نور ونار وعليك الإختيار

قصتيهما تحويان تشابهًا، وارتبط البشر بهما منذ بدء وجود الإنسان على الأرض:

النور الذي خُلق بكلمة الله، «قال الله: لِيَكُنْ نُورٌ، فَكَانَ نُورٌ»، ثم خلق الله للإنسان أنوارًا تفصل بين النهار والليل، وتنظِّم أيامه (تكوين١: ٣، ١٤-١٩). ولليوم لا يمكن أن يعيش الإنسان بدون النور.

والنار التي اكتشفها الإنسان، ربما بالصدفة عندما تسبَّب الرعد في حرق الأشجار، أو عندما اشتعلت النيران في أوراق الشجر بسبب حرارة الشمس العالية. لكن كأيّ شيء اكتشفه أو صنعه الإنسان، استفاد بها وبعدها طوَّرها كآلة للدمار. استخدمها الإنسان لمنفعته، واستخدمها في حرق الشجر والحجر، واستوحى منها القنبلة التي تفتك بالبشر في لمح البصر.

وفي هذا المقال أود أن ألقي نظرة روحية على الاختيار بين النور والنار.

إن سألت عن “النار” ‘قد تأتي الإجابة غالبًا: “هي إحدى العذابات التي سيعانيها الأشرار في مصيرهم الأبدي التعس”. وهي بالتأكيد كذلك، لكن هناك نيران أخري يستلذها الإنسان في حياته لتصل به إلى النار الأبدية بعد انقضاء الحياة!

وماذا عن النور؟ لا أحد يعيش بدونه، ليس فقط نور الشمس والقمر، بل أحتاج كذلك لنور به أرى الله وأرى نفسي، أرى الحياة وأرى الخلود، أريد أن أرى حتى ما لا يُرى؟!

لكن هل كل نور أستطيع أن آمن له وأسير به كي يهديني؟!

الاختيار، ليس دائمًا بين النور والظلمة، لكن قد يكون بين نور ونور!

هذا ما قاله الروح القدس في إشعياء ٥٠: ١٠، ١١ «مَنْ مِنْكُمْ خَائِفُ الرَّبِّ، سَامِعٌ لِصَوْتِ عَبْدِهِ؟ مَنِ الَّذِي يَسْلُكُ فِي الظُّلُمَاتِ وَلاَ نُورَ لَهُ؟ فَلْيَتَّكِلْ عَلَى اسْمِ الرَّبِّ وَيَسْتَنِدْ إِلَى إِلهِهِ. يَا هؤُلاَءِ جَمِيعُكُمُ، الْقَادِحِينَ نَارًا، الْمُتَنَطِّقِينَ بِشَرَارٍ، اسْلُكُوا بِنُورِ نَارِكُمْ وَبِالشَّرَارِ الَّذِي أَوْقَدْتُمُوهُ. مِنْ يَدِي صَارَ لَكُمْ هذَا. فِي الْوَجَعِ تَضْطَجِعُونَ».

في هذه الأعداد، يوجد فريقين، فريق - برغم الظلام الذي حوله وأنّ لا نور عنده - اتكل على اسم الرب واستند إلى إلهه. وفريق أيضًا لا نور عنده، ولكن بدلاً من أن يأخذ النور من مصدر النور، قرّروا أن يقدحوا (يشعلوا) نارهم الخاصة لتنير طريقهم.

الفريق الذي سار بالنور الذي من الله، عاش ووصل غايته. والفريق الذي استنار بناره الخاصة، سار في طريق نهايته الوجع.

وحتى نضمن النهايات؛ علينا دائمًا أن نمتحن الوسائل التي نسلكها للوصول لتلك النهايات. ومهما سمت الغايات فالمبدأ الإلهي سيظل قائمًا “الغاية لا تبرر الوسيلة”.

ما أجمل إعلان الله عن النور، «اللهَ نُورٌ» (١يوحنا١: ٥)، والمسيح هو «نُورُ الْعَالَمِ» (يوحنا٨: ١٢).

وكلمة الله هي النور «سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلاَمُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي» (مزمور ١١٩: ١٠٥).

من يتكلون عليه «لهم نور» (أستير٨: ١٦)، بل يكون النور فيهم (لوقا١١: ٣٥).

