مريم أخت لعازر

مريم فتاة يهودية، كانت تسكن قرية بيت عنيا، أخت مرثا ولعازر، ميزها جلوسها الكثير عند قدمي الرب، وهي التي سكبت الطيب على رأس الرب، ودهنت قدميه بالطيب ومسحتهما بشعر رأسها قبل ذهابه للصليب بيومين، وجاء ذكرها في الأناجيل الأربعة، ولا نجدها عند الصليب أو القبر، ونجد عدة أمور مرتبطة بها:

١. مريم من قرية بيت عنيا

بيت عنيا قرية قريبة من أورشليم نحو خمس عشرة غلوة (يوحنا١١: ١٨، حوالي ٣ كيلومترات)، تقع على منحدر جبل الزيتون الشرقي، وذهب الرب يسوع كثيرًا لبيت عنيا، لأنه وجد في هذه العائلة ترحيبًا وقلوبًا تحبة وتكريسًا حقيقيًا له.

بيت عنيا معناها “بيت العناء”، وهي رمز للعالم الذي نعيش فيه، المملوء بالتعب (انظر مزمور٩٠: ١٠؛ أيوب١٤: ١).

في بيت عنيا حدثت مشاكل بين الأختين، فعندما جلست مريم عند قدمي يسوع، كانت مرثا «مُرْتَبِكَةً فِي خِدْمَةٍ كَثِيرَةٍ. فَوَقَفَتْ وَقَالَتْ: “يَارَبُّ، أَمَا تُبَالِي بِأَنَّ أُخْتِي قَدْ تَرَكَتْنِي أَخْدُمُ وَحْدِي؟ فَقُلْ لَهَا أَنْ تُعِينَنِي!”». قد تنشأ المشاكل ونحن في هذا العالم لأسباب تافهه، لكن السبب الرئيسي هو الذات البغيضة التي فينا، والتي تبغي الظهور، وتُخرج الغيرة والحسد. ومرات نشعر بعدم التقدير والإهتمام من الآخرين، وأيضًا نتوقع أشياء معينة منهم في ساعات الإحتياج ولا نجدهم. لكن الكتاب يُعلمنا: «اسْلُكُوا بِالرُّوحِ فَلاَ تُكَمِّلُوا شَهْوَةَ الْجَسَدِ» (غلاطية٥: ١٦؛ انظر ٢تيموثاوس٢: ٢٤).

في بيت عنيا مرض لعازر، والمرض يسبب الضعف والألم، لكن يجب أن نثق في قدرة الرب على الشفاء وأيضًا محبته لنا.

في بيت عنيا نجد الموت الذي دخل نتيجة خطية الإنسان (رومية٥: ١٢)، وأيضًا الحزن والدموع حيث بكت مريم ومن معها، بل إن الرب يسوع بكى هناك.

إن كان العالم الذي نعيش فيه مملوء بالتعب والمشاكل والمرض والموت والحزن والدموع، لكن كفايتنا في الرب الذي فيه سداد لكل الإحتياجات، فعنده نجد الراحة (مرقس٦: ٣١)، وحل لكل المشاكل (مزمور٥٠: ١٥)، وهو الطبيب الشافي (مزمور١٠٣: ٣)، وهو معطي الحياة (يوحنا١٠: ١٠)، والمُعزّي والمشجِّع (متى٥: ٤).

٢. مريم جلست عند قدمي يسوع

دخل الرب يسوع وتلاميذه إلى قرية بيت عنيا، فقبلته امرأة اسمها مرثا في بيتها، فجاءت مريم وجلست عند قدميه وكانت تسمع كلامه.

كانت مرثا صاحبة البيت، وعلى الأرجح زوجها هو سمعان الأبرص (متى٢٦: ٦؛ مرقس١٤: ٣)، وقد شفاه الرب (مرقس١: ٤٠)، وبعد فترة مات. وبالتالي كان لها الحق أن تقبل من تشاء في بيتها، فرحبت بالرب وأرادت أن تكرمه بعمل وليمة له مع تلاميذه. لكن مريم انتهزت الفرصة الذهبية لكي تجلس عند قدمي يسوع. فعند قدمي الرب متعة خاصة، ومذاق حلو، للشبع به هو شخصيًا، والتعلم من أقواله.

كان التلميذ قديمًا يجلس عند قدمي معلمه، فعلى سبيل المثال تربى شاول الطرسوسي عند رجلي غمالائيل معلم الناموس (أعمال٢٢: ٣).

