الفنّان


من سلسلة: بأقلام القراء

أخذ الرسام ريشتهُ

وضع بجانبه الألوانْ

بدأ يرسم بعض خطوطٍ

تائهة دون عنوانْ

وأنا أنتظرُ وأنتظرُ

حتى مَلَلتُ من الفنانْ

قلت له “أعذرني ولكن..

أنا لا أفهم ما ترسمُه

بعض خطوطٍ متناثرةٌ

ماذا لديك لتٌقدِّمَهُ؟”

قال “اصبر حتى تفهم

لم تكتملْ اللوحةُ بعدْ

تنقصني بعض اللمسات

حينها سوف تنالَ الرَدْ”

بعد قليلٍ بدأت تظهر

صورة طفلٍ ما أجملهُ

كلَّ خطوطِ الرسم أزاحت

كل سؤالٍ... لم أسألهُ

إن خطوط الرسم تمثِّل

بعض تجارب للبنيانْ

جازت فينا في طفولتِنا

تركت أثرًا... حتى الآنْ

بعضها رُسِمَ بالضيقاتِ

رُسم بعضها بالإحسانْ

غادرت الرسامَ مشيتُ

محتارًا بين الطرقاتِ

ووجدت في طريقي مصوِّرَ

يبحث عن بعض اللقطاتِ

جلس في استعدادٍ تامٍ

ويراقب حركاتِ غلامٍ

يلعب فرحًا مع رفقتِهِ

يلهو في سرورٍ وسلامٍ

حتى جاء بعضَ الصبيةُ

يبغون مشاجرةً معهمْ

ركض رفاقُ غلامنا فورًا

وقف وحيدًا ليقاومهمْ

كان هو مختلفا عنهمْ

لم يَعتَد أن يهربَ يومًا

كان يواجه خوفه دومًا

جلس مصوِّرنا ليشاهد

وحسبته لا يفعل شيئًا

قلت له “يا سيدي كيفَ

تنظرَ للظلمِ وتتمهلْ؟”

قمتُ لأوقف هذا بنفسي

قال “أنتظرَ لا تتدخلْ

إن ضيقات العمر ستجعلْ

في صورته شيئًا أجملْ”

دفعوه الصبية فوقعَ

وابتسموا سخريةً منهُ

وعيونه تحتجز الدمعَ

قام مصوِّرنا منفعلا

وأخيرًا قد دافع عنهُ

واقترب منهم متّقِدًا

صاح فيهم “هذا يكفي”

فابتدأ الخوفُ يسبيهمُ

ركضوا جميعًا.. علَّه يعفي

فاحتضنَ فتانا وقبَّلهُ

نظر إليه ثم سألهُ

ألا تبتسمُ لآخذَ صورةً

فامتزجت بسمة شفتيهِ

ببريق الدمع في عينيهِ

غادرت مصورِّنا مشيتُ

محتارًا بين الطرقاتِ

ووجدت أحد الكتَّابِ

أمسك قَلَمَهُ كي ما يكتبْ

قصة شابِ

(قد واجه صعوباتٍ عِدَّة

سقط كثيرًا قام وصبِرَ

فشل كثيرًا ثم أنتصرَ

بات قويًا أكثر جدًا

من ذي قبل

عزم أخيرًا أن يتزوج

وجد الزوجة.. تركَ الأهلَ)

ثم سريعًا أصبح أبًا

عاش ليرعَى هذا الابن

كبر الابن وأصبح شابًا

(قد واجه صعوباتٍ عِدَّة

سقط كثيرًا قام وصبِرَ

فشل كثيرًا ثم أنتصرَ

بات قويًا أكثر جدًا

من ذي قبل

عزم أخيرًا أن يتزوج

وجد الزوجة.. تركَ الأهلَ)

استوقفت الكاتب لحظة

قُلتُ “مذاقُ القصةِ مُرّ

هل ترك الابن والديه

وهما بمثل هذا العمرْ؟”

نظر إليَّ ثم تبسَّم

رجع لعمله لم يتكلَّم

غادرت الكاتب ومشيتُ

محتارًا بين الطرقاتِ

فسمعت ألحان موسيقى

وسمعت بعض النغماتِ

فبحثت عنها مشتاقًا

أخذتني إليها قدماي

ورأيت جمعًا محتشدًا

يسمع ألحانًا بالناي

جلس الفنان كي يعزف

أجمل ما سمعت أذناي

حتى إذا انتهت المقطوعة

وقف الجمهور ليصفِّقْ

والدمع يملأ عينيه

(أما الفنان فابتسم

مبتهجًا بصنيع يديه

قد لمس بالعزف قلوبًا

حتى يعود المجد إليه)

هكذا نحن حين نَكبُرُ

وتمر علينا الأعوامْ

ينظر فينا الناس مثالاً

يسمعوا بعضًا من أنغامْ

حتى يسكت لحن القلبِ

تصمت أنغام النبضاتْ

يقف الجمع كي ما يصفِّقْ

يبكي حزنًا على ما فاتْ

(أما الله يقف مبتسمًا

مبتهجًا بصنيع يديه

قد لمس “بالفن” قلوبًا

حقًا.. عاد المجد إليه)

أندرو مجدي - الأسكندرية