فهمت ؟


كثيرا ما يوجَّه إلينا هذا السؤال، الذي قد يريد سائله التأكُّد من وضوح ما قاله، أو ليؤكد على أهمية ما قاله، أو ليدعو مستمعه لمزيد من إعمال العقل، أو أحيانا لشك عند المتكلم في استيعاب المستمع.

هذا السؤال يكتسب أهميته من أن المعلم الأعظم كان حريصًا على استخدامه. فالله هو المعلم الأعظم «مَنْ مِثْلُهُ مُعَلِّمًا» (أيوب٣٦: ٢٦)، الذي يعلِّم وغرضه الأول أن يفهم المتعلم ما يريده بالضبط، وأن يتغيَّر من خلال ما يتعلمه. والله يريد ممن يسمعه أن يفهم ما يقوله، وهو يحزن عندما يجد شعبه لا يفهم (إشعياء١: ٣).

سأل المعلم، الرب يسوع، تلاميذه هذا السؤال «أَفَهِمْتُمْ هذَا كُلَّهُ؟» (متى ١٣: ٥١)، بعدما تحدث إليهم بأمثال ملكوت السماوات. قدَّم دروسًا تعليمية عميقة في صورة أمثال بسيطة، ثم سألهم «أفهمتم؟». ومرة أخرى سألهم: «أَتَفْهَمُونَ مَا قَدْ صَنَعْتُ بِكُمْ؟» (يوحنا ١٣: ١٢)، بعدما علَّمهم درسًا عمليًا عميقًا متخذًا نفسه كنموذج توضيحي (حادثة غسل الأرجل)، وإذ أراد أن يتأكد من وصول العبرة إلى نفوسهم، سأل «أتفهمون؟».

المعلم الأعظم يعلِّم بالمثال والكلام، يجدِّد الذهن ويدرِّب المتعلمين، وينتظر من تلاميذه السمع والفهم.

“الفهم”، الذي يحدِّثنا عنه الكتاب المقدس، ليس فقط وظيفة للعقل يستوعب بها قصد المتكلم من كلامه، لكنه كذلك قبول الرسالة بشكل شخصي من الله شخصيًا لي أنا بالذات.

اعتاد الناس أن يقولوا لسادتهم وقادتهم ومعلميهم “سمعا وطاعة” بغضِّ النظر عن مدى فهمهم أو قبولهم لما يتعلمون. هذا ليس منهج تلاميذ المسيح، الذي يسعى دائمًا للفهم، ومعلِّمه، مع أنه الجدير بالسمع والطاعة، إلا أنه لا يحرم تلميذه من هذه البركة أبدًا طالما كان التلميذ مجتهدًا ومطيعًا (يوحنا٧: ١٧).

الكلمة المترجمة “تلميذ” هي في الأصل من كلمة يونانية تعني “يتعلم ويفهم من خلال زيادة المعرفة والتدريب”. لذا -كتلميذ للمسيح - أحرص على أن تزداد في المعرفة والفهم، والرب هو الذي يعطيهما «لأَنَّ الرَّبَّ يُعْطِي حِكْمَةً. مِنْ فَمِهِ الْمَعْرِفَةُ وَالْفَهْمُ» (أمثال٢: ٦). وهذا ما طلبه الرسول بولس من الرب لمؤمني فيليبى وكولوسي (فيلبي ١: ٩؛ كولوسي١: ٩)، ومن الشاب المكرَّس تيموثاوس«افْهَمْ مَا أَقُولُ. فَلْيُعْطِكَ الرَّبُّ فَهْمًا فِي كُلِّ شَيْءٍ» (٢تيموثاوس٢: ٧).

لُقِّب المؤمنون الحقيقيون بالمسيح «تلاميذ» لا لأنهم كانوا فقط يسمعون ويحبون تعاليمه، بل لأنهم أولا “كانوا معه” (مرقس٣: ١٤). حفظوا كلامه، وتغيَّروا إلى صورته، وسلكوا بحسب مثاله، فدعاهم الناس «مسيحيين» (أعمال١١: ٢٦).

كل ابن لله مدعوٌ ليكون تلميذًا للمسيح، الأمر الذي يستغرق وقتًا وتدريبًا، لكنه السبيل الوحيد للحياة بحسب مشيئة الله.

