لم يكن له عبيد، ولكن لُقِّب بالسيد. ولم يحمل شهادات، لكن دُعي المعلِّم. ولم يكن معه أدوية، ولكنه الطبيب الشافي. لم يحمل يومًا خنجرًا أو سيفًا، لكنه غزى ملايين القلوب بمحبته. ورغم أنه لم يرتكب جُرمًا، ولكنهم قتلوه ودفنوه، لكنه - له لكل المجد - حيٌّ. لم يحمل معه زادًا، لكنه صار خبز الحياة. ولم يحمل معه مصباحًا، لكنه صار نور العالم. هكذا ولد المسيح، فولد معه الحب. لقد كان المسيح عجيبًا وفريدًا في ميلاده، فلم يأتِ شخصٌ مثله، لا قبله ولا بعده؛ وهاك بعض الأسباب:
(١) فريد في طريقة ولادته: لم يولد من امرا ة عادية كسائر البشر، لكنه وُلد من عذراء، ولم تكن أي عذراء بل “العذراء”. لقد دخل المسيح إلى عالمنا من بوابة مختلفة وفريدة، ولادته من عذراء، فآدم خُلق من تراب، وحواء أُخِذَت منه، ومنهما كل البشرية.
عند ولادته لم يكن له مكان في المنزل، لكن ظهر له نجم في العلاء. وُلد في مزود بسيط، لكن ترنَّمت له ملائكة السماء. اجتمع حول مهده الرعاة البسطاء، وكذلك أيضًا علماء المجوس الحكماء. لقد ظلّت نبوة إشعياء النبي (قبل ميلاد المسيح بـ٧٠٠ سنة) نبوة غامضة وعويصة، حتى جاء المسيح وتمّم النبوة: «هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ “عِمَّانُوئِيلَ”» (إشعياء١٤:٧).
(٢) فريد في قداسته: البشر جميعًا وُلدوا من آدم، والذي بواسطته دخلت الخطية إلى العالم؛ لذلك يقول النبي: «هأَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ، وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي» (مزمور ٦:٥١). أما المسيح فيقول الملاك عنه لمريم: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ» (لوقا١: ٣٥). فكل إنسان يقول مع النبي القائل: «وَمِنَ الْبَطْنِ سُمِّيتَ عَاصِيًا»، أما المسيح فمن البطن كان قدوسًا، وهو الوحيد من البشر الذي لم يعرف، ولم يفعل، ولم يكن فيه خطية. فيا لقداسة المسيح!
(٣) فريد في تسميته: كانت السماء مشغولة بهذا المولود العظيم الذي لم يُولَد أميرًا، أو وليًا للعهد كما هو سائد في عائلات الملوك، إذ يحل ولي العهد محل الملك إذا ذهب. أما المسيح فقد وُلد ملكًا «وَلَمَّا وُلِدَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ، فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ الْمَلِكِ، إِذَا مَجُوسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ قَدْ جَاءُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ: أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ» (متى١:٢-٢).
(٤) فريد في الاحتفال بولادته: «رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ» (متى٢:٢). عندما وُلد البعض منا، ربما أوقدوا له الشموع أو أضاؤوا المصابيح والأنوار، ودَعوا الأهل والجيران احتفالاً بالمولود الجديد. أما المسيح فقد ظهر له نجم في العلاء وترنَّمت له ملائكة السماء «وَظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ الْمَلاَكِ جُمْهُورٌ مِنَ الْجُنْدِ السَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ اللهَ وَقَائِلِينَ: الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ» (لوقا٢: ١٣-١٤).
(٥) فريد في خلاصه: عندما كان يوسف مرتبكًا بسبب خطيبته التي كانت حُبلى دون أن يعرفها، ظهر له ملاك الرب في حلم قائلاً: «يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ، لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ. لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَسَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ» (متى٢١:١-٢٢). هناك ملوك وقادة خلَّصوا شعوبهم من الفقر والمجاعات، أو من الحروب والانقلابات؛ فموسى حرَّر شعبه من عبودية فرعون القاسية وخلَّصهم من أيدي المصريين. أما المسيح فهو فريد في خلاصه إذ جاء ليخلّص الإنسان من هَمّه وغمّه، من ذنبه وشَرّه فيصبح مغفور الخطايا، ومرتاح الضمير.
(٦) فريد في عظمته: فعند ولادته، ظهر اللاهوت والناسوت في انسجام واتحاد بديع، فقد كان «ابن الله» بحق، و«ابن الإنسان» بحق. فالمسيح شخص عجيب، وتمَّت فيه النبوة القائلة: «لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَلاَمِ» (إشعياء٦:٩). وهكذا شهد جبرائيل: «هَذَا يَكُونُ عَظِيمًا وَابْنَ الْعَلِيِّ يدعى» (لوقا١: ٣٢). ومكتوب «وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ» (١تيموثاوس١٦:٣).
(٧) فريد في سرمديته: ففي ميلاد المسيح التقى الأزل مع الزمن، المسيح الأزلي الذي قال مرة لليهود: «أَبُوكُمْ إِبْرَاهِيمُ تَهَلَّلَ بِأَنْ يَرَى يَوْمِي فَرَأَى وَفَرِحَ». فَقَالَ لَهُ الْيَهُودُ: «لَيْسَ لَكَ خَمْسُونَ سَنَةً بَعْدُ أَفَرَأَيْتَ إِبْرَاهِيمَ؟» قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «ﭐلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ» (يوحنا ٥٦:٨-٥٨).
هذا هو مولود بيت لحم الذي قال عنه الآب: «أَنْتَ ابْنِي (في الأزل)، أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ (في الزمن)» (مزمور٢). «يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْسًا وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ» (عبرانيين٨:١٣). فالمسيح هو أزلي وهو أبدي أيضًا.
ويعوزنا الوقت إن كتبنا عن أسماء المسيح، وأعماله، وصفاته، وفضائله، وأمجاده. فرغم أنه لم يكتب عن نفسه كتابًا واحدًا، لكن ملايين الكتب تتكلم عنه.
القارئ العزيز: لقد قصد الوحي المبارك ألاّ يكتب لنا عن أي يوم وُلد فيه المسيح، هل هو يوم السبت أو يوم الأحد، وكأنّ الروح القدس يريدنا أن نبتهج وننتفع بمجد ميلاده كل يوم وسائر الأيام. مع تمنياتي الطيبة في التعرف عن قرب بهذا الشخص الفريد والمجيد، لكي تولد من جديد، ويهبك قلبًا جديدًا. مع أمنياتي بعام طيب وسعيد.