نحتاج يوميًا للجلوس عند قدمي الرب، تاركين مشغوليات الحياة اليومية وارتباكاتها، قال موسى عن الرب: «أَحَبَّ الشَّعْبَ... وَهُمْ جَالِسُونَ عِنْدَ قَدَمِكَ يَتَقَبَّلُونَ مِنْ أَقْوَالِكَ» (تثنية٣٣: ٣)، قالت العروس «تَحْتَ ظِلِّهِ اشْتَهَيْتُ أَنْ أَجْلِسَ، وَثَمَرَتُهُ حُلْوَةٌ لِحَلْقِي» (نشيد١: ٧؛ ٢: ٣)، وقال داود: «الْمُسْتَقِيمُونَ يَجْلِسُونَ فِي حَضْرَتِكَ» (مزمور١٤٠: ١٣)، قال أندراوس والتلميذ الآخر للرب: «يَا مُعَلِّمُ، أَيْنَ تَمْكُثُ؟ فَقَالَ لَهُمَا: تَعَالَيَا وَانْظُرَا. فَأَتَيَا وَنَظَرَا أَيْنَ كَانَ يَمْكُثُ، وَمَكَثَا عِنْدَهُ ذلِكَ الْيَوْمَ» (يوحنا١: ٣٨، ٣٩).

تتحدث الأناجيل ثلاث مرات عن مريم، وفي كل مناسبة نراها عند قدمي يسوع:

أولاً: في لوقا١٠ جلست عند قدميه لتسمع كلامه، كانت تريد أن تتعلم منه وهو الكلمة الأزلي، الذي جاء ليعلن الله بكل صفاته، كانت تحب أن تسمع كلامه لتشبع به وتعرف فكره، ولقد مدحها الرب إذ قال: «فَاخْتَارَتْ مَرْيَمُ النَّصِيبَ الصَّالِحَ الَّذِي لَنْ يُنْزَعَ مِنْهَا».

ثانيًا: في يوحنا١١: ٣٢ خرت عند رجليه باكية. كان لديها مشكلة وهي موت لعازر، فعندما مرض لعازر، أرسلت الأختان للرب قائلتين: «يَاسَيِّدُ، هُوَذَا الَّذِي تُحِبُّهُ مَرِيضٌ»، فلما سمع يسوع لم يذهب مباشرة ليشفيه فلا يموت، لذلك تألمت مريم ليس فقط من موت لعازر بل أيضًا من عدم مجيء الرب. لذلك عندما جاء الرب كان لعازر في القبر، وله أربعة أيام، فقالت له: «يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ ههُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي!». لقد طرحت المشكلة عند رجليه، وسكبت آلامها وأوجاعها أمامه، واثقة أن لديه حل لكل مشكلة. وجاءت الإجابة بأمرين: أولاً: بكاء يسوع، وفي دموعه رأت محبته لهم كعائلة، وأيضًا مشاركته لهم في أحزانهم وآلامهم. ثانيًا: ذهب إلى القبر وأقام لعازر من بين الأموات، وكانت هذه من أعظم معجزات المسيح التي صنعها.

ليتنا نتعلم من مريم أنه عندما تواجهنا مشكلة، نذهب مباشرة إلى الرب ونطرحها أمامه، ونثق في محبته وحكمته، «فَلْنَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ النِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْنًا فِي حِينِهِ» (عبرانين٤: ١٦).

ثالثًا: في يوحنا١٢ دهنت قدمي يسوع بالطيب، ومسحت قدميه بشعرها. علمت مريم من جلوسها الكثير عند قدميه أنه ذاهب إلى الصليب، فأرادت أن تُكرمه، فكسرت قارورة عطر الناردين غال الثمن وسكبته على رأسه وعلى جسده ثم دهنت قدميه بالطيب ومسحتهما بشعر رأسها.

مريم في هذا المشهد تكلمنا عن السجود الحقيقي للرب حيث يفيض القلب بالكلام صالح للرب (مزمور٤٥: ١، ٢).

ليتنا نتعلم من مريم الجلوس عند قدمي الرب، لنسمع كلمته، ونطرح مشاكلنا أمامه في صلواتنا، وأيضًا نسجد عند قدميه لنكرمه ونشبع قلبه.

الشيء اللافت للنظر أنه في كل مناسبة من المناسبات الثلاثة نجد رائحة معينة، ففي لوقا١٠ كانت مرثا تعد وليمة للرب، فنجد رائحة الطعام الشهي. وفي يوحنا١١ حيث مات لعازر، نجد رائحة الموت الكريهة «قد أنتن». وفي يوحنا١٢ نجد رائحة الطِيب العطرة تملأ البيت.

في لوقا١٠ رأت مريم في الرب أنه النبي، فجلست عند قدميه لتسمع كلامه.

في يوحنا١١ رأت مريم في الرب أنه الكاهن الذي يشجع ويرثي، فذهبت لتبكي عند قدميه.

في يوحنا١٢ آمنت أنه ابن الله فسكبت الطيب وسجدت له.

في بداية حياة الرب يسوع وهو طفل أكرمه الآب بمجيء المجوس الذين «خَرُّوا وَسَجَدُوا لَهُ. ثُمَّ فَتَحُوا كُنُوزَهُمْ وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: ذَهَبًا وَلُبَانًا وَمُرًّا»، وفي نهاية حياته أكرمه الآب أيضًا بمريم التي سكبت الطيب عليه.