لذا تعلَّم، من الكتاب المقدس، وكل الوسائل التي يستخدمها الله ليكلِّمنا. أفهم ما يريد الرب أن يقوله. سيساعدك على ذلك طالما كنت مخلصًا. عش في شركه عميقه مع الرب وامتحن نفسك دائما في طريق التلمذة للمسيح.

أريد فقط هذه المرة أن أشجعك على المزيد من التعامل مع كلمة الله، وأن يكون لديك منهجًا في ذلك، لأنه لا تلميذ بلا منهج.

كل تلميذ للمسيح لديه فصل خاص به! إن كنت تجلس عند قدمي المعلم سيعلِّمك ما يخصك وما سيحقق مشيئته الخاصة لحياتك. أملأ ذهنك وقلبك بكلمة الله وامتحن حياتك في نورها «لاَحِظْ نَفْسَكَ وَالتَّعْلِيمَ وَدَاوِمْ عَلَى ذلِكَ» (١تيموثاوس٤: ١٦).

لا شك أن الكتاب المقدس كتاب كبير في الحجم، وعميق في المضمون. ولأنه كتاب الله العظيم غير المحدود فقد نجد صعوبات في فهم أجزاء منه أمام عقولنا المحدودة. لكن لنتذكر أن الله المحب لديه دائمًا الاستعداد أن يوصِّل ما يقوله لأبسط الناس حتى للأطفال. الأمر لا يعتمد علينا فقط، بل أولاً على الله.

لذا لا تهمل جزءًا من الكتاب، وفى كل جزء تأكد أن الله أعطانا إياه ليوصِّل لنا منه رسالة. أشجِّعك أن تكتشف أشخاصًا وشخصيات وقصص لم تعرفها من قرب أو من قبل في الكتاب المقدس. حتى الأجزاء المعروفة لك، انتظر الرب ليعطيك نورًا جديدًا فيها، ليغير فيك من جديد.

التحصيل العقلي فقط ليس الهدف من دراسة كلمة الله، لكن الاجتهاد والبحث لازمان لمعرفة أفكار الله في الكتاب المقدس ومن ثم تغيير الحياة.

هنا تأتى - بحسب رأيي - أهمية أن يكون لديك منهجك الخاص في التعامل مع الكتاب المقدس والذي يمكن أن يتضمن القراءة المسلسلة بالترتيب، حفظ أجزاء من الكتاب عن ظهر قلب، دراسة شخصية بطريقة الاستذكار كما نتعامل مع مناهج الدراسة في المدارس والجامعات، دراسة باستخدام مراجع وكتب كتبها معلمين ومرشدين روحيين.

هذا المنهج يستلزم تخصيص وقت يومي للتعامل مع كلمة الله. وهذا الوقت يجب أن يتناسب مع ظروفك، فلا شك أنه يمكننا جميعنا أن نعطى وقتًا أكثر لكلمة الله في أيام معينة عن أيام أخرى، لكن لنحرص ألا يمر يوم دون أن نرتوي من ينابيع الكلمة.

ولكي تسير بشكل منهجي، ضع لنفسك أهدافًا محدَّدةً: جزء ستقرأه أو تحفظه أو تدرسه خلال فترة محددة. واجتهد أن تحقِّق الهدف. استمتع بإنجاز الهدف. ثم ضع هدفًا آخر، وكن طموحًا!

يمكنك أن تفعل ذلك بشكل فردى أو من خلال مجموعة كل منكم يشجِّع الآخر.

يمكنك أن تصيغ خطتك في دراسة الكتاب في جدول كهذا، أو تضع لنفسك طريقة أكثر ملائمة لاحتياجاتك الروحية وظروفك:

خطة ٣ شهور في دراسة الكتاب المقدس - من شهر: إلى شهر :


صباحًا

ظهرًا

مساءً

الوقت المخصص (من الساعة: إلى : )




نوع الدراسة (قراءة /حفظ/ دراسة شخصية/ قراءة كتاب أو مرجع)(الدراسة الشخصية: سفر أو موضوع أو شخصية)




الجزء الكتابي موضوع الدراسة




المصدر(المصادر) المستعملة




وتذكر دائما أن معرفة “الكتب المقدسة (أسفار الكتاب)” تحكِّم للخلاص، وأنّ «كُلُّ الْكِتَابِ... نَافِعٌ لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ» (٢تيموثاوس٣: ١٤-١٧).