إحترام مبادىء وقوانين الله (4)
يظن البعض أن الله ديكتاتور أصدر قوانين قاسية، وعلى البشر أن يطيعوها مجبَرين وألا نصيبهم جهنم وبئس المصير!!
بينما يرى البعض الآخر أن قوانين الله ومبادئه وضعها إله محب لخير خليقته ورعيته بل ولسلامتهم أيضًا!!
فيا ترى أي الفريقين منهما على صواب؟!
نواصل معًا تأملاتنا في هذا الموضوع الهام والخطير: احترام مبادئ الله. والسؤال الذي سنحاول الإجابة عليه بنعمة الرب: هل تقديرنا لمبادئ الله هو فضيلة جميلة نتحلى بها، أم فرض وقهر لنا؟ أصلي أن يكشف الرب عن أعيننا فنفهم فكره ونتعلم طريقه.
أولاً: دعني أتسأل هل الله فعلاً ديكتاتور قاسٍ؟
١. إن كان الله كذلك، كما يظنه البعض، فلماذا يترك غير المؤمنين به ورافضي شخصه دون عقاب فوري؟ وإن كان ديكتاتورًا فلماذا يعطي الأشرار الذين هم ضده خيرًا وأحسانًا وصحه وممتلكات؟ ألم يقل الكتاب المقدس «فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ» (متى٥: ٤٥).
٢. بل دعني أفكر معك؛ كم مرة أجبر الله البشر ليؤمنوا به ويدخلوا في دينه وعبادته قسرًا وهم صاغرين؟ ألم ينادي الله، القدير والعظيم، عشرات المرات عبر ألاف السنين داعيًا البشر بالاقتراب منه معطيًا إياهم حرية الاختيار؟ فعلى سبيل المثال لا الحصر، ومنذ ألفي وسبعمائة سنة نادى قائلاً «اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ وَاخْلُصُوا يَا جَمِيعَ أَقَاصِي الأَرْضِ، لأَنِّي أَنَا اللهُ وَلَيْسَ آخَرَ» (إشعياء٤٥: ٢٢). ونادى المسيح، الله المتجسد، منذ ألفي عام هذا القول الحلو «هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي» (رؤيا٣: ٢٠).
ثانيًا: إذًا ما هو فكر الله تجاه البشرية؟
١. يقتبس الرسول بولس في حديثه لليونانيين ما قاله الشاعر اليوناني القديم «لأَنَّنَا أَيْضًا ذُرِّيَّتُهُ» ويشرح: «صَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ النَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ الأَرْضِ، وَحَتَمَ بِالأَوْقَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَبِحُدُودِ مَسْكَنِهِمْ» (أعمال١٧: ٢٨). فالله خلق البشر لأنه يحبهم وأعطاهم نسمة حياة، وأعدَّ لهم كل ما يريحهم من زرع وماء وهواء، أنه الجوَّاد المحب والمعطاء.
٢. والأعظم من هذا كله، كان فكر الله منذ الأزل أن يأتي بالإنسان ليسكن معه، ليس في جنة أرضيه بل في بيت الآب السماوي، وكلَّفه هذا أن يبذل ابنه الوحيد على الصليب. «لأَنَّهُ لاَقَ بِذَاكَ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ الْكُلُّ وَبِهِ الْكُلُّ، وَهُوَ آتٍ بِأَبْنَاءٍ كَثِيرِينَ إِلَى الْمَجْدِ، أَنْ يُكَمِّلَ رَئِيسَ خَلاَصِهِمْ بِالآلاَمِ» (عبرانيين٢: ١٠).
٣. برهن الله أنه يحب البشرية بالعمل، كما رأينا، وأيضًا بالقول، فما أروع ما قاله بفمه الكريم «أنَا أَشْفِي ارْتِدَادَهُمْ. أُحِبُّهُمْ فَضْلاً» (هوشع١٤: ٤)، «لذاتي مع بني أدم» (أمثال٨: ٣١)، «إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ، فَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ» (خروج٣: ٧).
