مثل عربي شهير وله صورة عامية هي: “يا فاحت البير ومغطيه لا بد من وقوعك فيه”. والمقصود بالمثل أن أولئك الذين يدبِّرون المكائد للآخرين لا بد وأن يأتي اليوم، آجلاً أو عاجلاً، ويقعون في نفس الفخ الذي نصبوه لغيرهم.
تكرَّر هذا الأمر كثيرًا في قصص الكتاب المقدس، وهي قد كُتبت لتعليمنا وإنذارنا، فيجب علينا الالتفات إلى مضمونها ودروسها.
فهل ننسى قصة هامان الرديء (سفر أستير) الذي دبَّر مكيدته الشريرة لينتقم من مردخاي الرجل التقي، فدبَّر خطة مُحكَمة لصَلب مردخاي وإبادة شعبه بالكامل؟ ورغم دقة ترتيباته المذهلة، ورغم ختم قراراتها بختم المملكة الذي لا يمكن تغييره أو نقضه، إلا أن اليوم أتى سريعًا، لا ليتم قصده، بل ليُصلَب هامان نقسه على الخشبة العملاقة التي أعدَّها ليَصلِب عليها مردخاي.
كما ما زلنا نتذكر المكيدة التي أعدَّها الوزراء الحانقون على دانيآل للتخلص منه (دانيآل٦). فدبَّروا وخطَّطوا، وبحثوا نقاط الضعف والقوة، وخرجوا بخطتهم الشنعاء. ورغم أن المشهد بدا كما لو كانوا قد نجحوا، فأُلقي دانيآل في الجب، إلا أنه لم يُصَب بضررٍ، لأن الله حفظه لتقواه. وما إلا قليل حتى دارت الدائرة عليهم وأُلقي الكائدون في نفس الحفرة التي اقترحوها والتهمتهم الأسود على التوِّ فما عاد لهم أثرٌ.
يقول الحكيم عن الأشرار إنهم «يَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَرِ طَرِيقِهِمْ، وَيَشْبَعُونَ مِنْ مُؤَامَرَاتِهِمْ» (أمثال١: ٣١)، فالقانون ثابت أن ما يزرعه الإنسان لا بد وأن يحصده أيضًا (غلاطية٦: ٧). كذلك يقول الحكيم «أَمَّا رَجُلُ الْمَكَايِدِ فَيَحْكُمُ عَلَيْهِ (من الرب). لاَ يُثَبَّتُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ» (أمثال١٢: ٢-٣). فالرب الديان العادل لا بد من أن يوقع القضاء يومًا على رجل المكايد. اسمع ما قيل أيضًا «إِنْ رَأَيْتَ ظُلْمَ الْفَقِيرِ وَنَزْعَ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ فِي الْبِلاَدِ، فَلاَ تَرْتَعْ مِنَ الأَمْرِ، لأَنَّ فَوْقَ الْعَالِي عَالِيًا يُلاَحِظُ، وَالأَعْلَى فَوْقَهُمَا (أي الله)» (جامعة٥: ٨)، وهذا الأعلى هو صاحب القرار النهائي بعد كل عمل شر الإنسان.
لذا ليتنا نتعلم ألا نكون من هذه الفئة «ذُو الْمَكَايِدِ يُشْنَأُ (يكون مكروهًا)» (أمثال١٤: ١٧).
وإن كانت المكايد تُحاك حولنا، أو لنا، فليتنا نستمع القول: «انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاصْبِرْ لَهُ، وَلاَ تَغَرْ مِنَ الَّذِي يَنْجَحُ فِي طَرِيقِهِ، مِنَ الرَّجُلِ الْمُجْرِي مَكَايِدَ» (مزمور٣٧: ٧). وقريبًا سيأتي ذاك الذي سيرسي العدل في الأرض.