الخوف وعدم الإيمان
الخوف عاطفة إنسانية أساسية، نظير الخجل مثلاً، موجود في التركيبة النفسية لكل إنسان، ويحدث كرد فعل تلقائي عند وجود سبب مخيف «الأسد قد زمجر فمن لا يخاف» عاموس 3: 8. وكما أننا لا نستطيع أن نعتبر الخجل عدم إيمان، فكذلك الخوف كعاطفة إنسانية هو في حد ذاته لايعتبر نوعاً من عدم الإيمان.
- نقرأ في عبرانيين 12: 27 «وكان المنظر كذا مخيفاً حتي قال موسي أنا مرتعب ومرتعد» فخوف موسي هنا لا يعتبر عدم إيمان. كذلك في دانيال 10: 11، 12 «ولما تكلم معي بهذا قمت مرتعداً. فقال لي لاتخف يادانيال» خوف دانيال هنا ليس ضعف إيمان لكنه فى حالتى موسى ودانيال هو رد الفعل الإنسانى الطبيعى مع جو مخيف، وفى 1كورنثوس2 :3 نقرأ «كنت عندكم فى ضعف وخوف ورعدة شديدة» والخوف طبعاً ليس عدم إيمان من الرسول بولس لكنه تفاعل النفس مع تقديره لخطورة المسئولية في الخدمة.
- الفرق بين مؤمن وآخر في حجم الخوف، هو فرق في التركيبة النفسية لكل منهما، وليس فرقاً في حجم الإيمان بين كل منهما، فأحدهما قد يخاف أكثر، ليس لأن إيمانه أقل بل لأن إستعداده للخوف أكثر. والآخر قد يكون خوفه أقل، ليس لعظمة إيمانه، بل لأن في تركيبته النفسية استعداداً أقل للتجاوب مع المخاوف. وبالتالي لانستطيع أن نقول عن الذين يخافون أكثر، إنهم أقل إيماناً من الذين يخافون أقل. ولا عن الذين يخافون أقل، إنهم أكثر إيماناً من الذين يخافون أكثر. أما استخدام الإيمان في كل منهما للتغلب علي المخاوف فيتوقف علي الحالة الروحية والشركة مع الرب وقت التعرض للخوف.
- كما أن الإيمان ليس وسيلة لتجنب الخوف، لكن الإيمان عند استخدامه يكون الوسيلة لاستحضار قوة الله للارتفاع فوق الخوف والتغلب عليه، وبالتالي فإن ضعف الإيمان، ليس دائماً، أحد أسباب الخوف، بل غالباً مايكون هو السبب الرئيسي لعدم استخدام القوة للتغلب علي الخوف.
- الرب لم ينتهر التلاميذ قط بسبب خوفهم، لكن في كل مرة كان يراهم خائفين كانت لغته معهم هي «تشجعوا أنا هو لاتخافوا» (متي 14: 27). وكان يحرضهم علي استخدام الإيمان به للتغلب علي الخوف «ثقوا. أنا هو لاتخافوا» (مرقس 6: 49). ولكنه أحياناً في الحالات التي يكون سبب الخوف فيها هو عدم الإيمان، كان ينتهر عدم إيمانهم، وليس خوفهم «مابالكم خائفين هكذا، كيف لا إيمان لكم» (مرقس 4: 40).
كيف أتعامل مع مخاوفي
توجد بعض الوسائل النفسية التي تساعدنا علي التغلب علي المخاوف منها :
*لأن مخاوفنا في خيالنا هي أضعاف ماتستدعيه الأسباب الحقيقية التي ينتج عنها الخوف لذلك فتحليل المشكلة وإظهار أنه ليس هناك مايستدعي هذا الحجم من الخوف يعتبر 90% من العلاج. فاستحضار المشكلة التي نشأ عنها الخوف والتأقلم عليها نفسياً علي انفراد في جو من الاسترخاء يساعدنا علي تحليلها.
* نحن نخاف أكثر مما نجهله لذلك فالمخاوف تقل بزيادة الخبرة في التعامل مع مسببات الخوف.
* المخاوف المَرَضِيَّة التي ترعب الشخص وتعيقه عن ممارسة حياته العادية لابد من علاج طبي لها.
وروحياً هناك بعض المبادئ التي تساعدنا علي التعامل مع المخاوف بطريقة صحية منها :
* الخوف هو أهم الاحتياجات الإنسانية النفسية التي يستخدمها الرب للدخول لنفس المؤمن لكي من خلالها يعرف كفاية الرب في بعث الاطمئنان في نفسه يوماً فيوماً، وبالتالي فليس ال مقصود بالعلاج هو القضاء علي المخاوف.
* ارتفاع مستوي المؤمن الروحي لايعني عدم مجئ المخاوف. لكن الشئ المخيف سيظل مخيفاً لغير المؤمن وأيضاً للمؤمن، لكن الحالة الروحية العالية تساعد علي استخدام الوسائل الصحيحة للارتفاع فوق المخاوف واستحضار النعمة المناسبة والكافية لهذا الظرف المخيف.
*استحضار الله إلي المشهد المخيف هو أعظم وسائل التغلب علي الخوف فمع أن موسي يقال عنه «فخاف موسي .. فهرب موسي من وجه فرعون» خروج 2: 14 و15. فقد سري الخوف في كيانه كإنسان، لكنه عندما استحضر الله إلي نفس المشهد نقرأ عنه «ترك مصر غير خائف من غضب الملك. لأنه تشدد كأنه يري من لايري» (عبرانيين11 :27).
* العيشة في محضر الله تعطي جرأة كبيرة علي المواجهة مهما كانت أسباب الخـوف . فإيليا الـــذي تميز بقـوله عن الــرب «الذي وقفت أمامه» استطاع أن يقول في مواجهته لآخاب «لم أكدر إسرائيل بل أنت وبيت أبيك» 1 ملوك 18: 18.
*استخدام الإيمان النابع عن التدريب والثقة في مَنْ هو الله يصغر جداً أسباب الخوف ويحولها إلي أمور تافهة مهما كانت كبيرة. حتي أن داود الشاب الصغير يذهب إلي جليات العملاق بعصا وكأنه كلب حقير ويخاطبه قائلاً «وأنا آتي إليك باسم رب الجنود .. هذا اليوم يحبسك الرب في يدي (مثل الحشرة التافهة الصغيرة)» 1صموئيل 17: 45 و46.
* إن كنت من المؤمنين الأكثر خوفاً من غيرهم بسبب تركيبهم النفسي فلا تَلُمْ نفسك علي ذلك، بل اعلم أن هذا يعطي مجالاً للرب ليدخل إلي حياتك بكيفية أعظم لأن احتياجك له سيكثر يوماً فيوماً وارتماءك عليه سيزداد وتعلقك به دائماً سيجعله المصدر الوحيد الذي يبدد كل مخاوفك وطالما يملأ هو مشهد حياتك وأغلب أوقاتك سيكون من حقك أن تهتف «الرب نوري وخلاصي ممن أخاف .. ممن أرتعب .. لا يخاف قلبي .. ففي ذلك ( رغم المخاوف ) أنا مطمئن .. لأنه (هذا هو السبب ) يخبئني في مظلته في يوم الشر. يسترني بستر خيمته. علي صخرة يرفعني(فوق الظروف المخيفة)» مزمور27 :1ـ5