مثل مصري يُقال للدلالة على قرب انتهاء شيء ما، غالبًا ما يكون مُتعِبًا، واقتراب نهايته المفرحة. فهو يُقال لمسافر أنهكه السفر وقارَب على وصول الوطن حيث يقابل الأهل والأحباء، أو لمتسابق يقترب من نقطة النهاية لينال الجائزة. وحسنٌ أن يُقال لطالب اجتهد في دراسة لسنة طويلة اقتربت نهايتها التي ينتظر فيها نجاحًا يُسر قلبه، لكنها بالطبع لا يحب أن يسمعه طالب أهمل السنة كلها ويرعبه يوم الامتحان.
والحقيقة التي نلمحها اليوم من كل ما يحدث حولنا أنه قد “فات القليل وما بقي إلا القليل”، الأمر الذي يذكره الرسول بولس «فَأَقُولُ هذَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ: الْوَقْتُ مُنْذُ الآنَ مُقَصَّرٌ (أي يقصر يومًا بعد يوم-أي ما بقى إلا القليل)، لِكَيْ يَكُون... وَالَّذِينَ يَشْتَرُونَ كَأَنَّهُمْ لاَ يَمْلِكُونَ، وَالَّذِينَ يَسْتَعْمِلُونَ هذَا الْعَالَمَ كَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَعْمِلُونَهُ. لأَنَّ هَيْئَةَ هذَا الْعَالَمِ تَزُولُ» (١كورنثوس٧: ٢٩-٣١). فالعالم مقتربٌ من نهايته، كل يوم يقرِّب هذه النهاية التي فيها يزول هذا العالم بكل صوره من مباهج ولمعان وفخامة ومبادئ، لذلك فهو ينصحنا أن نتعامل مع العالم كما لو كنا نستعمله مجرد استعمال عابر دون أن تتعلق قلوبنا به.
وفي سياق آخر يخاطب المؤمنين «هذَا وَإِنَّكُمْ عَارِفُونَ الْوَقْتَ... إِنَّ خَلاَصَنَا الآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا. قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَارُ». إنها حقيقة منطقية أن كل خطوة تقربنا من الوطن السماوي خطوة، وأن ظُلمة هذا العالم في طريقها للنهاية بمجيء الرب يسوع كوكب الصبح المنير؛ لذلك يحرضنا «أَنَّهَا الآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ مِنَ النَّوْمِ... فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ. لِنَسْلُكْ بِلِيَاقَةٍ كَمَا فِي النَّهَارِ: لاَ بِالْبَطَرِ وَالسُّكْرِ، لاَ بِالْمَضَاجعِ وَالْعَهَرِ، لاَ بِالْخِصَامِ وَالْحَسَدِ. بَلِ الْبَسُوا الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ، وَلاَ تَصْنَعُوا تَدْبِيرًا لِلْجَسَدِ لأَجْلِ الشَّهَوَاتِ» (رومية١٣: ١١-١٤).
كذلك الرسول بطرس يحرِّضنا «وَإِنَّمَا نِهَايَةُ كُلِّ شَيْءٍ قَدِ اقْتَرَبَتْ، فَتَعَقَّلُوا وَاصْحُوا لِلصَّلَوَاتِ» (١بطرس٤: ٧)، فليتنا نفعل!
بقي تحذير لا بد منه لغير المستعدين. ففي مَثَل العشر عذارى إذ نقرأ «نَعَسْنَ جَمِيعُهُنَّ وَنِمْنَ. فَفِي نِصْفِ اللَّيْلِ صَارَ صُرَاخٌ: هُوَذَا الْعَرِيسُ مُقْبِلٌ، فَاخْرُجْنَ لِلِقَائِهِ!» ذات الصراخ الذي يكرِّره الروح القدس لنا اليوم. لكن غير المستعدات، إذ أتين متأخرات سمعن القول: «إِنِّي مَا أَعْرِفُكُنَّ»؛ لذلك يحذر الرب مثل هؤلاء قائلاً «فَاسْهَرُوا (أي كونوا مستعدين بقبول المسيح المخلِّص بالإيمان) إِذًا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْرِفُونَ الْيَوْمَ وَلاَ السَّاعَةَ الَّتِي يَأْتِي فِيهَا ابْنُ الإِنْسَانِ» (متى٢٥: ١-١٣).
ليتك قارئي تكون من المستعدين الذين إذ يسمعون قول الرب «نَعَمْ! أَنَا آتِي سَرِيعًا». يتجاوبون بالقول «آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ» (رؤيا٢٢: ٢٠).