هل تناسب تعاليم الكتاب المقدس عصرنا الحاضر؟. أحياناً أشعر انها مثالية أكثر من اللازم. فمثلاً كيف أستطيع فى عصر الوحوش هذا أن أطيع قول الكتاب: مَنْ لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر أيضاً؟
أعتقد أنك شعرت بهذا الشعور لأنك ربما تعرضت لموقف ما فى مدرستك أو شارعك أو فى محيط عائلتك كنت فيه هدفاً للإيذاء من أحد الأشرار. وربما ساعتها احمَّر وجهك وزادت ضربات قلبك وملأ الدم عروقك وشعرت برغبة عارمة فى الانتقام ورَّد الأذى بضعفه. وربما تمنيت لحظتها أيضاً أن يكون تعليم الكتاب المقدس هو هكذا «مَنْ لطمك على خدك الأيمن فالطمه على الأيمن والأيسر أيضاً». ولك أن تتخيل لو كان هذا التعليم موجوداً، ماذا كنت ستفعل بهذا الشخص؟ أعتقد أنك كنت ستنقلب إلى وحش آخر يُضاف إلى وحوش هذا العصر. وبذلك يساهم الكتاب المقدس فى صُنع الوحشية التى تميز عصرنا الحاضر. لكن بالطبع حاشا للكتاب المقدس أن يعلِّم مثل هذا التعليم الشرير. واعلم ياصديقى أن المسيح جاء إلى العالم لا ليصنع وحوشاً يضيفها لملايين الوحوش الموجودة، بل لكى يصنع من هؤلاء الوحوش حملاناً يرسلها وسط ذئاب هذا العالم لكى تُظهر بوداعتها وحشية العالم، وبطهارتها نجاسة العالم، وبمحبتها بُغضة العالم.
وقد تتساءل قائلاً: وكيف تعيش الحملان وسط الذئاب؟ أجيبك قائلاً: انها ستعيش وستنتصر وستتمم رسالتها لأنها ليست متروكة بلا راعِ، إذ لها راعى الخراف العظيم القادر على سحق وتحطيم أقوى الذئاب. والآن لك أن تختار ماتحب أن تكونه: وحشاً نهايته مع الوحوش فى جهنم النار، أم حملاً فى وسط الذئاب لكن تحت رعاية راعى الخراف العظيم والنهاية بيت الآب فى السماء.
المعنى:
لكن دعنى الآن أوضح لك معنى هذه العبارة. ولاحظ أنك أخطأت خطأً شائعاً إذ أهملت النصف الأول منها. فالعبارة وردت هكذا «لاتقاوموا الشر، بل مَنْ لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر أيضاً» (متى5 :39). وربما لو قرأت الأصحاح الخامس من انجيل متى وخاصة الأعداد من38-48 سيصبح الفهم أسهل. بالطبع لايقصد الرب المعنى الحرفى لهذا الكلام لسبب بسيط، وهو أن الرب نفسه تعرَّض لهذا الموقف حين لطمه أحد خدام رئيس الكهنة فلم يحوّل الآخر لكنه أجاب اجابة بالغة الروعة - اقرأ هذه الحادثة فى انجيل يوحنا 18 :1-24. إذاً فماذا كان يقصد الرب؟ إن الرب يريد أن يقول لتلاميذه: كنتم فى عصر الناموس تعاملون بعضكم البعض بصورة ناموسية خالية من النعمة. وقد كان لكم عذر فى هذا لأن الله كان يعاملكم بالناموس. لكن الآن وقد تفاضلت نعمة الله جداً وصار الله يعاملكم بالنعمة، فأقل شئ تقدمونه إزاء هذه النعمة أن تعاملوا الناس بالنعمة. ثم لقد كان الله فى زمن الناموس يطلب من الانسان، لكنه الآن فى زمن النعمة يفيض بالعطاء. لذا لايليق بتلميذ المسيح فى هذا الزمن الإصرار على التمسك بحقوقه بل ليكن مستعداً للتنازل عنها طالما أنه مغمور بالعطاء. وأخيراً يريد أن يقول وقد صفح لكم الله عن خطايا وشرور كثيرة، تعلموا الصفح والغفران، ولاتقاوموا الشر بالقضاء لأن الله الآن ينتصر على شر الانسان باللطف والإحسان، لكن سيأتى وقت قريب سيضع الله حداً للشر وسيسحق الشرير إن لم يثبت فى اللطف.
مثالية ؟ نعم.
إذاً يمكننا القول أن تعاليم الكتاب المقدس مثالية بل ومثالية جداً، ذلك لأنها تعاليم الله وحاشا لله أن تكون تعاليمه أقل من مثالية جداً. تناسب ؟ لا هل تناسب عصرنا؟ هل تناسب الناس الذين يعيشون فى عالمنا؟ الإجابة: لا. إذا فما الحل؟
الحل : شئ من اثنين
إما أن الله يخفض مستوى هذه التعاليم لتناسب ميول الناس وأهواءهم وعجزهم عن الصلاح وبالتالى يستطيعون أن يعيشوا فيها، لكن عندئذ ستُصبح تعاليم بشرية وليست تعاليم الله التى تعبر عن طبيعته وفكره ويُصبح الكتاب المقدس كتاباً من كتب البشر.
والحل الآخر هو أن يجرى الله عملاً معجزياً داخل نفس الانسان الذى يشعر بفساده وعجزه أمام هذه التعاليم ويطلب من الله الحل. ومن خلال هذا العمل يرتقى الله بتلك النفس لتتوافق مع تعاليمه المثالية. وهذا مايفعله المسيح فى كل مَنْ يأتى إليه، فليس فقط ينال غفراناً حقيقياً مجاناً لخطاياه بل يحدث تغير فى أعماقه إذ يحصل على طبيعة جديدة لها ميول مثالية ويسكن فيه روح الله القدوس الذى به يتحرر الانسان من الميول الفاسدة الشريرة. بل ويُصبح الله بكل امكانياته فى صف الانسان ضد كل ماهو شر سواء من خارج الانسان أو من داخله وعندئذ ستُصبح العيشة فى التعاليم المثالية مُيَّسرة.
والآن
مارأيك ؟؟ أى الحلين تختار ؟؟ أتمنى أن تختار الحل الثانى، وليس سوى شخص المسيح الذى يقدر أن يجعلك ذلك الانسان المثالى.