِهِ افْتَكِرُوا. » (فيلبي ٤: ٨). إن شغلت تفكيرك بهذه الأمور الثمينة الجليلة، ستتحرر من عادات سيئة وسلوكيات خاطئة، بل أنك ستختبر المحبة الكاملة للآخرين رغم أي إساءة تصدر منهم، وتتعلم أن تكون حليمًا رغم كل ما يثير الغضب، وتتذوق طعم الفرح في الرب كل حين رغم كثرة دواعي الكدر، وتختبر سلامه الذي يفوق كل عقل رغم كل دواعي الخوف ومسببات القلق. لكن مدى تأثير هذه الروشته الرائعة ليس فقط على المشاعر كالمحبة والفرح والسلام وطول الأناة، بل إنها تؤثر أيضًا على الأفعال؛ فتفعل الصلاح وتسلك بالتعفف وتتعامل مع الآخرين بوداعة ولطف. لكن ما هو أروع مما سبق من تأثيرات هو ما يتعلق بعلاقتك بالرب؛ إذ تنمو في النعمة وفي معرفة الرب بكل صفاته العظيمة وأعماله المجيدة، فتعبده وتخدمه من كل قلبك.