أيامنا ظل


يذكر لنا الكتاب المقدس معجزتين متعلقتين بالوقت؛ الأولى في يشوع١٠ عندما دامت الشمس ليوم كامل حتى هزم يشوع والشعب أعداءهم. والثانية في ملوك الثاني٢١ عندما رجع الظل ١٠ درجات إلى الوراء بدرجات أحاز معطيًا الرب بذلك علامة للملك حزقيا أن الرب أضاف لعمره ١٥ سنة. من فضلك أرجع للفصول الكتابية واقرأ القصتين.

ولنا في هاتين المعجزتين درسان هامان:

يوم القضاء ويوم النعمة

كانت محاربة يشوع لملوك الأموريين الخمسة (يشوع١٠) بمثابة قضاء إلهي على تلك الشعوب التي اكتمل مكيال أثمهم في ذلك التوقيت بالذات (راجع تكوين١٥: ١٢-١٧). فالله عادل لا بد وأن يحكم على الشر، وهو له الحق في ذلك باعتباره الحاكم الأعلى «إِنْ رَأَيْتَ ظُلْمَ الْفَقِيرِ وَنَزْعَ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ فِي الْبِلاَدِ، فَلاَ تَرْتَعْ مِنَ الأَمْرِ، لأَنَّ فَوْقَ الْعَالِي عَالِيًا يُلاَحِظُ، وَالأَعْلَى فَوْقَهُمَا» (جامعة٥: ٨). وفيها نرى رحمته وصلاحه، إذ يخلِّص البشرية من شرور الأشرار التي - إذا تُرِكَت - ستفسد كل البشر.

لكن لنتعلم منها أن الله منتقم من الشر «لِيَ النَّقْمَةُ وَالْجَزَاءُ. فِي وَقْتٍ تَزِلُّ أَقْدَامُهُمْ. إِنَّ يَوْمَ هَلاَكِهِمْ قَرِيبٌ وَالْمُهَيَّآتُ لَهُمْ مُسْرِعَةٌ» (تثنية٣٢: ٣٥). وهذا ما يخبرنا به الكتاب المقدس أن هناك يوم قادم هو يوم الغضب «وَلكِنَّكَ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ التَّائِبِ، تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَبًا فِي يَوْمِ الْغَضَبِ وَاسْتِعْلاَنِ دَيْنُونَةِ اللهِ الْعَادِلَةِ» (رومية٢: ٥)، ودينونته هي الموت الأبدي. عزيزي القارئ هل سيواجهك الغضب بسبب خطاياك؟! أم ستنجو؟! إن رجعت لله الآن بتوبة حقيقية واحتميت بالمسيح ستنجو من الغضب «رَجَعْتُمْ إِلَى اللهِ... تَنْتَظِرُوا ابْنَهُ مِنَ السَّمَاءِ، الَّذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، يَسُوعَ، الَّذِي يُنْقِذُنَا مِنَ الْغَضَبِ الآتِي» (١تسالونيكي١: ٩، ١٠).

أطال الله الوقت ليوم كامل كي يتمِّم قضاءه، لكن ما أعجب محبته إذ اطال يوم النعمة لأكثر من ألفي سنه ولم يغلق الباب حتى الآن لأنه «لاَ يَشَاءُ أَنْ يَهْلِكَ أُنَاسٌ، بَلْ أَنْ يُقْبِلَ الْجَمِيعُ إِلَى التَّوْبَةِ» (٢بطرس٣: ٩).

هل وصلت يا صديقي لهذه القناعة أن الله أطال عمرك كي يعطيك فرصة للتوبة. اغتنم أعظم فرصة، فرصة النعمة.

الحياة لا تُقاس بطولها

حزن الملك حزقيا جدًا لأن الله أبلغه أنه سيموت وهو في نصف أيامه، ٣٩ سنة (قارن ٢ملوك١٨: ٢ مع ٢٠: ٦). كان هذا مؤلمًا جدًا له خاصة أن طول العمر - بالنسبة لمؤمني العهد القديم - واحدة من البركات وعلامات الرضا الإِلهِي. لذا بكى أمام الرب وصلى فاستجاب الرب بمعجزة ظل درجات أحاز.

