الإنسان بطبيعته يحب الهدايا أكثر من الوصايا. وكثير من المؤمنين يُفَضّلون أن يسمعوا الوعود المتعلقة بالعطايا أو بحل المشاكل وتهوين الصعاب، يبحثون عنها في الكتاب وتكون من دواعي فرحهم وتشجيعهم. وعندما أقول لواحد “شاركني بشيء لمس قلبك وانت تقرأ الكتاب المقدس”، غالبًا ما تكون دواعي التعزية متعلقة بالمواعيد والامتيازات أكثر من الوصايا والالتزامات. وهنا أتساءل: هل “وصايا الرب” لها غلاوتها مثل المواعيد المعزية؟ هل نشتاق إلى وصاياه كما نلتمس عطاياه؟ هل نحسبه إمتيازًا أن تكون وصاياه بين أيدينا؟ في الحقيقة، وصايا الرب من الأشياء الثمينة التي لنا في كلمة الله. إن أدركنا قيمة وصايا الرب، سنكون ممتنين جدًا للرب لأنه أعطانا إياها وبكل الحب نتممها، مستندين على نعمته ونحسبها أغلى من العطايا. إن كنا نفرح بعطاياه الكريمة، فلنا الحق أن نبتهج جدًا أنه ترك لنا وصاياه العظيمة.
١- وصاياه هي “تكليف المحبة”
ترتبط كلمة الوصايا في أذهان بعض المسيحيين بالناموس، لذلك يعتبرونها شيء ثقيل، أما الوصايا في العهد الجديد فهي وصايا المحبة. لم يفرض الرب يسوع في حديثه مع التلاميذ أن يطيعوا أوامره بل جعل الدافع لطاعة الوصايا هو المحبة لشخصه. «إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ... اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي» (يوحنا١٤: ١٥، ٢١؛ ١٥: ١٠). «وَهذِهِ هِيَ الْمَحَبَّةُ: أَنْ نَسْلُكَ بِحَسَبِ وَصَايَاهُ» (٢يوحنا٦).
طاعة وصاياه تزيد محبتنا له. بصيغة أخرى؛ نحن نبرهن اننا نحبه بالحق إن حفظنا وصاياه «أَنْتُمْ أَحِبَّائِي إِنْ فَعَلْتُمْ مَا أُوصِيكُمْ بِهِ» (يوحنا١٥: ١٤)، كما أنها برهان لمحبتنا لبعضنا البعض، قال يوحنا الرسول «بِهذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا نُحِبُّ أَوْلاَدَ اللهِ: إِذَا أَحْبَبْنَا اللهَ وَحَفِظْنَا وَصَايَاهُ» (١يوحنا٥: ٢، ٣). عدم حفظ وصاياه معناه أننا لا نقدّره حق التقدير الذي يليق به، كما يعتبر خيانة للرب.
وتعبير “حفظ الوصية” يحمل المعاني التالية: نلاحظها بعين الاعتبار، نخضع أنفسنا لسلطانها، نطيعها ونعمل بها
٢- وصاياه ثمينة وكاملة
كرَّر الرب يسوع قوله «وصاياي». فهي وصايا ثمينة لأنها من أغلى شخص على قلوب المؤمنين. كل وصية لها قيمتها وضرورتها. كما أن الوصايا التي سجَّلها رسل المسيح في رسائل العهد الجديد هي وصاياه التي كلفهم أن يعلموها لكل المؤمنين قائلًا «وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ» (متى٢٨: ٢٠).
إن تأمَّلنا في وصاياه سنجد أن طريق طاعتها يحمل لنا بركات غزيرة، مما يجعلنا نقدِّم الشكر العميق للرب لأنه أعطانا إياها. على سبيل المثال: عندما نمارس المحبة الأخوية القوية عديمة الرياء ونتذوق حلاوتها، سنكون ممتنين للرب على وصيته أن نحب بعضنا بعضًا كما هو أحبنا. وهكذا بالنسبة للوصايا المتعلقة بالعلاقات أو العطاء أو القداسة أو موقفنا من الأشياء التي في العالم... الخ. نعم، كل وصاياه ثمينة.
٣- وصاياه ليست ثقيلة
في الواقع نجد بعض المؤمنين يفضلون بعض الوصايا ويستثقلون الأخرى، معتبرين أنه توجد وصايا تخصّ فقط أيام الرسل أو ظروف خاصة. وصايا الرب لكل المؤمنين، وسارية في كل زمان وكل ثقافة ومكان. من يحب الرب ويدرك قيمة وصاياه سيخضع لجميع وصاياه بلا استثناء. قال الرسول يوحنا «فَإِنَّ هذِهِ هِيَ مَحَبَّةُ اللهِ: أَنْ نَحْفَظَ وَصَايَاهُ. وَوَصَايَاهُ لَيْسَتْ ثَقِيلَةً» (١يوحنا٥: ٣). «لَيْسَتْ ثَقِيلَةً» بمعنى أنها ليست تعجيزية. وصف الرب نيره بأنه هيِّن وأن حِمله خفيف، فهو لا يوصينا بعمل شيء يعرف أننا نعجز أن نتممه في أي وقت أو أي مكان كما أعطانا الموارد التي تساعدنا أن نتمم وصاياه.
