نار الغلاء لن تحرقني

من يرصد نبض الشارع المصري في هذه الأيام، لا يحتاج أن يبذل جهدًا كبيرًا ليلاحظ أن موضوع حديث الناس من كافة فئات المجتمع ومن جميع المستويات، هو “الغلاء الشديد” لكل شيء. الناس في حالة ذهول وغضب وحيرة، وهمّ وغمّ، وخوف من المستقبل المجهول. تألمت جدًا عندما قرأت، في مواقع مختلفة، عناوين مؤثِّرة ومعبِّرة عن الوضع الرهيب، أذكر بعضها على سبيل المثال: “نار الغلاء تكوي المناطق الشعبية”... “نار الأسعار تحرق جيوب المصريين”... “نار الحرمان ولا نار الغلاء!”... “الغلاء الرهيب ينهش جيوب محدودي الدخل”... “الأسعار نار والشعب في مرار”.

بالطبع لفت انتباهي، ما شد أيضًا انتباهك، وهو تكرار كلمة “نار”. أي شيء أحرَّ من النار! وأي شيء أمرَّ من الذل والحرمان! واضح أن الأزمة الاقتصادية تزداد حِدّة، يوم وراء الآخر، والناس من حولنا تعاني وتشكو، وتلتمس ما يهدّئ روعها ويبدِّد مخاوفها. كمؤمنين، لا ندّعي أننا لم نتضايق، أو نتضرَّر بصورة أو بـأخرى، فهناك - بمقتضى الحال - قرارات تتأجَّل وخطط تتبَّدل، وأولويات تتغير... الخ. لكن ما هو أهم من ذلك أن المؤمن يُمتحَن بهذه النار أيضًا، فعن أي شيء تكشف؟ لذلك أريد ببساطة وصراحة أذكِّرك عزيزي الشاب ببعض الأمور التي تساعدك في اتخاذ القرار المناسب والموقف الصحيح في هذا الموضوع:

أولاً: الرب يعلم أننا سوف نجتاز في هذه الأيام،
وقد رصد لنا العون اللازم


نحتاج في هذه الأيام، أكثر من أي وقت مضى، أن نثق في مواعيد الرب وكفايته لنا من كل وجه. يقول الكتاب إن البار بإيمانه يحيا، وفي الحقيقة: المؤمن الذي يحاول أن يطمئن نفسه بوعود بشرية أو أرصدة احتياطية أو خطط إنسانية... الخ، سوف يُصدَم ويُصاب بخيبة أمل كبيرة. المؤمن في هذه الأيام يحتاج في المقام الأول إلى الإيمان؛ لأن الظاهر بالعيان لا يبشِّر بالخير، إنما الذي يعطي الضمان ويملأ قلوبنا بالسلام هو ثقتنا في الرب الذي وعد أن يكون معنا كل الأيام إلى انقضاء الدهر. ربما تفكِّر في اقتناء شيء ما أو دفع مصاريف شيء آخر، وأُحبطت بسبب الغلاء الغير المسبوق لكل شيء. ثق في الرب الذي يمكنه أن يملأ كل احتياج - لا حسب ما لديك بل - حسب غناه في المجد. الرب في العُلا أقدر. عينه بصيرة ويده قديرة، يرى ظروفك ويستطيع أن يمدّ لك العون ولن يتخلى عنك أبدًا.

ثانيًا: يلزم أن نرفع صلوات ليترأف الرب على البلاد برحمة خاصة

مسؤولية علينا أن نصلّي من أجل بلادنا وحكومتنا كي يعطي الرب حكمة للمسؤولين ويضع حدًّا للسلب والرشوة والإهمال واستنزاف الموارد بغير أمانة. كما نصلي للرب الرحيم أن يتعطَّف على المساكين والمتضايقين في معيشتهم. كُفّ عن الشكوى، وأكثِر من الصلاة. إن درَّبت نفسك على ذلك، ستتختبر أكثر من أمر: أولًا، سيمتلئ قلبك بسلام عجيب، وستجد حديثك مع الناس مُشجِّعًا وُمعزّيًا ومُعطَّرًا بالرجاء. ثانيًا، ستشعر أكثر بالمحتاجين، فيكون لهم في قلبك مكان، وربما تتوق لمساعدة من يشغلك ويشرِّفك الرب بتقديم يد العون لهم.

