لما رّبنا وزَّرع الأرزاق محدّش عجبه رِِِِِِِِِِِِِِزقه
يُقال هذا المثل ليصف واقع غالبية كبيرة من البشر؛ فما أقل مَنْ يرضى “برزقه”، أو قُل ببيته وأهله وبلده وممتلكاته وعمله وأمواله ومزاياه... بينما إذا تكلّم واحد مُبديًا رأيًا؛ لا يرى صوابًا إلاه، حتى وإن لم تتوفَّر له مقوِّمات الحكم على الموضوع الذي يتكلم فيه! نظرة على مواقع التواصل الاجتماعي تؤكِّد لك الشق الثاني.
أما من ناحية “الرزق”، أكتفي بسرد كلام الرب نفسه: «تَحَفَّظُوا مِنَ الطَّمَعِ، فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ لأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ (تكتسب قيمتها) مِنْ أَمْوَالِهِ... لاَ تَهْتَمُّوا... بِمَا تَأْكُلُونَ، وَلاَ... بِمَا تَلْبَسُونَ. اَلْحَيَاةُ (التي يهبها الله وحده) أَفْضَلُ مِنَ الطَّعَامِ، وَالْجَسَدُ (عطيته) أَفْضَلُ مِنَ اللِّبَاسِ. تَأَمَّلُوا الْغِرْبَانَ... اللهُ يُقِيتُهَا. كَمْ أَنْتُمْ بِالْحَرِيِّ أَفْضَلُ مِنَ الطُّيُورِ! ... تَأَمَّلُوا الزَّنَابِقَ كَيْفَ تَنْمُو: لاَ تَتْعَبُ وَلاَ تَغْزِلُ... (ومع ذلك) يُلْبِسُهُ اللهُ هكَذَا، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يُلْبِسُكُمْ أَنْتُمْ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟ ... هذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا أُمَمُ الْعَالَمِ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَأَبُوكُمْ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هذِهِ. بَلِ اطْلُبُوا مَلَكُوتَ اللهِ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ» (لوقا١٢: ١٥-٣١؛ انظر مزمور١٠٤: ٢٧-٢٨؛ أم٢٣: ٤، ٥). يكفينا أن نعلم أن «اللهِ الْحَيِّ... يَمْنَحُنَا كُلَّ شَيْءٍ بِغِنًى لِلتَّمَتُّعِ» (١تيموثاوس ٦: ١٧).
أما من يعتقد أن رأيه هو القاطع الوحيد الصحيح؛ فله يقول الكتاب «فَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَظُنُّ أَنَّهُ يَعْرِفُ شَيْئًا (بالمطلق)، فَإِنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ شَيْئًا بَعْدُ كَمَا يَجِبُ أَنْ يَعْرِفَ!» (١كورنثوس ٨: ٢). التاريخ يشهد بذلك؛ فما كنا نعتقد أننا نفهمه، أثبت الزمن أننا كنا نجهله. وما نعتقد أننا نعرفه اليوم قابل لأن تتكرر معه الكَرّة فنجد أننا جهلناه! نعم يا عزيزي، نحن بشر محدودون، فلا يمكن أن نفترض في أنفسنا الكمال ولا المطلق. والاختبار أثبت لنا مِرارًا أن آراء غيرنا كانت صحيحة في حين جانب الصواب آرائنا.
ودوافع تمسكنا بآرائنا كثيرة. فهناك من يفعل ذلك لشعوره بخطر التهميش من الآخرين (فكأنه بإصراره يقول: أنا هنا). وهناك من يفعل كآلية دفاع ضد شعوره بالخطإ أو العجز أو النقص. ومن يفعل كرَدّ فعل ضد تصرفات مُحبِطَة من الآخرين. والمأساة الكبرى عندما نحاول أن نُلبس ما سبق ثوبًا روحيًا. وفوق كل ما سبق الكبرياء هي الداء الدفين وراء كل العلل.
اسمع الفصل في هذا الأمر ما قاله الحكيم: «تَوَكَّلْ عَلَى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلْبِكَ (في أي حالة من الحالات المذكورة أو غيرها وهو كفيل بها)، وَعَلَى فَهْمِكَ لاَ تَعْتَمِدْ... لاَ تَكُنْ حَكِيمًا فِي عَيْنَيْ نَفْسِكَ. اتَّقِ الرَّبَّ وَابْعُدْ عَنِ الشَّرِّ (في كل صوره)» (أمثال ٣: ٥).