ثالثًا: التجارب أثبتت أن عدم إحترام قوانين الله ضررًا وخطرًا.. لماذا؟
هل تسمح لي بسؤال قارئي الكريم؟؟ إذا قيل لك لا تعبر الشارع في إشارة المرور الحمراء، هل هذا قهر لك أم خوف عليك؟ وإن حذَّرك الطبيب من تناول طعام معين ضار بصحتك، فهل تعتبر هذا طغيانًا واستبدادًا منه؟
وهكذا الحال صديقي في أمور الله، فعندما يحذر وعندما يضع لنا مبادئ وقوانين أدبية وروحية؛ إنها لخيرنا وسعادتنا. والابتعاد عن شخصه والاستهانة بقوانينه، تعرض صاحبها للدمار والأخطار الكثيرة. وإليك بعض الأمثلة:
١. ذهب الابن الضال لكورة بعيدة، بحثًا عن اللذة والمتعه، وقرَّر الذهاب بعيدًا عن بيت أبيه مع صحبة السوء، فماذا جنى هناك؟ القصة تقول إنه «حَدَثَ جُوعٌ شَدِيدٌ فِي تِلْكَ الْكُورَةِ، فَابْتَدَأَ يَحْتَاجُ. وَكَانَ يَشْتَهِي أَنْ يَمْلأَ بَطْنَهُ مِنَ الْخُرْنُوبِ الَّذِي كَانَتِ الْخَنَازِيرُ تَأْكُلُهُ»، ويقول الكتاب: «فَلَمْ يُعْطِهِ أَحَدٌ» (لوقا١٥: ١١ ١٧). واسمح لي صديقي بهذا السؤال: هل الأب هو الذي عاقب ابنه بهذه المصائب؟ أم إنها جائته في ابتعاده عن حضن أبيه وخيراته؟ وهكذا الحال في الابتعاد عن الله ومحبته ورحمته وخيراته. قال الله مرة لشعبه «فَاعْلَمِي وَانْظُرِي أَنَّ تَرْكَكِ الرَّبَّ إِلهَكِ شَرٌّ وَمُرٌّ» (إرميا٢: ١٩).
٢. وإليك مثال آخر، ماذا حدث مع شمشون؟ (اقرأ القصة في قضاة١٦). ذهب شمشون النذير، أي المكرس لله ولخدمته، ليرتبط بامرأة لعوب أسمها دليله من بنات أعدائه، متجاهلًا بذلك كل تحذيرات ومبادئ إلهه. ذهب لا للحرب لكن للحب والغرام مع أحط النساء!! وهناك تملّقته، وعرفت سرّ قوته وباعته للأعداء الذين قلعوا عينيه وأذلوه ومات وسطهم!! كان شمشون بقربه من الله يستمد القوة ويعيش بالقداسة متغنيا مع داود «الرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِي، مِمَّنْ أَرْتَعِبُ» لكن بابتعاده عن الله فارقته القوة، واحتلت النجاسه مكان القداسة، فحلّ به الخراب والدمار!! أليس هو المسؤول عن فعلته إذ تعدى مبادئ الله وترك الاحتماء بستر العلي؟
٣. وأحيانا تمتد يد الله أبونا بالتأديب لأولاده، لا للإنتقام منهم بل لينقذهم أدبيًا وزمنيًا ويحيهم أبديًا. «لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ». وهدف تأديبه هو خيرهم ونفعهم «فَلأَجْلِ الْمَنْفَعَةِ، لِكَيْ نَشْتَرِكَ فِي قدَاسَتِهِ» (عبرانيين١٢: ٦، ١٠). وهذا ما شهد به داود قائلاً «لاَ أَمُوتُ بَلْ أَحْيَا وَأُحَدِّثُ بِأَعْمَالِ الرَّبِّ. تَأْدِيبًا أَدَّبَنِي الرَّبُّ، وَإِلَى الْمَوْتِ لَمْ يُسْلِمْنِي» (مزمور١١٨: ١٨).
عزيزي القارئ.. أحذر من العدو الشيطان الذي يريد أن يشوّه صورة الله أمامك، متهمًا الله المحب بالقسوة والديكتاتورية. لا يريد العدو ألا إهلاك نفسك بإبعادك عن الله المحب الذي بذل ابنه لخلاصنا. إنه الحنّان طويل الروح وكثير الرحمة «حَافِظَ الْعَهْدِ وَالرَّحْمَةِ لِمُحِبِّيهِ وَحَافِظِي وَصَايَاهُ» (دانيال٩: ٤).
وأعرف عزيزي أن أحكام الله ومبادئه ووصاياه وُضعت لخيرك وسلامك «سَلاَمَةٌ جَزِيلَةٌ لِمُحِبِّي شَرِيعَتِكَ، وَلَيْسَ لَهُمْ مَعْثَرَةٌ» (مزمور١١٩: ١٦٥). فلازال الله المحب ينصح كل منا قائلاً «قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ. الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَةَ. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ» (تثنيه٣٠: ١٩).
هل تصلي معي تلك الصلاة التي صلاها داود قديمًا «عَلِّمْنِي يَا رَبُّ طَرِيقَكَ. أَسْلُكْ فِي حقِّكَ. وَحِّدْ قَلْبِي لِخَوْفِ اسْمِكَ» (مزمور٨٦: ١١).
ليتنا نتعلم ونحيا هذه الفضيلة الجميلة ألا وهي إحترام وتقدير وصايا ومبادئ إلهنا.