القرعة تتباهى بشعر بنت أختها
قد نضحك من منطوق هذا المثل، لكنه يحوي الكثير مما نحتاج لأن نتعلّمه.
“القرعة” بالعامية المصرية هي المرأة التي بلا شعر (أو شعرها قليل، عكس المعتاد في النساء). ويُقال المثل عندما يتفاخر شخص بما يملكه غيره أو يميّزه، بصفة خاصة إذا كان واضحًا أن المفتخر لا يملك ما يتفاخر به.
ففي داخل الإنسان رغبة لا تقاوَم أن يفتخر، بشيء أو بشخص، سواء كان هذا الافتخار يستحق أو لا يستحق. ولعل هذا يفسر مثلاً ارتباط شخص بفريق رياضي يشجعه، فيتفاخر به وبلاعبيه وانتصاراته كما لو كانت تخصّه شخصيًا! أو لعله يتفاخر بأنه يعرف “فلان” أو يسكن بالقرب من “علان”.
والأمر أيضًا يحدث في المجال الروحي بكل أسف. ففي رسالة كورنثوس الأولى كان الرسول بولس يعالج افتخار أناس به وآخرون بأبولوس، فقال لهم «لاَ يَنْتَفِخَ أَحَدٌ لأَجْلِ الْوَاحِدِ عَلَى الآخَرِ (أي لا ينتفخ بالكبرياء، ويتحزب في صف واحد ضد الآخر)». ثم يصدمنا بأن يعمم الأمر قائلاً: «أَيُّ شَيْءٍ لَكَ لَمْ تَأْخُذْهُ؟ وَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَخَذْتَ، فَلِمَاذَا تَفْتَخِرُ كَأَنَّكَ لَمْ تَأْخُذْ؟ (أي أن كل ما عندك، أعطاه الله لك. وإن كان قد أعطى لك، فلماذا تفتخر كأنك صاحب الفضل فيه؟)» (١كورنثوس٤: ٥، ٦).
هذا يعلمنا درسًا أعمق؛ فحتى ذكائي، وعلمي، ومواهبي، ومستواي الاجتماعي، وشكلي، وقوتي، وإمكانياتي المادية، ومركزي؛ كل هذه الأشياء التي ترتبط بـ“ياء الملكية”، هي منحة وهبها لي إله كل نعمة، واستأمنني عليها كوكيل وليس كمالك. فمن أين لي أن أفتخر بأشياء لست أنا مصدرها؟َ وكلها ذاهبة إلى الفناء سريعًا!!
في المقابل، لنا مصادر للافتخار أصبحت - بفضل كمال عمل المسيح لأجلنا - ملكًا لنا ولا يمكن أن تُنزع منا أبدًا، فلنتمسك بها:
«هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: لاَ يَفْتَخِرَنَّ الْحَكِيمُ بِحِكْمَتِهِ، وَلاَ... الْجَبَّارُ بِجَبَرُوتِهِ، وَلاَ... الْغَنِيُّ بِغِنَاهُ. بَلْ بِهذَا لِيَفْتَخِرَنَّ الْمُفْتَخِرُ: بِأَنَّهُ يَفْهَمُ وَيَعْرِفُنِي أَنِّي أَنَا الرَّبُّ الصَّانِعُ رَحْمَةً وَقَضَاءً وَعَدْلاً فِي الأَرْضِ» (إرميا٩: ٢٣-٢٤).
«وَنَفْتَخِرُ عَلَى رَجَاءِ مَجْدِ اللهِ. وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ، بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضًا فِي الضِّيقَاتِ، عَالِمِينَ أَنَّ (الله عاملاً من خلال) الضِّيقَ (يشكل فيَّ، فـ) يُنْشِئُ صَبْرًا، وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً، وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا... وَلَيْسَ ذلِكَ فَقَطْ، بَلْ نَفْتَخِرُ أَيْضًا بِاللهِ، بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي نِلْنَا بِهِ الآنَ الْمُصَالَحَةَ» (رومية٥: ٢-٤، ١١). وأمام الافتخار به يختفي كل افتخار عداه.