الاستماع أفضل

انتشرت هذه الأيام بعض الكلمات والمصطلحات الغريبه في مجتمعاتنا يتداولها الكثيرون في أحاديثهم مثل: “نَفَضّ له”، “وكبَّر دماغك” - وغيرها من الكلمات غير الراقيه، والتي تدل بطريقةٍ صارخه على شيء واحد، وهو عدم الرغبه في الاستماع لما يقوله الأخر!! بل وأحيانًا عدم الرغبة للاستماع لما يقوله الله!!

أن كلمة الله تشجعنا على هذه الفضيله - أقصد فضيلة الاستماع - بالقول «لِيَكُنْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُسْرِعًا فِي الاسْتِمَاعِ، مُبْطِئًا فِي التَّكَلُّمِ، مُبْطِئًا فِي الْغَضَبِ» (يعقوب١: ١٩).

الاستماع فضيلة جميلة

ما أجمل الاستماع لله، وكذا الإنصات لمن حولنا عندما يتحدثون إلينا.

١. ما أروع ربنا يسوع المسيح في استماعه للآب، استمع معي لما يقوله عن نفسه «يُوقِظُ كُلَّ صَبَاحٍ لِي أُذُنًا، لأَسْمَعَ كَالْمُتَعَلِّمِينَ. السَّيِّدُ الرَّبُّ فَتَحَ لِي أُذُنًا وَأَنَا لَمْ أُعَانِدْ» (إشعياء٥٠: ٤، ٥).

٢. وما أعظم إلهنا وهو يستمع إلينا كما يتغنى صاحب المزمور «اِنْتِظَارًا انْتَظَرْتُ الرَّبَّ، فَمَالَ إِلَيَّ وَسَمِعَ صُرَاخِي» (مزمور٤٠: ١)، وأيضًا «هذَا الْمِسْكِينُ صَرَخَ، وَالرَّبُّ اسْتَمَعَهُ» (مزمور٣٤: ٦). إنه لأمر مشجع ومنعش لقلوبنا أنَّ الله بنفسه يستمع إلينا ويتجاوب مع شكوانا.

٣. إنه أيضًًا أمر ٌمنعش للمتألم أن يجد من يستمع إليه وهو يشكو بما يجيش بداخله، فلقد قال أيوب «لأَنِّي أَنْقَذْتُ الْمِسْكِينَ الْمُسْتَغِيثَ وَالْيَتِيمَ وَلاَ مُعِينَ لَهُ» (أيوب٢٩: ١٢). وكم يكسر قلوب الوالدين الذين لا يجدوا من أولادهم آذانًا تصغي إليهم، فأراهم بكسرة قلب يقولان «ابْنُنَا هذَا مُعَانِدٌ وَمَارِدٌ لاَ يَسْمَعُ لِقَوْلِنَا» (تثنيه٢١: ٢٠).

أصلي أن يزرع الرب فينا هذه الفضيله الجميله، أقصد الاستماع والإنصات للرب أولاً، وأيضا لمن حولنا فنسمعهم بتقدير واحترام!!

الاستماع لأقوال الله وأهميتها

إنه لأمر مبارك أن يتعوَّد القلب للانتباه لما يقوله الرب، ويا للدمار الهائل الذي يلحق بمن يحوِّل أذنه عن الاستماع لما يقوله الرب!

١. الاستماع أفضل من تقديم الذبيحة: ظَنَّ شاول، الملك المارد، أنه بالإمكان أن يتهرب مما يريده الرب في مقابل أن يقدِّم لله بعض الذبائح. لكن الرب أرسل له موبخًا إياه بالقولً «هُوَذَا الاستماع أَفْضَلُ مِنَ الذَّبِيحَةِ، وَالإِصْغَاءُ أَفْضَلُ مِنْ شَحْمِ الْكِبَاشِ» (١صموئيل١٥: ٢٢).

٢. الاستماع مع الطاعه لصوت الرب يعطي صاحبه الأمان والطمان: وهذا ما يقرِّره الرب «أَمَّا الْمُسْتَمِعُ لِي فَيَسْكُنُ آمِنًا، وَيَسْتَرِيحُ مِنْ خَوْفِ الشَّرِّ» (أمثال١: ٣٣).

٣. الاستماع للرب يجلب البركات لصاحبه: قال الرب لإبراهيم «أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً، وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيرًا... وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي» (تكوين٢٢: ١٧، ١٨).