٤- وصاياه تضيء لنا السبيل
نقرأ في أمثال٦: ٣ «الْوَصِيَّةَ مِصْبَاحٌ». من يريد أن يعرف السبيل للنمو في النعمة وفي معرفة الرب عليه أن يحفظ وصاياه (أي يخضع ويتمم كل ما أوصت بها كلمة الله). الشاب الذي يريد أن يزكِّي طريقه (يسلك طريق النجاح والاستقامة) عليه أن يخضع لإرشادات وتوجيهات كلمة الله التي تقوِّم السبل وتصحح المسارات وتقدس الدوافع (مزمور١١٩: ٩، ١٠). «أَيْضًا عَبْدُكَ يُحَذَّرُ بِهَا، وَفِي حِفْظِهَا ثَوَابٌ عَظِيمٌ» (مزمور١٩: ٧-١١). وصايا الرب هي السبيل لفهم فكر الرب وبالتالي تقودنا إلى النضوج الكامل الذي به نتمِّم مقاصد الرب في حياتنا. من يريد أن يختبر مشيئة الله في حياته، كل ما يحتاجه هو أن يسمع صوته ويتمم وصاياه ويتبع خطاه مدى الأيام.
٥- وصاياه مستقيمة تفرِّح القلب
عندما يقتني أحدنا جهازًا ثمينًا وحساسًا جدًا، يشعر بارتياح عميق عندما يكون مرفقًا معه الدليل الخاص بكيفية الإستخدام والارشادات اللازمة لضمان سلامته وكفاءته. وإن حصل على الجهاز بدون دليل الإرشادات سيبذل أقصى وسعه باحثًا عنه، وعندما يجده سيكون فرحًا به، راغبًا في قراءة كل سطر فيه بتركيز شديد، ونية لاتّباع ما كُتب فيه. كذلك المؤمن الذي يريد أن يعيش في مخافة الرب ويتوق أن يعمل رضاه، تجده يُسَرّ جدًا بوصاياه ويعتبرها “كتالوج” الحياة الذي يعلِّمه كيف يسلك بالاستقامة، كما تحفظه الوصايا من معاثر الطريق التي تجلب الكدر «طُوبَى لِلرَّجُلِ الْمُتَّقِي الرَّبَّ، الْمَسْرُورِ جِدًّا بِوَصَايَاهُ» (مزمور١١٢: ١).
٦- وصاياه تدخلنا إلى العمق
من يريد أن يسير مع الرب في انسجام مثل الخِل مع الخليل ويتمتع بالشركة الحلوة مع الرب، يجب أولاً أن يبرهن عن تقديره ومحبته للرب بحفظ وصاياه (يوحنا١٤: ١٥)، ثم يختبر خطوة أخرى أعمق والتي فيها يُسَر بوصاياه ويمتلكها لنفسه، وقتها يعلن الرب ذاته له «اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا... وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي» (يوحنا١٤: ٢١). الخطوة الثالثة هي أن يسمع لكلام الرب أثناء جلوسه مع الرب حينها سيختبر التلذذ بالشركة العميقة مع الآب ومع ابنه. «إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً» (يوحنا١٤: ٢٣). وهذا أروع ما يمكن أن يختبره مؤمن في الحياة.
٧- وصاياه عندما تُطاع، طلباتنا تُجاب
«وَمَهْمَا سَأَلْنَا نَنَالُ مِنْهُ، لأَنَّنَا نَحْفَظُ وَصَايَاهُ، وَنَعْمَلُ الأَعْمَالَ الْمَرْضِيَّةَ أَمَامَهُ» (١يوحنا٣: ٢٢). المؤمن الذي يتقي الرب ويُسرّ بوصاياه ويسلك فيها، سيكون له فكر الرب وستكون رغبات قلبه وطلباته في الصلاة في توافق مع مشيئة الرب. لذلك لا غرابة أن ينال من الرب ما يطلبه. من يجعل نصب عينيه جميع وصاياه، سيختبر أن جميع أموره هي أمام عيني الله.
كلامك شهد لحلقي |
| وصاياك ليست ثقيلة |
بها تطمئن القلوب |
| وتشفى النفوس العليلة |
إذا ما سمعت لصوتك |
| وسرت بخوف أمامك |
تلذذ نفسي إلهي |
| ويملأ قلبي سلامك |