نظراً لأهمية الدور الذي كانت الأنهار ولازالت تلعبه في حياة الشعوب فإن الأنهار والمساقي ترد في الكتاب المقدس في معاني تصويرية كثيرة، يمكننا أن نجملها تحت عنوانين رئيسيين
أولاً : النهر : صورة للبركة والإنعاش
ففي بيئة صحراوية كالتي تغلب علي منطقة الشرق الأوسط، وفي بلاد لاتنزل عليها الأمطار طوال فصل الصيف كأرض فلسطين، من الطبيعي أن تكون الأنهار شيئاً محبباً عند الناس، ولهذا ترد في صور عديدة جميلة كالآتي :
(1) نهر النعم : «ماأكرم رحمتك ياالله، فبنو البشر في ظل جناحيك يحتمون. يروون من دسم بيتك، ومن نهر نعمك تسقيهم» (مزمور 36: 7، 8). أنظر أيضاً مزمور 65: 9، 46: 4. وكلمة نعم في الآية السابقة تعني مسرات، وهي جمع للكلمة العبرية «عدن» اسم الجنة. وهذا يوضح لنا أن الله لديه مسرات يريد أن يمتع الإنسان بها. وليس من الخطأ أن يرغب الشاب في الحصول علي المسرات، لكن الخطأ الكبير والخطر أيضاً أن يسعي الشاب لأن يجد مسراته في الخطية (جامعة 11: 9).
(2) نهر البـر : «ليَجْرِ الحق كالمياه والبر كنهر دائم» (عاموس 5 :24). والرب في الآيات السابقة والآيات اللاحقة لهذه الآية في نبوة عاموس يحذرنا من مظاهر البر السطحية ومجرد الطقوس الخارجية كبديل للبر الذى فى القلب، ولقد أثبت الناموس فى العهد القديم أن بر الإنسان في منتهي الضحالة. أما أن يجري البر كنهر دائم فكان يلزم أولاً أن يموت المسيح ثم أن نؤمن به الإيمان القلبي. لقد شهد الله لبر هابيل علي أساس الذبيحة (تكوين 4: 4، عبرانيين 11: 4) وشهد الله لبر إبراهيم بسبب إيمانه (تكوين 15: 6، رومية 4: 3، 9، ...).
(3) نهر السلام : «ليتك أصغيت لوصاياي، فكان كنهر سلامك وبرّك كلجج النهر» (إشعياء 48: 18). والملفت للنظر أن هذا الأصحاح نفسه يختم بالقول «لاسلام قال الرب للأشرار». أما السلام الدائم المستقر فهو نصيب المؤمن المطيع لوصايا الرب.
(4) نهر الحكمة : «كلمات فم الإنسان مياه عميقة. نبع الحكمة نهر مندفق» (أمثال 18: 4) إن من يتعلم الحكمة من الله يكون كلامه عميقاً لاسطحياً. ويكون منعشاً للسامعين. هكذا كانت كلمات المسيح كإنسان حتي وهو في سن الشباب الناشئ «كل الذين سمعوه بهتوا من فهمه وأجوبته». والسر في ذلك كان نبع الحكمة فيه (إقرأ لوقا 2: 04-25). ليتنا نتعلم منه.
(5) نهر الكلمة : «طوبي للرجل الذي .. في ناموس الرب مسرته، وفي ناموسه يلهج نهاراً وليلاً. فيكون كشجرة مغروسة عند مجاري المياه تعطي ثمرها في أوانه وورقها لايذبل» (مزمور 1: 1-3). ماأجمل منظر الشجرة عند مجاري المياه، هكذا يكون منظر الشاب القريب من كلمة الله «بم يزكي (ينظف) الشاب طريقه؟ بحفظه إياه حسب كلامك» (مزمور 119: 9).
(6) نهر الروح القدس : «إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب. من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي. قال هذا عن الروح القدس» (يوحنا 7: 37-39). وإذا كانت كلمة الله، كما رأينا الآن، تشبّه بالمياه التي تغسل وتنظف (يوحنا 15: 3، أفسس 5: 26)، فإن الروح القدس يشبه بالمياه التي تروي وتنعش.
(7) نهر الحياة : «وأراني نهراً صافياً من ماء حياة لامعاً كبلّور خارجاً من عرش الله» (رؤيا 22:1) هذا هو النهر الروحي العجيب، نهر الحياة الذي في وسط فردوس الله. ولأنه لامع كبلّور فهو صورة للحياة الأفضل التي سنتمتع بها علي الوجه الأكمل في السماء عن قريب. ماأروع هذه الصور السباعية الجميلة للنهر في الكتاب المقدس. إنه يحدثنا عن النعم في إنعاشه، وعن البر في دوامه، وعن السلام في هدوئه، وعن الحكمة في عمقه، وعن الكلمة في فعله، وعن الروح القدس في جريانه، وعن الحياة في صفائه !!
ثانياً : النهر : صورة للمصائب والغضب فمع أن الأنهار سبب بركة للبشر، لكن كم من المرات حدثت الفيضانات فكسحت من أمامها كل شئ، ودمرت كل صور الحياة. والكتاب المقدس يصور لنا النهر في هذه الصفة أيضاً.
(1) النهر صورة للعدو المكتسح «عندما يأتي العدو كنهر فنفخة الرب تدفعه» (إشعياء 59: 19) أنظر أيضاً أشعياء 8: 7و8، رؤيا 12: 15و16.
(2) النهر صورة للاضطهادات والتجارب «فكل من يسمع أقوالي هذه ويعمل بها أشبهه برجل عاقل بني بيته علي الصخر فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبت الرياح ووقعت علي ذلك البيت فلم يسقط لأنه كان مؤسساً علي الصخر. وكل من يسمع أقوالي هذه ولايعمل بها يشبّه برجل جاهل بني بيته علي الرمل. فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبت الرياح وصدمت ذلك البيت فسقط. وكان سقوطه عظيماً» (متي 7: 24-27).
تري أياً من الرجلين أنت تشبه أيها القارئ العزيز ؟!