٤. ما أخطر الأضرار الرهيبة التي يجنيها كل من يُصرّ على عدم الاستماع لأقوال ووصايا ونصائح الرب إلهنا: أذكر أمرين فقط على سبيل المثال. الأمر الأول هو عدم إستجابة صلاته «مَنْ يُحَوِّلُ أُذْنَهُ عَنْ سَمَاعِ الشَّرِيعَةِ، فَصَلاَتُهُ أَيْضًا مَكْرَهَةٌ« (أمثال٢٨: ٩). والأمر الثاني هو الهلاك والضياع، فيقول الرب للمعاندين «لأَنِّي دَعَوْتُ فَأَبَيْتُمْ، وَمَدَدْتُ يَدِي وَلَيْسَ مَنْ يُبَالِي، بَلْ رَفَضْتُمْ كُلَّ مَشُورَتِي، وَلَمْ تَرْضَوْا تَوْبِيخِي، فَأَنَا أَيْضًا أَضْحَكُ عِنْدَ بَلِيَّتِكُمْ. أَشْمَتُ عِنْدَ مَجِيءِ خَوْفِكُمْ» (أمثال١: ٢٤-٢٦).

هل تصلي معي للرب ذات الصلاة البسيطه التي قالها الصبي صموئيل «تَكَلَّمْ لأَنَّ عَبْدَكَ سَامِعٌ» (١صموئيل٣: ١٠)، وطبعا ليس سامعا فقط بل عاملاً بالكلمه.

الاستماع للنصيحة الحكيمة

من منا لا يحتاج إلى النصيحه والإرشاد والتحذير، فالخلاص بكثرة المشيرين كما تقول كلمة الله، والاستماع للنصيحه من شيم العظماء. إننا نحتاج إلى نصيحة الوالدين، ونحتاج أيضا ًإلى مشورة المعلمين والشيوخ في كنيسة الله.

١. جاء حمو موسي لزيارته ورأى موسى يستمع لشكوى كل الشعب، فقدم له نصيحة ًأن يُعيِّن مساعدين له، فيقول الكتاب «فَسَمِعَ مُوسَى لِصَوْتِ حَمِيهِ وَفَعَلَ كُلَّ مَا قَالَ» (خروج١٨: ٢٤)، فلم يتكبر موسي بل أصغى إلى النصيحه.

٢. ما أجمل البركات التي يتمتع بها سامع نصيحة والديه، اقرأ معي سفر الأمثال والأصحاح الخامس لتجد سليمان يقدِّم لبنيه نصيحةً خطيره وهامه بخصوص العلاقات الجنسية الآثمة «وَالآنَ أَيُّهَا الْبَنُونَ اسْمَعُوا لِي، وَلاَ تَرْتَدُّوا عَنْ كَلِمَاتِ فَمِي. أَبْعِدْ طَرِيقَكَ عَنْهَا، وَلاَ تَقْرَبْ إِلَى بَابِ بَيْتِهَا، لِئَلاَّ تُعْطِيَ زَهْرَكَ لآخَرِينَ، وَسِنِينَكَ لِلْقَاسِي.» (أمثال٥: ٧-٩).

٣. وفي ذات الأصحاح نقرأ عن الأهوال الجسدية والنفسية لرافض النصيحة، فيقول «فَتَنُوحَ فِي أَوَاخِرِكَ، عِنْدَ فَنَاءِ لَحْمِكَ وَجِسْمِكَ... (والسبب:) لم أَسْمَعْ لِصَوْتِ مُرْشِدِيَّ، وَلَمْ أَمِلْ أُذُنِي إِلَى مُعَلِّمِيَّ» (أمثال٥: ١١، ١٣).

أخوتي الأحباء.. ونحن نعيش وسط عالم متمرد لا يسمع لأقوال الله ولا يُصغي إلى نصيحة العقلاء، دعونا نتعلم تلك الفضيله: فضيلة الاستماع؛ فنصغي لأقوال إلهنا بكل تقدير ووقار، وننصت إلى من يتحدث إلينا ممن حولنا، سواء كانوا هم مُحتاجينً إلينا أو كنا نحن في احتياج إليهم.

ولاننسي القول الذهبي «لِيَكُنْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُسْرِعًا فِي الاسْتِمَاعِ، مُبْطِئًا فِي التَّكَلُّمِ، مُبْطِئًا فِي الْغَضَبِ» (يعقوب١: ١٩).