ثالثًا: نحتاج أن نعيد ترتيب أولوياتنا
ونجيد إدارة مصروفاتن
ا

لا يعيبك مطلقًا إنْ قرَّرت ترشيد نفقاتك، وتوقَّفت عن شراء أشياء ترفيهية وغير ضرورية، ووجَّهت مواردك المتاحة لما هو أكثر أهمية. تدرَّب على ضبط النفس وترتيب الأولويات. هذا التدبير الحسن، يجعلك تكتسب عادات إنفاق حكيمة، كما يزيد من خبرتك في إدارة مواردك، ويصقل شخصيتك ويغذّي قناعتك، ويدرِّبك على الشكر في كل الظروف بصورة لا تخطر على بالك. يوجد مثل شائع، إلى حد كبير صحيح، يقول “قُل لي كيف تنفق مالك،‏ اقُل لك من أنت”؛ فطريقة وأوجه إنفاقك للمال تعكس شخصيتك.

رابعًا: تعلَّم من حكمة والديك وخبراتهم
في إدارة الشؤون المالية

في الغالب لا يشغل الشاب باله بدخل والديه أو إمكانياتهم المادية بقدر ما يشغل نفسه باحتياجاته وطلباته الخاصة. إن سألتك: هل فكرَّت مرة كم ينفق والديك كل شهر من إيجار وأقساط وفواتير؟‏ لا تنسَ أن جزءًا من المبالغ المدفوعة هي من أجلك ولتسديد احتياجاتك الشخصية. جيد للشاب أن يتعلم من والديه كيف يديرون الشؤون المالية.‏ كم من شباب شهدوا عن آبائهم أنهم تعلموا منهم النظام في تدبير أمور البيت وخاصة إدارة موارد العائلة المالية.‏ كم من شابات تعلّمن من أمهاتهن دروسًا عظيمة في التدبير المنزلي! قالت أحدهن عن أمها “كان في مقدورها أن تصنع المعجزات بمبلغ صغير من المال، ولم تُثقِل كاهل أبي بأي ديون مالية، وفي ذات الوقت لم تكن ترهقنا بتقشف أو حرمان من شيء”. الأتقياء ليسوا دائمًا أغنياء ماديًا، لكنهم حكماء يعلمون كيف يدبروا بيوتهم حسنًا.

عزيزي.. اقترب أكثر من الرب وكلمة نعمته القادرة أن تشجِّعك وتعقِّلك وتوجِّهك؛ لأنّ تيار العالم شديد ويمكن أن يؤثِّر على فكرك ومشاعرك وتصرفاتك وردود أفعالك دون أن تدري. تعلَّم من الأمناء الذين في محيط حياتك، سواء في عائلتك أو كنيستك المحلية أو أصدقائك. ولا يكن موقفك أو كلامك سلبيًا يزيد من وجع وحيرة من حولك، بل تشجَّع وتشدَّد لتكون سبب بركة لجيلك. فيمكنك أن تقول بإيمان، بالإستناد على كفاية وصلاح الرب “إن نار الغلاء لن تحرقني”، بل يحلو لك أن ترنم قائلاً:

أنت راعي صالح وصادق
  في جناحيك بنلاقي ساتر
 
مستحيل يجي يوم نضيع
  وأنت إلهنا شديد وقادر
 
اللي فات سلمنهولك
  واللي جاي بنديهولك
 
وأنت أمين ما هاتنسى وعدك
  تجاوب اللي بيندهولك