مع الأسف، هناك الكثير من الأمور في حياتنا نفقد شعورنا بجمالها وروعتها وعظمتها بسبب أننا اعتدنا عليها. فقد اعتدنا - مثلاً - أن نرى بعيوننا، ونتنفس بشكل طبيعي، ونسير على أقدامنا، ونستخدم أيادينا في الإمساك بالأشياء بكل بساطة وسهولة. ونادرًا ما نفكّر أن كل هذه الأمور تحتاج لعمليات غاية في التعقيد والدقة حتى تتم.
تذكَّرت هذه الأمور في ليلة ما، عندما كنت أقرأ في كلمة الله، ثم قرّرت أن أقضي وقتًا في الصلاة. وبدأت صلاتي بكلمة “يا رب”. ثم وجدتني أقف أمام هذه الكلمة. وشعرت بفيض من مشاعر الشكر والتقدير لهذه الكلمة. ووجدت نفسي أقضي كل وقت الصلاة في تقديم الشكر للرب على وجوده في حياتنا، وعلى أننا نستطيع في كل وقت، وكل الظروف أن نرفع عيوننا وقلوبنا إليه ونقول بملء الفم: “يا رب”.
شعرت بالإمتنان الشديد إذ لنا فرصة أن نقول “يا رب”. فإن كنا بدون إله، كيف كان لنا أن نعيش؟ فما معنى الحياة بدون الله؟ أين المتعة، والراحة، والاطمئنان بدونه؟
بعد أن انهيت وقتي مع الله، جلست أفكر في هذه الحقيقة العظمى؛ وجود الله في حياتنا.
ماذا لو لم يكن في موجودًا؟ من كان يسمع صرخة قلوبنا: «لِخَلاَصِكَ انْتَظَرْتُ يَا رَبُّ» (تكوين٤٩: ١٨)؟ ماذا لو كان موجودًا لكنه لا يحبنا؟ وماذا لو كان موجودًا لكنه لا يكلِّمنا أو يعلن لنا عن نفسه في الكلمة المقدسة؟ أسئلة كثيرة راودتني، واكتشفت بكل بساطة استحالة الحياة بدون الله.
اكتشفت أيضًا أننا نفكِّر في الله طوال الوقت، حتى وإن كان البعض منا يحاول تجاهل وجوده، إلا أنه لا يستطيع الهروب من التفكير فيه طوال الوقت. والبعض الآخر ربما يعمل ما يعرف أنه يُحزن الله، إلا أن هذا لا يمنعه من أن يأتي إليه من آن لآخر مقدِّمًا توبةً وندمًا على ما فعله، ربما يكون خوفًا من غضبه أو كمحاولة لاتقاء العقاب الذي ينتظر كل شرير وأثيم، ثم يعاود البُعد والسقوط مرة أخرى لأن توبته لم تكن حبًا وتقديرًا لله.
كثيرون يسألون عنه، وكثيرون يكتبون عنه. آخرون يحاولون إرضاءه بشتى الطرق، حتى وإن فجَّروا أنفسهم في سبيله. وهم مخدوعون ومغيَّبون! كثيرون يهاجمونه ويتطاولون عليه. لكنك تجدهم يرتعبون من ذكر الموت خوفًا من العقاب الذي ينتظرهم.
الأطفال يسألون عن الله، والشباب يتفكَّرون فيه، والشيوخ لديهم من القصص والحكايات والاختبارات ما يجعلك تندهش من عظمة وجود الله في حياة البشر.
منّا من يحبونه ويقضون معه الساعات والأيام في الصوم والصلاة لكي تشبع قلوبهم من حضرته. وهناك من يتركون الكل ويذهبون لخدمته والمناداة بكلمته. وهكذا يعطي الله معنى وهدف لكل من يتبعونه. ولا يستطيع أن يُنكر أحد أنه يشغل تفكير الجميع!
وأجدها فرصة مناسبة لأسأل من لا يتبعون الله وأقول: كيف تعيش يومك؟ كيف تجد إجابات شافية لكل ما يدور بذهنك؟ كيف تُشفى من الصدمات والجروح التي تصيبك من جراء التعامل مع البشر؟ إلى من تذهب عندما لا تجد أحد بجانبك، بل والأكثر من ذلك عندما يكون أقرب الناس إليك سببًا في إيذائك؟ كيف تفهم ظروفك التي تمُرّ بها؟ كيف تفسِّر لنفسك بعض الأحداث التي تحدث معك من آن لآخر، وتشعر معها أن هناك يد قديرة تعمل من خلف الستار؟ بل دعني أسألك أيضًا: عندما تحدث معك أحداثًا سعيدة، فمن ذا الذي تجري إليه وتقدِّم الشكر له؟ لا أحد تشكو له متاعبك! ولا أحد تسأله وأنت واثق أن لديه المعرفة الكاملة للإجابة عليك! ولا أحد تشكره عند النجاح!
أخي/ أختي
إن وجود الله في حياتك سيكون سببًا في راحة قلبك، وشعورك بالأمان والفرح الذي تفتقده وتتعطش له منذ سنوات. ستختبر كيف تهدأ في حضنه من مخاوفك، وتُشفى من أوجاعك، ويطمئن اضطراب قلبك.
أما عن وجوده في حياة من يؤمن به، فأقول إن علينا أن نقدِّم كل الشكر والتقدير والسجود لله الذي أنار قلوبنا بمعرفته، وجعلنا هادئين هانئين بوجوده في حياتنا. فهو الذي أزال من داخل قلوبنا همومًا كثيرة، وأراح نفوسنا من جهة أمور كثيرة كانت تشغلنا، وتسبِّب لنا خوفًا واضطرابًا وعدم استقرار. وقتها نفعل ما فعلته حنة التي قالت في يومها: «أَسْكُبُ نَفْسِي أَمَامَ الرَّبِّ» (١صموئيل١: ١٥). أو كما قال داود «إِلَيْكَ يَا رَبُّ أَرْفَعُ نَفْسِي. يَا إِلهِي عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ» (مزمور٢٥: ١-٢).
كم من مرات أجاب عن أسئلة كثيرة كانت تشغل تفكيرنا؟ كم من مراتٍ لجأنا إليه ولم يخذلنا؟ وكم من مرات صرخنا إليه من عمق الحزن والخوف والفشل فسمع لنا وأحاط بنا ولم يتركنا كما كنا؟ شعورنا لا يُوصف في كل هذه الظروف، حيث يمتلكنا شعور داود الذي رنم قائلاً: «اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟ الرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِي، مِمَّنْ أَرْتَعِبُ؟» (مزمور٢٧: ١)
يا رب..
أشكرك على وجودك في حياتنا،
وأشكرك على أروع وأعظم كلمة ننطق بها كل يوم: «يا رب».