في أحد مصانع النسيج، يوجد إعلان واضح يقول: “إذا تعقَّدت خيوطك أطلب رئيس العمال”. وكانوا يلفتون نظر العمال الجُدُد إلى هذا الإعلان.
وفي يوم من الأيام، تعقَّدت خيوط إحدى العاملات، فلم تُرِد إزعاج رئيس العمال، وظنَّت أن المشكلة سهلة، ويمكن أن تحلّها بنفسها. وكانت كلما حاولت فك عقدة، تعقَّدت الخيوط أكثر وزادت المشكلة. مَرَّ الوقت ولم تُفَك العُقَد، واضطرت أخيرًا أن تلجأ إلى رئيس العمال، الذي عندما حضر ورأى ما جرى، قال لها: “إنك حاولت أن تحلي الخيوط بنفسك، أليس كذلك”؟
أجابت: نعم.
فسألها: ولماذا لم تستدعني في الحال حسب التعليمات؟
فأجابته بعبوسة: لقد عملت أفضل ما يمكن أن أعمله.
فقال لها: إن أفضل ما يمكن عمله عندما تتعقد خيوطك هو: أن تطلبي رئيس العمال في الحال.
إخوتي الأعزاء: ماذا نفعل نحن أيضًا عندما تتعقد أمورنا، وتسوء ظروفنا، وتتشابك خيوطنا؟
أليس من الأفضل جدًا أن نلجأ إلى الرب إلهنا، ليحلّ مشاكلنا، بدلاً من أن نبحث عن مخرج عندنا أو عند البشر من حولنا؟! ليتنا نتعلم ونتدرب أن نطلبه كما طلبه الكثيرين من قبلنا، عندما تعقدت الخيوط وأغلقت الأبواب، ومن بين هؤلاء.
١. موسى عند فم الحيروث
لقد تعقدت الأمور جدًا، المصريون يستعبدون ويضربون العبرانيين وهم شعب موسى، لكن لم يطلب موسى الرئيس، ولم يستدعِه، ربما لأنه لا يريد أن يزعجه، فحاول أن يحل العقدة بنفسه وعندما «فَالْتَفَتَ إِلَى هُنَا وَهُنَاكَ وَرَأَى أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ، فَقَتَلَ الْمِصْرِيَّ وَطَمَرَهُ فِي الرَّمْلِ». وفي اليوم التالي «إِذَا رَجُلاَنِ عِبْرَانِيَّانِ يَتَخَاصَمَانِ، فَقَالَ لِلْمُذْنِبِ: لِمَاذَا تَضْرِبُ صَاحِبَكَ؟ فَقَالَ: مَنْ جَعَلَكَ رَئِيسًا وَقَاضِيًا عَلَيْنَا؟ أَمُفْتَكِرٌ أَنْتَ بِقَتْلِي كَمَا قَتَلْتَ الْمِصْرِيَّ؟. فَخَافَ مُوسَى وَقَالَ: حَقًّا قَدْ عُرِفَ الأَمْرُ، فَسَمِعَ فِرْعَوْنُ هذَا الأَمْرَ، فَطَلَبَ أَنْ يَقْتُلَ مُوسَى. فَهَرَبَ مُوسَى مِنْ وَجْهِ فِرْعَوْنَ وَسَكَنَ فِي أَرْضِ مِدْيَانَ» (خروج٢: ١٢-١٥).
ولكي يتعلم موسى درس طلب الرئيس عندما تتعقد الخيوط، ظل في البرية لمدة ٤٠ سنة. لذلك عندما ضاقت وتعقَّدت جدًا، لأن فرعون وجنوده كانوا وراء موسى وشعبه، وكان البحر الأحمر أمامهم، فالطريق مسدود، لكن هناك عند فم الحيروث (الحرية)، صرخ موسى للرب؛ فجاء إليهم وحرَّرهم من هذه المشكلة، وأخرجهم من تلك الورطة.
٢. يشوع عند نهر الأردن
أراد يشوع أن يعبر الأردن، لكن كيف وهو ممتلئ إلى جميع شطوطه؟ لقد طلب يشوع الرب فجاء، وكما عَبَرَ بموسى والشعب البحر الأحمر هكذا عبر بهم نهر الأردن يقول مزمور١١٤: «عِنْدَ خُرُوجِ إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ،.. الْبَحْرُ رَآهُ فَهَرَبَ... الأُرْدُنُّ رَجَعَ إِلَى خَلْفٍ». وهكذا عبروا نهر الأردن.