من يعرفون الله ويطلبون معرفته باستمرار يستنيرون (أمثال٤: ١٨)، يضمنون صحيح المسار (أيوب٢٢: ٢٨) وروعة المصير (يوحنا٨: ١٢).

أما من اختاروا الاستقلال عن الله، حتى ولو كان لهم نور من نارهم الخاصة، فنورهم لا ينفعهم «نَعَمْ! نُورُ الأَشْرَارِ يَنْطَفِئُ» (أيوب١٨: ٥)، وفي نظر الله «نُورُ الأَشْرَارِ خَطِيَّةٌ!» (أمثال٢١: ٤),

لذا في إشعياء ٥٠: ١٠، ١١؛ الاختيار بين النور والنار يصوِّر لنا اختيارًا ما بين كل من:

ديانة الإنسان وتبرير الإيمان

«كَيْفَ يَتَبَرَّرُ الإِنْسَانُ عِنْدَ اللهِ؟» (أيوب٢٥: ٤)، سؤال له إجابة واحدة فقط هي «مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ» (رومية٣: ٢٤، ٢٥).

أما من يريد أن يسلك لله طريقًا آخر غير المسيح، حتى لو كانت أعماله، فالويل له «وَيْلٌ لَهُمْ! لأَنَّهُمْ سَلَكُوا طَرِيقَ قَايِينَ» (يهوذا١١).

فما هو اختيارك للتبرير عند الله؟!

الفهم والوهم

إن اعتمدنا على الكتاب المقدس في معرفتنا لله فنحن نستعمل النور الصحيح «إِلَى الشَّرِيعَةِ وَإِلَى الشَّهَادَةِ. إِنْ لَمْ يَقُولُوا مِثْلَ هذَا الْقَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ فَجْرٌ!» (إشعياء٨: ٢٠).

قد يكون في عدم المعرفة شيء من الراحة، لكنها مهلكة «رَاحَةَ الْجُهَّالِ تُبِيدُهُمْ» (أمثال١: ٣٢).

«وَصَايَا الرَّبِّ مُسْتَقِيمَةٌ تُفَرِّحُ الْقَلْبَ. أَمْرُ الرَّبِّ طَاهِرٌ يُنِيرُ الْعَيْنَيْن» (مزمور١٩: ٨).

فما هو اختيارك لمعرفة الله؟!

الاتكال والاستقلال

أوقات الخوف والحيرة والاحتياج هي فترات تحدٍّ، يستطيع الرب أن يقودنا فيها متى سلَّمنا له (مراثي٣: ٢)، فنختبر كفايته ونغني «اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي» (مزمور٢٧: ١).

أو نختار البحث عن معونات البشر الباطلة (مزمور١٠٨: ١٢)، أو حكمة العالم (جامعة٢: ١٢-١٩)، أو نتكل على إمكانياتنا وخبراتنا وتكون النتيجة «يَتَلَمَّسُونَ فِي الظَّلاَمِ وَلَيْسَ نُورٌ، وَيُرَنِّحُهُمْ مِثْلَ السَّكْرَانِ» (أيوب١٢: ٢٥).

فما هو اختيارك في مواجهة التحديات؟!

العزاء والعذاب

يختار الناس آلهتهم (قضاة١٠: ١٤) وملذّاتهم (إشعياء١: ٢٩) وما لا يُسِرّ الرب (إشعياء٦٥: ١٢). يختارون الحياة الحاضرة على حساب الأبدية (لوقا١٦: ١٩-٣١)، هم بذلك يختارون العذاب الأبدي.

ماذا يفعل الإنسان لكي يهلك؟ الجواب ببساطة: لا شيء، يعيش كمعظم الناس، وسيجد نفسه في النهاية في الهلاك الأبدي!

ليتك صديقي تكون قد وضعت كل ثقتك بالمسيح الذي قال لنا «الَّذِي يَسِيرُ فِي الظَّلاَمِ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَذْهَبُ. مَا دَامَ لَكُمُ النُّورُ آمِنُوا بِالنُّورِ لِتَصِيرُوا أَبْنَاءَ النُّورِ» (يوحنا١٢: ٣٥-٣٦).

صلاتي لنفسي ولك أن يستنير كياننا وطريقنا بالنور الإلهي في المسيح وكلمته


عماد ثروت