ربما كانت “درجات آحاز” هذه نوعًا من الساعات الشمسية أو المزولة، وهي أول ساعة اخترعها الإنسان لمعرفة الوقت، حيث يقع ضوء الشمس على عمود مبني بشكل رأسي وسط عدد من الدرجات أو السلالم فيغطى ظل العمود عددًا من الدرجات يتناسب مع ضوء الشمس عاليًا كان أم منخفضا.

كان الطبيعي أن يسير الظل للأمام، درجه درجه، أما أن يسير الظل للأمام ١٠ درجات مره واحدة فهذه معجزة، وأن يرجع للخلف ١٠ درجات مرة واحدة فهذه معجزة أعجب! ولعل هذا هو السبب الذي جعل حزقيا يختار رجوع الظل كعلامة على تأكيد كلام الرب له. وكانت هذه أعجوبة سألها عنه رؤساء بابل (٢أخبار٣٢: ٣١).

أليس في هذا الظل صورة لحياتنا عزيزي القارئ؟! هذا ما يقوله الكتاب المقدس وأدركه جيدًا رجال الله، كأيوب وداود «لأَنَّ أَيَّامَنَا عَلَى الأَرْضِ ظِلٌّ» (أيوب٨: ٩؛ ١٤: ٢؛ ١أخبار٢٩: ١٥)، «أَيَّامُهُ مِثْلُ ظِلّ عَابِرٍ» (مزمور١٤٤: ٤).

هذا لا يعني عزيزي - على الأطلاق - أن حياة الإنسان تافهة أو لا قيمة لها. هذا ما يريده الشيطان بالضبط أن يحقِّر من الحياة ويقلِّل من قيمة الأيام والعمر. هذه ليست حقيقة. ارفضها بكل إصرار.

كل الذين اعتنقوا مبادئ إِلحادية في قضية الوجود ونشأة الأنسان، إنما حقَّروا من الإنسان ومن الحياة ومن قيمة العمر.

أما الكتاب المقدس فيخبرنا أن الإنسان مخلوق فريد، لأنه مخلوق على صورة الله وشبهه. وقد علّمنا أنه: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُحِبَّ الْحَيَاةَ وَيَرَى أَيَّامًا صَالِحَةً، فَلْيَكْفُفْ لِسَانَهُ عَنِ الشَّرِّ وَشَفَتَيْهِ أَنْ تَتَكَلَّمَا بِالْمَكْرِ» (١بطرس٣: ١٠). والعمر هو هبة من الله «مَنَحْتَنِي حَيَاةً وَرَحْمَةً، وَحَفِظَتْ عِنَايَتُكَ رُوحِي» (أيوب١٠: ١٢).

وإن كان الكتاب يقول لنا أن “أيامنا ظل” فهو لا يريدنا بذلك أن نقلِّل من قيمتها، بل بالحري أن نفهم حقيقتها. الأيام تأتي، كالظل الذي يتكون عندما يقع الضوء على جسم، ثم تمضي وتزول، لا تدوم ولا تُقاس بالطول.

أطال الله عمر حزقيا الملك التقي، والذي عمل مع الرب في شبابه وأنجز الكثير في وقت قصير، ولم تكن هذه الخمس عشرة سنة “الإضافية” التي عاشها هي الأفضل في حياته، بل بالعكس ففيها ارتفع قلبه «فِي تِلْكَ الأَيَّامِ مَرِضَ حَزَقِيَّا إِلَى حَدِّ الْمَوْتِ وَصَلَّى إِلَى الرَّبِّ فَكَلَّمَهُ وَأَعْطَاهُ عَلاَمَةً وَلكِنْ لَمْ يَرُدَّ حَزَقِيَّا حَسْبَمَا أُنْعِمَ عَلَيْهِ لأَنَّ قَلْبَهُ ارْتَفَعَ، فَكَانَ غَضَبٌ عَلَيْهِ وَعَلَى يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ» (٢أخبار٣٢: ٢٤، ٢٥). ولنا في هذا درس عظيم، وهو أن الحياة لن تكون أفضل بمزيد من الأيام، بل بالعكس الأيام - طالت أو قصرت - ستكون أفضل بمزيد من الحياة فيها. ليس المزيد من الفرص سيجعلنا أفضل من ذي قبل، بل استغلال الفرص المتاحة سيجعل الأيام أفضل.

أتمنى لك ولي المزيد من الأيام، وأتمنى بالأكثر مزيدًا من الحياة في مشيئة الله