٣. يهوشافاط أمام الموآبيين والعمونيين
أُخبر يهوشافاط بأنه قد جاء عليه جمهور كثير، فخاف وصلّى ونادى بصوم وقال: «يَا إِلهَنَا لَيْسَ فِينَا قُوَّةٌ أَمَامَ هذَا الْجُمْهُورِ الْكَثِيرِ الآتِي عَلَيْنَا، وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ مَاذَا نَعْمَلُ وَلكِنْ نَحْوَكَ أَعْيُنُنَا» (٢أخبار٢٠: ١٢). فأرسل الرب لهم رسالة تشجيع قائلاً: «لاَ تَخَافُوا وَلاَ تَرْتَاعُوا. غَدًا اخْرُجُوا لِلِقَائِهِمْ وَالرَّبُّ مَعَكُمْ» (٢أخبار٢٠: ١٥). والنتيجة أن العمونيين والموآيين ساعد بعضهم على إهلاك بعض.
٤. التلاميذ والبحر الهائج
دخل التلاميذ السفينة قاصدين كفر ناحوم، والظلام أقبل، ولم يكن معهم يسوع، وتعقدت الأمور أكثر إذ هاج البحر من ريح عظيمة هبت، وتم فيهم المكتوب: «يَصْعَدُونَ إِلَى السَّمَاوَاتِ، يَهْبِطُونَ إِلَى الأَعْمَاقِ. ذَابَتْ أَنْفُسُهُمْ بِالشَّقَاءِ، يَتَمَايَلُونَ وَيَتَرَنَّحُونَ مِثْلَ السَّكْرَانِ، وَكُلُّ حِكْمَتِهِمِ ابْتُلِعَتْ. (فماذا فعلوا؟) فَيَصْرُخُونَ إِلَى الرَّبِّ فِي ضِيقِهِمْ، وَمِنْ شَدَائِدِهِمْ يُخَلِّصُهُمْ فَيَفْرَحُونَ لأَنَّهُمْ هَدَأُوا، فَيَهْدِيهِمْ إِلَى الْمَرْفَإِ الَّذِي يُرِيدُونَهُ» (مزمور١٠٧: ٢٣-٣١).
٥. في مسألة الفداء
من يصالح الإنسان مع الله؟ وأين الإنسان الذي يمكنه أن يقف أمام الله؟ لا أحد. فـ«كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا». ويقول الكتاب: «الأَخُ لَنْ يَفْدِيَ الإِنْسَانَ فِدَاءً، وَلاَ يُعْطِيَ اللهَ كَفَّارَةً عَنْهُ، وَكَرِيمَةٌ هِيَ فِدْيَةُ نُفُوسِهِمْ، فَغَلِقَتْ إِلَى الدَّهْرِ» (مزمور٤٩: ٦-٧). ويقول أيوب أيضًا: «لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا» (أيوب٩: ١٣).
لكن كم نشكر الرب من أعماقنا، لقد جاء الفادي والمخلِّص والمصالح، و«صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا» (عبرانيين١: ٣). جاء ليحل أعقد العُقد وأصعب المشاكل. فالمشكلة التي تطحن العالم اليوم، ليس الجهل، وليس المرض، ليس الفقر وليس الإرهاب؛ إنما المشكلة الأساسية هي مشكلة الخطية والابتعاد عن الله. لذلك «قَدْ أُظْهِرَ مَرَّةً عِنْدَ انْقِضَاءِ الدُّهُورِ لِيُبْطِلَ الْخَطِيَّةَ بِذَبِيحَةِ نَفْسِهِ» (عبرانيين٩: ٢٦). فعندما تعقَّدت مشكلة الفداء، جاء الفادي بنفسه إلينا ليحلّ مشكلة الخطية.
فهل طلبته ليحل ويفك عقدك ومشاكلك؟ أم تحاول أن تفكَّها بنفسك، نظير عاملة مصنع النسيج، فتزداد العقد عقدًا؟ إنه قريب منك جدًا ليتك تطلبه من كل قلبك.. فيقول لك كما قال عن المرأة المنحنية التي «رَبَطَهَا الشَّيْطَانُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُحَلَّ مِنْ هذَا الرِّبَاطِ» وقال لها: «يَا امْرَأَةُ، إِنَّكِ مَحْلُولَةٌ مِنْ ضَعْفِكِ!» (لوقا١٣: ١٢). آمين.